من الظلم ان تحاول بعض الدول العربية، اظهار ايران على انها عدوة للعرب، وان "اسرائيل"، لا تشكل اي تهديد للدول العربية والاسلامية، وان بالامكان التوصل معها الى اتفاقيات سلام، اما مع ايران، فلا سلام ولا وئام.
لسنا هنا لنُزايد على أحد، ولا لنخوّن أحد، ولسنا بصدد اطراء المديح لايران في دعمها للمقاومة في لبنان وفلسطين، فهي ليست بحاجة الى مثل هذا المديح، لانها ترى فيما فعلته في هذا الشأن واجبا شرعيا وانسانيا واخلاقيا، ولكننا هنا بصدد ان نُذكّر الجميع، في وقت تتعرض في غزة لهجوم صهيوني وحشي، ان الامة لا عدو لها الا "اسرائيل".
نريد ان نؤكد، بينما يتعرض اهلنا في غزة لجريمة كبرى، ان ايران هي في خندق حماس وحزب الله والدول العربية والاسلامية قاطبة، فخطر "اسرائيل" يهدد الجميع ولايستثني احدا، وان من الظلم ان تحاول بعض الدول العربية، اظهار ايران على انها عدوة للعرب، وان "اسرائيل"، لا تشكل اي تهديد للدول العربية والاسلامية، وان بالامكان التوصل معها الى اتفاقيات سلام، اما مع ايران، فلا سلام ولا وئام.
في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الامة، حيث تذبح آلة الحرب الاسرائيلية اطفال ونساء وشيوخ غزة، بعد ان حاصرتهم وجوعتهم سنوات، نتمنى ان تقف الحكومات والنخب السياسية والاعلامية العربية للحظة، وان تعيد النظر في سياستها تجاه ايران، وان تكف عن الترويج لخطرها الوهمي على العرب والمسلمين، والا ترد يد ايران الممدوة دوما الى اشقائها العرب، والا تقع في فخ المخططات الصهيونية الرامية الى اختلاق الفتن الطائفية التي لا يمكن وصفها الا بالفتن العبثية والعدمية، والنار التي تأكل ثروات ومقدرات وشباب وحاضر ومستقبل الامة، دون اي مبرر، كما نشهد اليوم في ديارنا، حيث نقتل بعضنا بعضا باسم الدين، بينما الاسلام العظيم براء من كل ما نفعل.
الى بعض اخوتنا الذين يروجون مقولة اسس لها اعداء الامة، الا انها وجدت طريقها اليهم، وهي مقولة ان ايران تخطط ضد العرب من وراء الكواليس مع "اسرائيل" وامريكا، وهي مقولة تضحك لها الثكلى، والى هؤلاء نقول، كيف يمكن ان تتواطأ ايران مع اعداء الامة، بينما هي تدفع ثمنا باهظا وباهظا جدا بسبب تمسكها بالقضية الفلسطينية، ووقوفها امام كل المخططات التي اريد لها ان تحذف فلسطين من الجغرافيا والتاريخ، حتى بات واضحا ان الغرب لا مشكلة له مع البرنامج النووي الايراني، فهذا الغرب يعرف اكثر من الاخرين، ان هذا البرنامج هو برنامج سلمي مائة بالمائة، ولكن الغرب يريد من ايران ان تتراجع عن مواقفها الداعمة فلسطين والمعادية ل"اسرائيل".
"اسرائيل" التي يحسب لها العالم الف حساب، وفي مقدمة هذا العالم الغرب وحتى امريكا، ولم تتجرأ اية دولة في العالم ان تدوس لها على طرف، ناهيك عن معاداتها، وتتمنى الكثير من الدول كسب ودها للحصول على مكاسب مادية او كف شرها، وجدت في الجمهورية الاسلامية في ايران خصما لدودا لا يخشاها ولا يخشى امريكا والغرب الذي يقف وراءها، وهذا العنفوان والقدرة التي لدى ايران، اشاع اجواء من الثقة بالنفس لدى فتية امنوا بربهم، فاذلوا "اسرائيل" وقهروا جيشها الذي لا يقهر.
إن "اسرائيل" لم تُذل ولم تُحتقر في تاريخها، كما ذُلت واُحتقرت على يد المقاومة الاسلامية في لبنان وفلسطين، فقد ذاقت طعم الذل اكثر من مرة على ايدي حزب الله وحماس والجهاد، وجانب كبير من حالة الذل التي نزلت بـ"اسرائيل" يعود الفضل فيها الى السلاح النوعي الذي زودت بها ايران المقاومين، دون ان يردعها عن اداء هذا الواجب خوف من "اسرائيل" او من اسيادها، ودفعت من اجل ذلك اثمانا باهظة، الا انها هانت امام الهدف الاكبر، وهو تعزيز روح الصمود والمقاومة لدى الشعبين اللبناني والفلسطيني، وردع "اسرائيل" من تحديد بدايات ونهايات حروبها الظالمة، كما كانت تفعل في السابق.
اليوم ورغم عدم التوازن في حجم النار بين الكيان المحتل والمقاومة الاسلامية في غزة، الا ان ابطال المقاومة تمكنوا من ان يفرضوا معادلة جديدة في صراعها مع اسرائيل، عبر دك تل ابيب وحيفا ومفاعل ديمونا بصواريخ فجر الايرانية، دون ان تتمكن القبة الحديدية ان تعصم "اسرائيل" من هذه الصواريخ، التي بثت الخوف والرعب في قلوب سكان هذا المناطق، بعد ان كان الخوف والرعب من نصيب اطفال ونساء غزة فقط.
ان هذه الصواريخ التي يصل طول بعضها الى ستة امتار، لم تنزل من السماء الى المقاومة في غزة، فهناك الكثير من الشباب ضحوا بانفسهم، من اجل ايصال كل واحد منها الى يد المقاومة في غزة، ونخص بالذكر الدور الفاعل والمؤثر لابطال حزب الله والحكومة السورية في تعزيز القدرات الصاروخية للمقاومة الاسلامية في غزة، التي تسطر اليوم ملاحم من الفداء وهي تواجه آلة الموت الاسرائيلية.
اخيرا ندعو مرة اخرى، وفي هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الامة، الجميع الى العمل على تصحيح تجاه البوصلة، التي حاول البعض للاسف الشديد اعطابها، كي نغفل عن تحديد عدونا الحقيقي الذي يتربص بنا الدوائر، ومن اجل فعل ذلك، يكفي ان نقارن بين مشهدين، وهما مشهدان نعيشهما في آن واحد، احدهما هدفه اعطاب البوصلة، والاخر تثبيتها.
الاول مشهد مقزز، اقحمنا فيه الاعداء، وهو مشهد الحروب الطائفية القذرة التي تعصف ببلداننا، فسالت الدماء وهُدمت الاوطان وشُردت الشعوب، القاتل والمقتول فيها هم المسلمون، ولا منتصر فيها الا الاعداء، وفي المقابل هناك مشهد مشرف يتمثل بمشهد المقاومة الاسلامية في لبنان وغزة، حيث العدو الاول والاخير فيه هو الكيان الصهيوني المغتصب للارض والعرض، وجميع فوهات البنادق متوجه نحو صدر هذا العدو، لذا نحن امام امتحان عسير، وعلينا ان نختار بين ان يقتل بعضنا بعضا، او ينصر بعضنا بعضا.. وفي الامتحان يُكرم المرء او يُهان.