أدخل الحريري جزءاً من الشعب اللبناني في حرب مع بلد شقيق، فلم يحتكر قرار السلم والحرب فحسب بل خرق اتفاق الطائف وجرّ البعض إلى مواجهات لا تحمد عقباها
نادر عزالدين
لم يكن مستغرباً ما صدر في الأيام القليلة الماضية من مواقف لبعض الدول العربية والأجنبية تجاه الأحداث في سورية، فقد كان من المتوقع مع دخولنا المرحلة الثالثة من عملية إسقاط آخر نظام عربي ممانع أن تقوم بعض البلدان العربية بالإنضمام إلى جوقة الولايات المتحدة الأميركية المطالبة بإسقاط النظام السوري، ولو أن الدول الحديثة الإنضمام "علانية" إلى الأوركسترا الغربية لم تطالب بعد بشكل رسمي الرئيس الأسد بالرحيل كما فعل أصحاب مشروع الشرق الأوسط الجديد. التصعيد كان متوقعاً خاصة وأن من وضع الخطة الكاملة لإسقاط سورية لم يتخيل أنه سيضطر للإنتقال إلى المرحلة الثالثة من المخطط وأن يحرج دول الإعتدال العربي، بل كان يجزم بأن النظام سيسقط في الأسابيع الثلاثة الأولى من بدء عمليات التخريب والترويع.
مرحلة التصعيد التي كان من المفترض أن يباشر بها العرب بعد شهر رمضان المبارك بحسب مصادر موقع قناة المنار، اضطروا مرغمين إلى السير بها في الأول من آب بشكل مخالف لأجندتهم، فالخطوة التي قام بها النظام السوري باستباق المسلسل الذي اخرجه الغرب ليعرض في رمضان في شوارع سورية أربكت المتآمرين، حيث قام النظام بتوجيه ضربات استباقية للمسلحين في حماه ودير الزور وحمص وغيرهم والذين كان من المفترض أن يستبيحوا الشوارع في كل يوم بعد الإفطار ويعيثوا رعباً في قلوب المواطنين.
خطوة النظام هذه أربكت الغرب والعرب وجعلتهم يخطون خطوة ناقصة غير محسوبة بعد أن خسروا في ليلة وضحاها النفوذ السعودي في دير الزور والتركي في حماه.
بداية قامت الرياض بإيعاز أميركي بدفع وكيلها في بيروت سعد الحريري مع ما بقي من الذين يمثلهم من سنّة لبنان إلى إزكاء نار الفتنة السنية – الشيعية، والسنيّة – العلوية عبر تظاهرات استفزازية في طرابلس تحرق فيها يومياً صور الرئيس السوري بشار الأسد وعلم الجمهورية الإسلامية في إيران، وبعد ذلك جاء الطلب الأميركي-السعودي من سعد بإصدار بيان يمهّد فيه للموقف السعودي ويشد العصب المذهبي في لبنان وسورية، وهنا بدأت المرحلة الثالثة.
الحريري يحتكر قرار الحرب والسلم في لبنان
أصدر الحريري بيان العار الأوّل مستنكراً فيه ما اسماه "المذبحة" التي تتعرض لها المدن السورية مطالباً "عرب الإعتدال" بالتدخل، لا بل شمل اللبنانيين بموقفه حين تكلّم باسمهم وقال إنهم لا يستطيعون البقاء صامتين إزاء "الأحداث الدموية" التي تجري في سورية. بيان أعلن فيه الحريري حرباً على دولة شقيقة وهو الذي لطالما هاجم المقاومة متهماً إياها باحتكار قرار "الحرب والسلم" في لبنان، وكل ذنب المقاومة هو أنها تدافع عن لبنان بوجه من صنّفه اتفاق الطائف عدو لبنان، ولنا أن نسأل هنا: هل أصبح اتفاق الطائف "ممسحة الحريري" وراعيته، يتمسكون به حيناً ويمزقونه أحياناً؟ هذا السؤال الذي أصبح على لسان كل لبناني لم يأتِ من المجهول بل من نص الإتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان عام 1989 والذي أعد وأقر في مدينة الطائف في السعودية.
