زوجته وابنه الشيخ حمود وبعض أحفاده ظلوا في القرية، وهم من القلة القليلة الباقية هناك، وكما كان منزله في القنطاري مركز انطلاق لجمع التبرعات للمقاومة، كذلك بيته في "بيت ليف" غدا مركز تجمع وانطلاق للمجاهدين
"نداء التراب" قصة للكاتب اللبناني قاسم طويل، تروي حكاية حدثت بالفعل خلال حرب تموز في العام 2006 بين الكيان الصهيوني والمقاومة اللبنانية. هي قصة ذلك الشاب السائق "محمد" الذي وجد فجأة ليتبرع بتوصيل المواد التموينية لأهالي قرية "بيت ليف" في الجنوب المحاصر آنذاك .. "محمد" السائق الذي يبقى مجهولاً ولكن أين يختفي؟!..القصة في ثماني حلقات متسلسلة ننشر كل يوم حلقة.
الكاتب قاسم طويل/ موقع المنار
---------------
في اليوم الرابع والعشرين لهذه الملحمة الكبرى تناهى إلى سمع الحاج يوسف أن هناك قرى حدودية شبه محاصرة وقد نفدت المواد الغذائية منها نهائياً..ومن بين هذه القرى قريته "بيت ليف". أطرق الحاج يوسف برأسه، والشوق والحنين بركان يتفجر بين حناياه، وسؤال كبير مع علامة استفهام كبيرة : كيف يمكن السبيل إلى الوصول إلى "بيت ليف"؟!.
زوجته وابنه الشيخ حمود وبعض أحفاده ظلوا في القرية، وهم من القلة القليلة الباقية هناك، وكما كان منزله في القنطاري مركز انطلاق لجمع التبرعات للمقاومة، كذلك بيته في "بيت ليف" غدا مركز تجمع وانطلاق للمجاهدين. وهذا ما أسره وأثلج قلبه ..
ولكن الذي يدمي قلبه الآن نفاد الخبز والقوت، فكيف السبيل لتأمين الإمداد للمجاهدين والأهالي..وهو على يقين أن المقاومة لن تألوا جهداً لتأمين الإمداد لهم، ولكنه مع ذلك اتصل بصهره، زوج ابنته، وباح له بما يجول بخاطره وسأله : هل تستطيع تأمين سيارة "فان" مع سائقها تأخذني إلى بيت ليف لمدة أربع وعشرين ساعة فقط ولا يهمني الكلفة مهما غلت؟!..
من يستجيب لهذه المجازفة القاتلة؟؟؟..من يدخل أتون النار مقتحماً حجيمه، كل الناس في الجنوب تنزح عنه طلباً للسلامة..؟!..
لم تهدأ عاصفة الحاج يوسف حتى حان الفجر فآذن للصلاة، وبعد إقامته الصلاة استقرت نفسه فغفا ونام..
خلال نومه رأى نفسه في بيت ليف وهو يهمّ أن يدخل كرماً له مع أحد جيرانه. وما أن فتح باب الكرم حتى واجهتهما أفعى عظيمة، أكبر من أفاعي الأصلة التي موطنها الغابات.. خاف صاحبه وارتعد، فتراجع هارباً، أما هو فقد أخذ يرشقها بالحجارة حتى أصابها بحجر فقطعها نصفين. فرّت الأفعى بنصفها الذي يحمل الرأس وبقي نصفها الباقي يتلّوى على الأرض حتى خمد.
استيقظ الحاج يوسف مذعوراً وإذ ببابه يطرق.. ما إن فتح الباب، إذ بصهره يصبّح ويسلّم .. ويقول له :"ابشر يا عم. أتيتك بسيارة فان مع سائقها الأخ محمد، سيذهب معك إلى "بيت ليف" لمدة أربع وعشرين ساعة، وأجره مئتا ألف ليرة..
تهلّلت أساريره وحمد الله وصلى على النبي وآله، ثمّ تفرّس في وجه السائق محمد وقامته، فرأى أنه في العشرينات من عمره، صبوح الوجه، حنطي اللون، مربوع القامة. سأله بعض الأسئلة، من أجوبته توّسم فيه هدوء الأعصاب والشجاعة مع حب المغامرة ...وقال له :"أوصلني إلى أي منطقة يوجد فيها مواد غذائية، لأن الشبان وأهل القرية الماكثين هناك بحاجة إلى هذه المواد.. فكان له ما أراد..