25-11-2024 05:28 PM بتوقيت القدس المحتلة

إلى أين ذهب أطفال ليبيا المفقودون منذ زمن بعيد..؟

إلى أين ذهب أطفال ليبيا المفقودون منذ زمن بعيد..؟

إن طابع الحياة التي تعيشها بعض المناطق في ليبيا الغربية لا يزال على حاله في الوقت الذي يزداد القلق الشعبي بشكل لافت حول مصير الأطفال الليبيين المفقودين وذلك في الأسبوع الأول من شهر رمضان الذي كان مجهد

كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله
طرابلس/ ليبيا

 

إن طابع الحياة التي تعيشها بعض المناطق في ليبيا الغربية لا يزال على حاله في الوقت الذي يزداد القلق الشعبي بشكل لافت حول مصير الأطفال الليبيين المفقودين وذلك في الأسبوع الأول من شهر رمضان الذي كان مجهدا على غير العادة.

أما النقص في امدادات البنزين فقد أصبح حادا وبالرغم من جهود الحكومة لتخفيض الأسعار فقد أخبرني سائق سيارة أجرة البارحة بأنه في حين كان السعر المعتمد "للبنزين" يساوي 40 سنتا أميركيا لكل غالون بنزين سعته خمسة ليترات، أصبح عليه الآن دفع "أربعة دنانير لكل ليتر من الوقود!" ما يساوي تقريبا 13 دولارا أميركيا لكل غالون من البنزين. ويعتبر هذا ارتفاعا ضخما في الاسعار بالنسبة لبلد معتاد على وجود الوقود المدعم بأسعار منخفضة منذ زمن بعيد. وقد وصل وقود "الاقتصاد غير الرسمي" (أي السوق السوداء) في صناديق السيارات عبر الحدود التونسية، وكثيرا ما ترى الناس يحاولون استخدام أنابيب مؤقتة للحصول على البنزين لتزويد مركباتهم به بدلا من تلطيخ شوارع الأحياء ببقع البنزين.
 
سكان من طرابلس يحاولون تعبئة خزان سيارة بوقود السوق السوداء وقد سكبوا بعضا منه. تصوير: فرنكلين لامب في 5 آب/ أغسطس 2011

وإذ تمشي حول المدينة القديمة قبالة شارع عمر المختار ترى القلق على وجوه الناس بسبب تدهور الأوضاع. فالمتاجر، كما حال البيوت، أصبحت عرضة للانقطاع الدائم للتيار الكهربائي ولذلك سريعا ما تتحول إلى أماكن حارة وخانقة وبالتالي فإن الزبائن لا يتشجعون لدخولها. أما بعض محلات المواد الغذائية فتضطر إلى رمي الحليب وغيره من المواد التالفة بسبب انقطاع الكهرباء الذي يستمر أحيانا مدة أحد عشر ساعة مما يؤدي بدرجات الحرارة للارتفاع إلى ما فوق 110 درجات فهرنهايت (أي 43 درجة مئوية). وفي شارع الرشيد وسط مدينة طرابلس، أخبرني رجل نبيل أنه وعائلته لم يستعملوا الكهرباء منذ خمسة أيام وأن مضخة المياه في مبنى سكنهم توقفت عن العمل فهم بالتالي يفتقرون إلى خدمتين أساسيتين.


إن عمل القرصنة المثير للجدل الذي قامت به قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) هذا الأسبوع من خلال استيلائها على سفينة "كارتاجينا" الناقلة للوقود قبالة ساحل مالطا والتي كان على متنها البنزين المتجه إلى طرابلس، وإرسالها بدلا من ذلك إلى ميليشيا الثوار المتمركزة بالقرب من بنغازي، يفسره المقر الرئيسي لحلف (الناتو) على أنه ضروري "لحماية المدنيين في ليبيا".

وبحسب ما صرّح به معاون وزير الخارجية الليبية خالد القيّم، نذكر: "إن عهد القرصنة عائد إلى الشرق الأوسط بسبب (الناتو)".

