وما أن بدأت مداخلة مراسل القناة في الأراضي المحتلّة مجدي الحلبي، حتى انقلبت الآية، ليظهر في أسفل الشاشة عنوان فرعيّ يلخّص الأحداث كالتالي: "الحرب على إسرائيل"
سناء الخوري/ جريدة السفير
إن أردنا تعداد المرّات التي انحاز فيها الإعلام الأميركي أو الغربي ضدّ الفلسطينيين العزّل، لصالح الرواية الإسرائيليّة الرسميّة، لن تكفينا صفحات هذه الجريدة. ليس الأمر مجرّد انحياز، إنّه سياق تزوير متعمّد، وطويل الأمد، ناتج في جزء منه عن قدرة الإسرائيليين على الترويج لمنطقهم، كضحيّة دائمة، بكلّ الوسائل الممكنة. وناتج أيضاً عن تبنّي معظم وسائل الإعلام الجماهيريّة، الأميركيّة منها على وجه الخصوص، خطاباً شبه رسمي، لا يحيد في خطوطه السياسيّة العامّة، عن بيانات الناطق باسم البيت الأبيض.
كأنّهم سندويش فلافل!
مع تصاعد العدوان على غزّة خلال الأيّام الماضية، لم يكن غريباً أن يستعيد الإعلام الأميركي تقاليده الأثيرة، القديمة والراسخة، في قلب الأدوار، وتجاهل أيّ صوت مغاير للرواية الإسرائيليّة الرسميّة. أمثلة عدّة ترصدها المذيعة في قناة "روسيا اليوم" آبي مارتن، برنامجها Breaking the set، حول تجاهل وسائل الإعلام الأميركيّة موت الفلسطينيين، وتحوير الحقائق. تعرض عناوين الصحف الثلاثة الأبرز في الولايات المتحدة "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، و"لوس أنجلس تايمز" والتي أجمعت على المساواة بين "طرفي النزاع"، بشكل يظهر الطرف الفلسطيني كشريك في العدوان على "إسرائيل". تذكّر مارتن مشاهديها بعدد الضحايا من الأطفال في قطاع غزّة، وتطلب منهم عدم المساواة بين الضحيّة والجلّاد.
لكنّ الأمر تخطّى المساواة بين الضحيّة والجلاد على الشاشات الأميركيّة، ليبلغ حدّ استبدال الضحيّة بالجلاّد بشكل كامل.. ذلك ما فعلته قناة "آي بي سي" على لسان المذيعة دايان سوير، ضمن نشرة "ورلد نيوز" التي تقدّمها يومياً، حين عرضت صوراً لعائلة فلسطينيّة من ضحايا العدوان، موضحةً لمشاهديها أنّهم "عائلة إسرائيليّة تحاول أن تنقذ ما تستطيع من بين الركام". تقول ذلك بكلّ ثقة، ليس كأنّها تتحدّث هنا عن حيوات بشر، بل كأنّها تدرج أطباق الحمص والفلافل والتبولة، ضمن قائمة "الأطعمة الوطنيّة الإسرائيليّة"، كما تفعل مواقع الترويج للسياحة في الأراضي المحتلّة. "آي بي سي" وسوير اعتذرتا عن "الخطأ غير المقصود". وقالت القناة في بيان رسمي لها، أنّها "أخطأت في تحديد هويّة الفلسطينيين".
موقف واضح
خطأ غير مقصود آخر أحرج "أم تي في" اللبنانية في نشراتها الإخباريّة "بيروت اليوم"، ظهر أمس. قد نقول أنّه توارد أفكار في الأخطاء "المطبعيّة" القاتلة، بين القناة اللبنانيّة، و"آي بي سي" الأميركيّة. بدأت القناة فقرتها المخصَّصة للحدث الفلسطيني، بالتأكيد على أنّ إطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني، امتداد للحرب على غزّة. وما أن بدأت مداخلة مراسل القناة في الأراضي المحتلّة مجدي الحلبي، حتى انقلبت الآية، ليظهر في أسفل الشاشة عنوان فرعيّ يلخّص الأحداث كالتالي: "الحرب على إسرائيل".
