ليس هناك حد لفقر العبد وحاجته وضعفه وقصوره وتقصيره،كما انه ليس هناك حد لغنى الله وسلطانه وقوته وجوده وكرمه واحسانه. ومن هنا فان ما ينبغي ان ندعو الله به وما ينبغي ان نطلبه من الله في الدعاء قد يكون كثيراً ومتنوعاً
ماذا ينبغي أن نطلب من الله سبحانه في الدعاء؟ (10)
"وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"، البقرة/186. قلنا إن الله يأمر في هذه الآية عباده بالدعاء ويعدهم بالإجابة ،لانه قريبٌ منهم بل هو اقرب اليهم من حبل الوريد يسمع دعائهم ويستجيب لهم ويلبي ندائهم ومناجاتهم .
وهنا يثار أمامنا سؤالان لهما أهية كبيرة في الدعاء :
السؤال الاول: ماذا ينبغي لنا ان نطلب من الله في الدعاء؟
السؤال الثاني : ماذا ينبغي ان لا نطلبه في الدعاء؟
وحيث ان الجواب عن كلا السؤالين يأخذ مساحة واسعة من الكلام،لذلك نخصص الحديث في هذه الحلقة للجواب عن السؤال الاول ونترك الجواب عن السؤال الثاني للمقال القادم.
وقبل الاجابة عن السؤال الاول لا بد من مقدمة وهي: ان الدعاء يأتي نتيجة شعور الانسان بفقره الى الله وحاجته اليه وما ينبغي ان نعرفه هنا هو انه ليس هناك حد لفقر العبد وحاجته وضعفه وقصوره وتقصيره،كما انه ليس هناك حد لغنى الله وسلطانه وقوته وجوده وكرمه واحسانه. ومن هنا فان ما ينبغي ان ندعو الله به وما ينبغي ان نطلبه من الله في الدعاء قد يكون كثيراً ومتنوعاً ولكن أهم ما اكدت عليه النصوص الاسلامية هو ان ندعو للامور التالية:
أولاً : ان ندعوا لمحمد وآل محمد بالرحمة والرضوان ،فان أهم نقطة في الدعاء بعد حمد الله والثناء عليه هو أن نصلي على محمد وآل محمد باعتبارهم اولياء امور المسلمين وقد ورد في النصوص الاسلامية تركيز وتأكيد كبيران على اهمية هذه الصلاة في الدعاء ، والسبب في هذا الاهتمام واضح ،فان الله يريد ان نجعل من الدعاء وسيلة لارتباط المسلمين بأولياء امورهم واعتصامهم بولايتهم .واعظم نص ورد في القرآن الكريم في هذا المجال هو قوله تعالى : ( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الاحزاب /56. فان هذه الآية تأمر بالصلاة والدعاء للنبي والتسليم عليه.
وروى عبد الله بن نعيم وهو من اصحاب الإمام الصادق (ع) قال : قلت لابي عبد الله (ع) : إني دخلت البيت ولم يحضرني شيء من الدعاء الا الصلاة على محمد وآله فقال :اما انه لم يخرج أحد بأفضل مما خرجت به.
وقد ورد في بعض النصوص ان الانسان اذا اراد ان يدعو الله ويطلب منه حاجته فعليه ان يبدأ بالصلاة على محمد واله أولاً ثم يدعو بعد ذلك بحاجته.
فعن امير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة انه قال : " اذا كان لك الى الله حاجة فابدأ بمسألة الصلاة على رسوله ثم سل حاجتك ،فان الله اكرم من ان يسأل حاجتين فيقضي إحدهما ويمنع الأخرى " .
ثانياً : من موارد الدعاء الدعاء لعموم المؤمنين الاحياء منهم والاموات، بان ندعوا لعموم المؤمنين الحاضرين والذين سبقونا بالإيمان ،ندعوا لهم بالمغفرة والرحمة والخير وقضاء حاجاتهم الدنيوية والاخروية، وهذا اللون من الدعاء يربط الانسان المسلم الفرد بالامة الاسلامية جميعاً فيشعر المؤمن من خلال الدعاء لعموم المؤمنين بالارتباط التاريخي والفعلي بالامة الاسلامية وبوحدة هذه الامة وبالعلاقة القوية التي تربطه بهذه الامة.
وقد ورد في النصوص تاكيد بليغ على هذا اللون من الدعاء ، وورد ان الله يثيب صاحب هذا الدعاء من الحسنات بعدد كل مؤمن ومؤمنة يشمله دعاؤه، وان كل مؤمن يشمله هذا الدعاء يشفع له يوم القيامة بين يدي الله عندما يأذن الله للصالحين من عباده بالشفاعة للمذنبين منهم ،فعن الصادق (ع) قال : قال رسول الله (ص) : " ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات الا رد الله عليه مثل الذي دعا لهم به من كل مؤمن ومؤمنة مضى من اول الدهر ،او هو آت الى يوم القيامة . وان العبد ليؤمر به الى النار يوم القيامة ،فيسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات عندما يرونه وهو يسحب الى النار : يا رب هذا الذي كان يدعو لنا فشفعنا فيه فيشفعهم الله عز وجل فينجو من النار. "
بل في حديث اخر عن الصادق (ع) : من قال كل يوم خمساً وعشرين مرة اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ،كتب الله له بعدد كل مؤمن مضى ،وبعدد كل مؤمن ومؤمنة بقي الى يوم القيامة حسنة ،ومحا عنه سيئة ،ورفع له درجة.