وقد أغلق بعض أصحاب المحال المحبطين متاجرهم واتجهوا نحو البحر علّه يسكّن أوجاعهم أو ليأخذوا قيلولة إلى أن يحين موعد غروب الشمس وبدء إفطارهم الرمضاني. ولكن انقطاع الكهرباء يعرقل تحضير الإفطار أيضا (ملاحظة: منذ 15 دقيقة نقل أن قوات (الناتو) قصفت البحر العمومي المجاور للفندق الذي أقيم فيه فضلا عن ثلاث غارات مجاورة غير محددة الأهداف).

وكلما سمع دوي انفجار كان فريق من المارة والأطفال يشيرون بأصابعهم باتجاه المكان المستهدف ويشاهدون الدخان الأبيض أو الأسود المتصاعد (اللون يختلف بحسب نوع الصاروخ أو القذيفة)، وبعضهم يصرخ شاتما (الناتو).

وإذا ما قابل أجنبي مواطنين غاضبين ممّن يلومون أميركا بسبب قصف (الناتو) فإن الطريقة الأسرع لتخفيف التوتر بين المحتشدين هي أن يقوم الأجنبي بإظهار إشارة السلام بإحدى يديه وأن يجعل يده الثانية على شكل قبضة ثم يردد بضع مرات: "الله! محمّد! معمّر! ليبيا! وبس". والسكان المحليون يقدرون هذه المشاعر، أما الصغار فغالبا ما يشتركون في الهتاف والرقص الشعبي.

أما في صباح 7 آب/ أغسطس 2011 فقد أظهرت إحصاءات (الناتو) أنه منذ 31 آذار/ مارس 2011 أطلقت قوات (الناتو) 18270 غارة معظمها ضد ليبيا الغربية، وتتضمن 6932 طلعة جوية. وفي الليلة الماضية (أي في 6 آب/ أغسطس 2011)، تم إطلاق 115 طلعة كان من بينها 45 عملية قصف وقد تركزت 12 منها وسط طرابلس بدء من الساعة العاشرة مساء.

ولعظيم شرفهم، عمل بعض الموظفين في الكونغرس الأميركي وتحديدا في لجنة الخدمات المسلّحة في مجلس الشيوخ والمتصلة مع البنتاغون، عملوا على شكاوى أساسية وانتقدوا وصف (الناتو) غير الكامل لهجماته ضد المدنيين في ليبيا.

فعلى سبيل المثال، صرح حلف( الناتو) هذا الأسبوع بقصفه على قرية "زلتان" التي تبعد حوالى 26 كلم شرق طرابلس في الجبال الغربية بما يلي: " مرفق تخزين ذخيرة واحد، ومرفق عسكري واحد، وراجمتان مزدوجتان للصواريخ".

 وبالمقابل، فإن ما يغيب عن تقرير (الناتو) الخاص هذا والذي نشر على موقعه على الانترنت هي حقيقة أن ذلك الهجوم قتل زوجة مصطفى ناجي واثنين من أولاده، يذكر أن ناجي معلم مادة الفيزياء ومن سكان قرية "زلتان". وقد سحقت أجساد الزوجة ابتسام والطفلين محمد (خمس سنوات) ومعتصم. ومرة جديدة يقول (الناتو) إنه لا يمكن أن يؤكد أي مزاعم حول "القتل غير المقصود"، إلا أنه يمكن أن يوصي بإجراء تحقيق.

وقد ظهر بعد أسبوع من تبني (الناتو) قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1973، ظهر أن (الناتو) هو أداة بيد سياسة الإدارة الأميركية لتغيير النظام في ليبيا. وفعليا فقد افترض (الناتو) أنه سيأمر "الثوار" ويتحكم بدورهم في الحرب الأهلية الليبية. وهذا المساء، زعم رئيس الوزراء الليبي بغدادي محمودي أن معظم قادة الثوار قد غادروا ليبيا وقد تحدّاهم بأن يعقدوا اجتماعا خلال شهر رمضان. ويزعم محمودي أن (الناتو) يستخدم متطرفين إسلاميين لأنه يمكن الاعتماد عليهم أكثر في تطبيق قراراته إذ يسعى لكسر إرادة الشعب في المقاومة، تماما كحملة القصف الإسرائيلية التي استهدفت المدنيين في لبنان خلال حرب تموز/ يوليو عام 2006.

