على القناة ذاتها، يشرح المذيع أنَّ السبب في عدم وجود إصابات في «إسرائيل» هو منظومة دفاع القبة الحديديّة، داعياً المشاهدين لمتابعة تقرير يستعرض الترسانة العسكريّة للجيش الإسرائيلي.
«يصعب على الأميركيين تخيّل العيش في إسرائيل، تحت أصوات القصف، والشعور الدائم بالخوف، هل يزول هذا الخوف يوماً؟»، تسأل مذيعة «فوكس نيوز» ضيفها، الضابط الإسرائيلي (7/9). بعد تنهيدة طويلة يجيب الضابط أنّ المدن الإسرائيلية، تعيش مستهدفة من صواريخ «حماس»، منذ العام 2005، وحتّى اللحظة. «حتى المدارس وساحات اللعب بنيت لتتناسب مع هذا الوضع»، يقول.
نور أبو فرّاج/ جريدة السفير
لا يوجد في الحوار السابق المقتطع من نشرة أخبار اعتيادية أي جديد. هي نشرة تشبه العشرات غيرها، على «سي أن أن» و«أي بي سي» وغيرها من القنوات الأميركية الشهيرة.
ضمن سلسلة تقارير لقناة «إيه بي سي نيوز»، بعنوان «مقتل أكثر من 100 شخص، بينما تتساقط الصواريخ على إسرائيل». يجلس المراسل آلكس ماركاردت في سيارة إسعاف، يلهث وهو يصف الوجوه الدامية، ويتابع عمليات نقل المصابين، مشيراً إلى أن البناء المستهدف تابع لـ«حماس». بإشارةٍ عابرة واحدة يفقد المشاهد تعاطفه مع الضحايا. في برنامج «إنترناشونال هوت سبوت»، على القناة ذاتها، يشرح المذيع أنَّ السبب في عدم وجود إصابات في «إسرائيل» هو منظومة دفاع القبة الحديديّة، داعياً المشاهدين لمتابعة تقرير يستعرض الترسانة العسكريّة للجيش الإسرائيلي.
مراسل «سي أن أن» بن وودمان، يتكلّم العربيّة بطلاقة في تقرير «غزّة: العيش تحت النيران». لا نعرف إلام كان يرمي حين قرّر دخول القطاع، والجلوس في غرفة معيشة آل يازجي الفلسطينية. يصوّر هلع الأطفال عند سماع أصوات الانفجارات، تخبره الأم أن صغيرها شهد حتى الآن أربعة حروب. وتضيف أنها كانت تفضّل الخروج خارج القطاع، لكن لا مكان لديها للهرب. يكرّس التقرير مقولة «الدروع البشرية»، ويصور الفلسطينيين كعالقين يتوقون للهرب... فلا صورة مجانية أو عابرة في الإعلام الأميركي.
في السياق ذاته، نشرت «نيويورك تايمز» (11/7) مقالاً بعنوان «في غزة، قصفٌ جوي وضغط اقتصادي يصنعان شهر رمضانٍ مرهق». يصف الكاتب أجواء رمضان في القطاع، في ظلّ العطش، والتزام الناس منازلهم خوفاً من القصف، «مهما حاولت إسرائيل أن تكون دقيقة في تسديد ضرباتها». يعطي الكاتب صورة عن الوضع في أكبر مستشفيات القطاع. يكتب: «يرى الغزّاويون أنفسهم يعيشون في إقليم مهمل، كالسجن، عالقين بين إسرائيل وبين مصر المتأرجحة وغير الودودة. ولا يهتمّ لأمرهم حتى فلسطينيو الضفة الغربية. هم أيضاً مهددون بسبب «حماس» وغيرها من الجماعات الراديكالية الإسلامية المكرّسة لمقاومة إسرائيل، والمحاطة بتعداد كثيف من المدنيين غير القادرين على المغادرة».
كيف يمكن لإعلام أن ينجح في تبرير مقتل عشرات الفلسطينيين، مقابل عدم وجود أي خسارات في الأرواح في الطرف الإسرائيلي، وإقناع الرأي العام الأميركي والغربي بأنّ الإسرائيليين ضحايا صواريخ منظّمات إرهابية؟ يكفي للنجاح في ذلك، تقديم منظومة كاملة من المبرّرات التي تبدو منسجمة من قبيل: «قطاع غزّة مزدحم، حماس تستخدم الفلسطينيين دروعا بشرية، حركات المقاومة منظمات إرهابية، الإسرائيليون يهتمون بأمن مواطنيهم من خلال منظومة الدفاع وبناء الملاجئ». تلك ذرائع يعاد تصنيعها وصياغتها بأشكال مختلفة كلّ يوم، في الإعلام الأميركي.
يتعامل الإعلام الغربي مع ما يحدث في العالم باعتباره لوحة أحجية ضخمة، يحاول أن يركب قطعها أمام الرأي العام العالمي، لتقديم صورة متجانسة، وغير متناقضة. هكذا يتم جمع الملف الليبي، ومخاطر السلاح النووي الإيراني، وصحراء سيناء، وصواريخ غزّة في مشهد واحد، إلى جانب التلويح بخطر الإرهاب. هكذا تكتمل لوحة الخوف، وتكرّس رواية «إسرائيل الضحيّة».
سيبقى الإعلام العالمي على موقفه إزاء ما يحصل في فلسطين حتى لو تضاعف أعداد الشهداء، باعتباره سجين جدار محكم من الأكاذيب، وخاضع لنظام فعّال من الذرائع التي تريح الضمير وتقدّم صورة متناغمة لا لبس فيها. لذا على الإعلام العربي هنا التوقف عن بناء خطابه وفق مقولة «الجلاد والضحية»، لأنها ببساطة لن تجدي نفعاً. لا بد بدلاً من ذلك، الانتقال لتأسيس إعلام قادر على تقويض منظومة الذرائع، وإعادة قصّ حكاية فلسطين من جديد.