في الجانب الشكلي، فإنّ «دابق» تحمل تأثير «الصدمة» لعلو قامتها الفنية والتصميمية، استكمالاً لجملة «الصدمات» ذات الطابع الإعلامي، كما كانت الحال مع فيلم «صليل الصوارم» الصادر عن «داعش»
أصدرت «دولة الخلافة» (داعش سابقاً) مجلتها الالكترونية الأولى «دابق» الأسبوع الفائت، وهي مجلة باللغة الانكليزية تقع في خمسين صفحة. وقد تمّ الترويج في العديد من المواقع إلى وجود نسخات منها باللغات العربية والروسية والهولندية والفرنسية، ولكننا لم نعثر سوى على النسخة الانكليزية، رغم البحث المطوّل على شبكة الانترنت.
حمل العدد الأول من المجلة عنواناً رئيسياً هو «عودة الخلافة». وفي مقال غرضه التعريف بالمجلّة، تمّت الإشارة إلى أنّها ستكون دورية، ولكن لم تحدّد دورية صدورها.
مأمون الحاج/ جريدة السفير
تبدأ رسالة «دابق» المختلفة عن اسمها وصورة الغلاف. فالشعار المركزي هنا لم يعد «الحرب على الصليبيين» كما كانت الأمور أيام «القاعدة» (وإن كان هذا الشعار ثانوياً في التطبيق حتى أيام «القاعدة»، ولكنّه كان مركزياً في إطار الترويج).
يشير اسم المجلّة إلى معركة «مرج دابق» (1516) التي بدأ العثمانيّون بها احتلالهم للمنطقة العربية، بانتصار على المماليك الذين سبق لهم أن طردوا «الصليبيين». تفيد صورة الغلاف الأثر نفسه، فهي خريطة مطابقة للمنطقة المسماة أميركياً «قوس التوتر»، حسب بريجنسكي في كتابه الشهير «رقعة الشطرنج الكبرى». وهي منطقة الصراعات الدموية الكبرى التي يشترك فيها «داعش»، بكل ما أوتي من تمويل وتنظيم وسلاح وإعلام. وهي في الجوهر رأس حربة الإعلام، وربما تكون وظيفتها الأساسية هي الإعلام، فحين يؤدّي الإعلام «وظيفته الإرهابية» المطلوبة، تتيسر الأدوات الأخرى للإرهاب.
بالمرور على المقالات و«التحليلات» والصور المنشورة في المجلة، يتأكد الاستنتاج السابق أكثر، فالعناوين تزخر بكلمات «سني/ رافضي/ صفوي/ أهل الجماعة... إلخ»، والصور كذلك. صورة لجنود مقتولين تحمل عنوان «جنود رافضيون قتلهم المجاهدون». وفي صورة لمدنيين مقتولين «سنة قتلهم الرافضة»، وهكذا... ما يشير إلى انتقال نهائي نحو «المعارك البينية طويلة الأمد»، حسب وصفة بريجنسكي، وفي تحوير واضح لمقولات «العدو الغربي» و«الغرب الكافر» القاعدية، باتجاه «العدو الصفوي» و«الرافضة» الداعشية.
في الجانب الشكلي، فإنّ «دابق» تحمل تأثير «الصدمة» لعلو قامتها الفنية والتصميمية، استكمالاً لجملة «الصدمات» ذات الطابع الإعلامي، كما كانت الحال مع فيلم «صليل الصوارم» الصادر عن «داعش» مثلاً والذي تضمن مشاهد مصورة من الطائرة. ولكن الجديد الذي تحمله المجلة (وربما يعود ذلك إلى كونها مجلة، فالصورة الثابتة تمنح وقتاً أكبر للتفكير والمعالجة من تلك التي تمرّ سريعاً ضمن الفيديو)، هو أن حدّة التناقض بين الشكل والمضمون الذي تحمله، يصل إلى حدود عالية جداً، تهدد بفشل الرسالة المطلوب توجيهها.
فتصميم عدة صفحات من المجلة يمكن رده بسهولة إلى مصلقات إعلانية لأفلام من إنتاج هوليود. كما تلجأ المجلّة إلى استخدام دقيق لمعايير التصميم، بشكل خاص في الصفحتين 32 و33، اللتين تكوِّنان جملة بصرية واحدة، يتموّج خلالها الأزرق المريح ليحتلّ فيها «العدو المفترض» (مسؤول الملف العراقي في مجلس الأمن الوطني الأميركي) موقع «المربّع الذهبي» أسفل ويسار الصورة، الذي يستخدم في المسرح لمواجهة الجمهور وقول الحقيقة، وفقاً لبرتولت بريخت. ما يوحي بصورة غربية لا تقنيات غربية فقط، صورة روحها غربية وتقنياتها غربية، ولكنها مع ذلك تقول بـ«عودة الخلافة».
إلى جانب «دابق» المجلة، يجري الحديث حالياً عن «دابق» قناة تلفزيونية، ستنطلق قريباً لتبث من الموصل حسب تغريدة على الحساب الرسمي لـ«الدولة» على «تويتر». وبالمجمل فإنّ إعلام «دولة الخلافة» يشكّل نقلة إلى الأمام، وتطوراً وتركيزاً لخطاب القاعدة فحواه «فات الزمان الذي بنيت فيه شعبية الجهاد على محاربة أميركا، المهمة اليوم هي حرب داخلية طائفية سنية/شيعية»، «انسوا كل شيء آخر، فهنا المعركة».