 
أين الأطفال؟


أسماء الأطفال الليبيين المفقودين من دار الأيتام في مصراتة وتواريخ ميلادهم. تصوير: فرنكلين لامب بتاريخ 4 آب/ أغسطس 2011.

ومن الأمور التي تشغل كلا من الشعب والحكومة في ليبيا الغربية هو مكان وجود 105 أطفال 53 منهم من الإناث و52 من الذكور وتتراوح أعمار مجموعة منهم من عام واحد إلى 12 عاما أما أفراد المجموعة الأخرى فتتراوح أعمارهم بين 12 و 18 عاما. وجميعهم من مأوى تديره الحكومة لرعاية الأيتام والأطفال المظلومين الذي كان عاملا حتى شهر شباط/ فبراير في مصراتة الواقعة اليوم تحت حكم الثوار. وذلك بالاستناد إلى عدد من التقارير خلال الأشهر الثلاثة الماضية فضلا عن شهادة قدمها الاتحاد العام لمنظمات المجتمع المدني مساء الخميس أمام وسائل الإعلام الدولية التي يحتشد مراسلوها في فندق "روكسيس" في طرابلس.

المنظمات الليبية غير الحكومية دعت الأجانب إلى مؤتمر الأسبوع الماضي رغبة بمساعدتها في إيجاد 105 أطفال مفقودين من مصراتة.


والأطفال، البالغ عددهم 105 والذين هم جزء من أكثر من 1000 مفقود، "اختطفتهم" قوات الثوار عقب دخولها إلى مصراتة ثم شرعت في أعمال القتل التي تم توثيق بعضها من قبل منظمة "هيومن رايتس ووتش" الإنسانية ومنظمة العفو الدولية عبر مجموعات أخرى. وإنه لمن المؤكد أن الأطفال لم يعودوا موجودين في أماكن تأويهم. ولكن من هذا المنطلق فإن كل خبر عنهم غامض حتى الآن.

وتزعم الحكومة الليبية أن الشباب قد اختطفوا من قبل الثوار الذين بدأوا الثورة في أواخر شهر شباط/ فبراير. كما وتشير أخبار الشهود العيان إلى أنه قد تمت رؤية الأطفال للمرة الأخيرة وهم يقادون إلى مركب إما تركي وإما إيطالي وإما فرنسي. وقد زعم أكثر من شاهد أنهم رأوا بعض الأطفال يباعون في تونس. كما وقال مراسل "تيليسور" الروسية على صفحة "تويتر" الخاصة به، قال: "أكد عدد من المصادر على أن الأطفال البالغ عددهم 105 قد أخرجوا من ليبيا على متن سفينة يمكن أن تكون إما تركية وإما فرنسية وإما إيطالية".

وفي الإطار نفسه، ذكر وزير الشؤون الاجتماعية الليبي ابراهيم شريف هذا الأسبوع أمام مراسلين صحفيين ما يلي: "إننا نريد الحقيقة ونحمل هذه الدول مسؤولية سلامة هؤلاء الأطفال الذين ليسوا جنودا ولا محاربين". وأضاف شريف أن أحد أطباء الثوار الذين اعتقلتهم القوات الحكومية أفاد بأن بعض الأيتام قد أخذوا إلى فرنسا وإيطاليا.