ثالثاً : من فوائد الدعاء، الدعاء للخاصة من المؤمنين وذلك بان نخصص في الدعاء افراداً معنيين نسميهم ونشخصهم ونعينهم باسمائهم ،وهذا اللون من الدعاء يزيل ما قد يتراكم من السلبيات على العلاقات الثنائية بين الاخوان والارحام ومعارف الانسان فإن المؤمن إذا دعا بالرحمة والمغفرة لاخوانه الذين يسميهم ويعينهم،وإذا سأل الله لهم قضاء حاجاتهم وتيسير أمورهم وشؤونهم في الدعاء فإنه بالتأكيد سوف يحبهم ويزيل ما كان يجد في نفسه تجاههم في بعض الحالات من الحسد والكراهية والحساسية والنفور.
وقد ورد التأكيد في الروايات على الدعاء للأخوان بظهر الغيب كما ورد التاكيد على الدعاء لأربعين مؤمن باسمائهم وتقديم الدعاء لهم على دعاء الانسان لنفسه.
رابعاً: من موارد الدعاء الدعاء للوالدين ،فإن الدعاء لهما من مصاديق البر بالوالدين ،وكنموذج من الدعاء للوالدين الدعاء الوارد في الصحيفة السجادية عن الإمام زين العابدين (ع) يقول فيه : اللهم صل على محمد وآله وذريته واخصص ابوي بأفضل ما خصصت به آباء عبادك المؤمنين وأماهاتهم يا ارحم الراحمين، اللهم لا تنسني ذكرهما في أدبار صلاتي وفي كل آن من آناء ليلي وفي كل ساعة من ساعات نهاري ،واغفر لي بدعائي لهما واغفر لهما ببرهما لي مغفرة ً حتماً،وارضى عنهما بشفاعتي لهما رضاً عزماً وبلغهما بالكرامة مواطن السلامة.
خامساً : من موارد الدعاء دعاء الانسان لنفسه ،بأن نقف بين يدي الله لندعو لأنفسنا، ولكن ماذا نسأل لأنفسنا من الله؟ وكيف ندعو لأنفسنا؟؟.
ينبغي في الدعاء ان نطلب من الله كل شيء مما نحتاج إليه ان نطلب منه كل ما يهمنا في دنيانا وفي اخرتنا ونطلب منه ان يصرف عنا كل ما نحترز منه من سوء وشر في ديننا ودنيانا فان مفاتيح الخير واسبابه كلها بيد الله ولا يمتنع عن ارادته شيء ولا يبخل على عباده بشيء من الخير والرحمة.
وينبغي للانسان ان يدعو الله في كل حاجاته سواء كانت كبيرة او صغيرة ولا ينبغي ان يخجل الانسان من طلب الحاجات الطفيفة والصغيرة من الله كما لا ينبغي ان تحجب الحاجات والطلبات الكبيرة الحاجات الصغيرة والخفيفة. قد يكون من المعيب ان يطلب بعضنا من بعض حاجات صغيرة ولكن عندما يكون الانسان بين يدي الله ويكون وجهه الى الله في الطلب والسؤال فان الامر مختلف فلا يكون الطلب معيبا مهما صغرت الحاجة وكانت خفيفة. فان الانسان مكشوف لربه سبحانه وتعالى بكل حاجاته ونقصه وضعفه وبكل عثراته وعيوبه ،فلا يخفى على الله شيء من فقرنا ونقصنا وضعفنا حتى نخجل ان نعرض عليه حاجاتنا التي نخجل ان نعرضها على غيره.
والله يحب ان يرتبط به عبده في كل شؤونه الصغيرة والكبيرة حتى يكون ارتباطه به ارتباطاً دائما ومستمراً ولن يدوم هذا الارتباط ويستمر الا اذا كان الانسان يشعر بالحاجة الى الله في كل شؤونه وحاجاته الكبيرة والصغيرة منها حتى في مثل شسع نعله اذا انقطع وملح العجين على حد تعبير بعض الروايات. وكما ينبغي ان لا نخجل من الله ان نطلب منه صغائر الامور كذلك ينبغي ان لا نستكثر على الله ان نسأله النعم العظيمة والكبيرة مهما كانت عظيمة وكبيرة.
فقد روى ربيعة بن كعب ان رسول الله (ص) قال له ذات يوم : يا ربيعة خدمتني سبع سنين أفلا تسألني حاجة؟؟.
فقال : يا رسول الله امهلني حتى افكر ، فلما اصبح ودخل على النبي قال له النبي : يا ربيعة هات حاجتك. فقال ربيعة : حاجتي يا رسول الله ان تسأل الله ان يدخلني معك الجنة .فقال النبي : من علمك هذا؟ ، فقال يا رسول الله ما علمني احد لكني فكرت في نفسي وقلت : ان سالته مالا فان المال الى نفاد وان سالته عمرا طويلا واولادا كان عاقبتهم الموت فوجدت ان اسألك نعيما دائما وهو ان تسأل الله ان يدخلني معك الجنة. فقال النبي : افعل لك ذلك ولكن اعنيّ بكثرة السجود ثم قال : ستكون من بعدي فتنة فاذا كان ذلك فالتزموا علي بن ابي طالب.
ولا بد من التأكيد هنا على ان هذا المبدأ في الدعاء لا يعني ابدا التخلي عن العمل والحركة والسعي ولكن على الانسان في حركته وسعيه اولاً: أن لا يضع ثقته ورجاءه في عمله وسعيه وحركته بل عليه ان يحافظ على رجاءه وثقته بالله . وثانياً : ان لا يقطع علاقته وارتباطه واحساسه بالحاجة الى الله في زحمة تحركه وسعيه وعمله.
النص من إعداد : الشيخ علي دعموش