هفوة "أم تي في" لم تمرّ مرور الكرام، إذ شنّ روّاد مواقع التواصل حملة عليها، مطالبين باعتذار. وطالب بعض المغرّدين بإقفال القناة، لأنّ حريّة الإعلام في لبنان لا تعني تبنّي وجهة نظر صهيونيّة. وكتب أحد المغرّدين أنّ القناة لا تختلف بشيء عن القنوات الإسرائيليّة أو الغربيّة التي تتبنّى رواية العدوّ بالكامل، ودعاها آخر لاستضافة أفيخاي أدرعي في حوار عبر شاشتها، كما تفعل قنوات فضائيّة عربيّة أخرى. كما اتصل عدد من الصحافيين بمكاتبها في النقاش، للتنديد بموقف القناة.
تضخّم السجال عبر مواقع التواصل، دفع بـ"أم تي في" إلى الاعتذار، ونشر اعتذارها على شكل خبر عاجل في أسفل شاشتها، جاء فيه: "أم تي في" تعتذر عن الخطأ غير المقصود، بشأن "الحرب على غزّة، وتؤكّد أنّ موقفها واضح من القضايا العربيّة". ذلك ما لم يخفّف كثيراً من الغضب المصبوب عليها، إذ كتب أحد المعلّقين على "فايسبوك" أنّ المشكلة مع القناة هي أنّ مواقفها من القضايا العربيّة واضحة بالفعل، إذ أنّها لم تتردّد سابقاً ببثّ تقارير تتبنّى وجهة النظر الإسرائيليّة.
"أضرار جانبيّة"
لا يكتفي الإعلام الغربي بتجهيل الفاعل، واستبدال الضحيّة بالجلاّد، بل يذهب حدّ التصريح بأنّ حياة الإسرائيليين تفوق بأهميّتها حياة الفلسطينيين. ضمن الفقرة الإخباريّة "نيوز روم" اليوميّة على شاشة "سي أن أن" أمس الأوّل، قالت مراسلة القناة من أسدود ديانا ماغنيه، إنّه رغم الصواريخ التي تسقط على "إسرائيل"، لم تسجلّ حتى الآن أيّ إصابات، بفضل فعاليّة "القبّة الحديديّة" على حدّ تعبيرها. في المقابل، تشرح ماغنيه، بلغ عدد القتلى في غزّة 78، رغم أنّ جيش الدفاع الإسرائيلي يحاول التصويب بشكل دقيق". هنا تدخّلت مذيعة الفقرة برايانا كيلار، لتفيد المشاهدين، بأنّ "قطاع غزّة مقتظّ جداً بالسكان، ولا بدّ أن تحدث أضرار جانبيّة، كما يحصل هنا".
قبل أيّام، أشارت مدوّنة "الانتفاضية الالكترونيّة"، والتي تعمل بشكل مكثّف على توثيق كافة أكاذيب الإعلام الغربي في ما بتعلّق بفلسطين، إلى مقارنة واضحة، أجراها مراسل "بي بي سي" في الشرق الأوسط كفين كونلي. خلال حديث مع برنامج "توداي" على "راديو 4" التابع لـ"هيئة الإذاعة البريطانيّة"، قال كونلي إنّ "عملية خطف المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة، تبدو بشكل أو بآخر، مروّعة أكثر من موجات العنف الأخرى التي نقوم بتغطيتها في الشرق الأوسط". والسبب برأيه أنّ الاختطاف هزّ مشاعر العائلات والمجتمع الإسرائيلي بأكمله، وتسبب لهم بالصدمة. هكذا إذاً، فليمت مئات الفلسطينيين، ولا يشعر إسرائيلي واحد بأعراض التروما.