وإن تاريخ مصراتة في الفترة الواقعة ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والمتعلقة بمرفأ تجارة الرقيق الجنوب أفريقي، يعكس حقيقة في يومنا هذا تفسر التوترات بين ثلث سكان ليبيا السود. ويتحدر معظم هؤلاء من أجدادهم العبيد كما ويعيش أغلبهم في قرى ليبيا الغربية التي تقاتل اليوم الثوار المتمركزين في كل من مدن مصراتة وبنغازي. ويبدو أنهم شديدو الاهتمام بموضوع الأطفال المفقودين.

وفي حين كانت ليبيا على الأرجح هي البلد الذي يطبق القوانين الأكثر صرامة لحماية الأطفال في الشرق الأوسط وأفريقيا، فإن الناس هنا في ليبيا لا زالوا يتذكرون بشكل واضح  أن فرنسا كانت في قلب الفضيحة عام 2007 عندما عندما قام عمال الإغاثة التابعون لمؤسسة "زو آرك" الخيرية بمحاولة ترحيل 103 أطفال جوا من جمهورية التشاد التي تحد ليبيا من الجنوب، وقال هؤلاء العمال إن الأطفال كانوا أيتاما من دولة السودان المجاورة. وقد علم فريق الدعم الدولي لاحقا أن الأطفال كانوا تشاديين وكان على الأقل أحد آبائهم على قيد الحياة. والناس هنا يخشون من أن يحل بهؤلاء الأطفال الليبيين ما قد حل بسابقيهم.

وما يزال راسخا أيضا في أذهان الليبيين هو ما قد حل منذ عامين في دولة هاييتي عندما تم اختطاف "أيتام" بحسب ما صرح به مسؤولون هاييتيون. ونظرا إلى انتشار وباء الإتجار بالبشر في هذه المنطقة وخصوصا الإتجار بالأطفال، تزداد المخاوف من هذا الموضوع.

ولم يقدم حلف (الناتو) ولا صندوق رعاية الأطفال التابع لهيئة الأمم المتحدة (اليونيسيف)، ولا منظمة حماية الأطفال ولا حتى مكتب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أي إجابات على التحقيقات الهادفة للحصول على معلومات حول اختفاء الأطفال. وقد وافق عضو الكونغرس من ولاية "أوهيو" "دنيس كوكينيتش" على مطالبة البيت الأبيض بإصدار أمر بالتحقيق الفوري، وبالطبع سيقوم أي مدافع عن حقوق الإنسان برفع هذه القضية في الغرب والمطالبة بتحقيق طارئ تجريه حكومة بلاده.

وقد طالبت كل من الحكومة الليبية وممثلا بابوية الروم الكاثوليك المطران "جيوفاني مارتينيللي" وكنيسة يسوع الملك الإنكليزية الأب داوود في ليبيا الأمم المتحدة بإجراء تحقيق والعثور على الأطفال.

وفي ما يتعلق بالمجلس الوطني الانتقالي، فقد أنكر المتحدث باسمه جميع التهم القائلة إنهم باعوا الأطفال، كما ويدّعي أن الأطفال موجودون لدى الحكومة الليبية في طرابلس وهي تتخذ منهم دروعا بشرية في مجمع باب العزيزية وسط طرابلس الذي قصف حتى الآن خمس مرات. ولم تنقل أي منظمة لحقوق الإنسان ولا أي مراسل صحفي من الذين حققوا في هذه الادعاءات أنهم رأوا أي علامة على وجود الأطفال في منطقة باب العزيزية. وإن لدى الاتحاد العام المذكور سابقا صور وأسماء وأعمار الأطفال المفقودين جميعهم وقد قام بنشرها بشكل موسع.

وقد أطلق ما يزيد على عشرة من منظمات الرعاية الاجتماعية والجمعيات النسائية ونقابات المحامين الليبيين حملة إعلامية وشعبية مشددة للعثور على الأطفال المفقودين منذ ستة أشهر حتى يومنا هذا.
فرنكلين لامب موجود في ليبيا ويمكنكم التواصل معه عبر بريده الالكتروني
fplamb@gmail.com

لقراءة المقالة باللغة الإنكليزية إضغط هنا