ففي الفقرة الرابعة من هذا الإتفاق والتي حملت عنوان "العلاقات اللبنانية السورية" يرد ما يلي: إن لبنان، الذي هو عربي الانتماء والهوية، تربطه علاقات أخوية صادقة بجميع الدول العربية، وتقوم بينه وبين سورية علاقات مميزة تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح الأخوية المشتركة ، وهو مفهوم يرتكز عليه التنسيق والتعاون بين البلدين وسوف تجسده اتفاقات بينهما ، في شتى المجالات، بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في إطار سيادة واستقلال كل منهما.
استناداً إلى ذلك، ولان تثبيت قواعد الأمن يوفر المناخ المطلوب لتنمية هذه الروابط المتميزة، فإنه يقتضي عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سورية وسورية لأمن لبنان في حال من الأحوال. وعليه فإن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سورية. وإن سورية الحريصة على أمن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق أبنائه لا تسمح بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته . |
بناءً على هذه الفقرة يتساءل مقربون من دائرة السلطة في العاصمة السورية عن مدى إدراك الحريري فعلياً للمأزق الذي وضع فيه نفسه، وتنقل هذه المصادر لموقع قناة المنار إستياءاً شديداً من خرق الحريري لاتفاق الطائف وإعلانه حرباً مفتوحة من جهة واحدة ضد النظام السوري، وتقول المصادر إن الرئيس السوري "لن يغفر لأحد ولن يستقبل في قصر المهاجرين أمثال الحريري بعد اليوم"، خاصة بعد مواقفه الأخيرة وكشف مخابرات الجيش اللبناني عن شبكات تهريب السلاح من طرابلس إلى المخربين في سورية.
مرهج: الحريري ينقلب على مواقفه متجانساً مع بعض العرب
بدوره رأى النائب السابق بشارة مرهج في تصريح لموقع قناة المنار أن "الحريري يتراجع عن مواقفه التي كان قد أعلنها في الفترة السابقة وينقلب عليها، وموقفه الجديد يتجانس مع بعض الأطراف العربية والدولية التي تريد تحجيم دور سورية في المنطقة وفك التحالف مع الجمهورية الإسلامية في إيران من جهة ومع قوى المقاومة في المنطقة من جهة أخرى". واعتبر مرهج أن "هذا الموقف المنحاز هو خروج عن التقليد الذي لطالما اعتمده رؤساء الوزراء السابقين في طريقة تعاطيهم مع الدول الأخرى وعدم انحيازهم إلى محور ضد آخر، فكيف لو كان الإنحياز ضد دولة شقيقة؟"
"المهمة الوطنية التقليدية هي الدعوة إلى الحوار ولعب دور إيجابي في هذا الإتجاه، والسعي إلى حل النزاع والمساعدة في حفظ استقرار سورية التي يلزمنا الميثاق الوطني بأن نكون على أفضل العلاقات معها وبعدم تحويل لبنان إلى ممر للمؤامرات عليها"، يقول مرهج.
ما بعد بيان الملك السعودي ليس كما قبله
بعد أن افتتح سعد الحريري سلسلة المواجهات القادمة، خرج الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز بخطاب وصفه البعض بالتاريخي والمفصلي، ورأى فيه الحريري في بيان العار الثاني أنه يشكّل منعطفاً في مسار الأحداث التي تجري في سورية! ولكن الحقيقة أن سعد الدين الحريري قد أخطأ في التقييم بحسب مصادرنا المقربة من دائرة النظام في سورية. فهذه المصادر أكدت لنا أن "خطاب الملك السعودي الذي افتتح فيه رسمياً المرحلة الثالثة من العدوان على سورية لم ولن يشكّل منعطفاً في مسار الأحداث بل شكّل تبدلاً جذرياً في رؤية النظام السوري لعلاقاته المستقبلية مع دول كان يعتبرها شقيقة، وما يتبع ذلك من تأثير هذه العلاقات على لبنان بشكل خاص." ويلفت المصدر إلى أن سحب سفراء السعودية والكويت والبحرين "للتشاور" لن يمر مرور الكرام أبداً، كما أن "نظام الأسد مستاء من لعب الملك السعودي لدور مفتاح الهجوم العربي على سورية خاصة بعد بيان مجلس التعاون الخليجي الذي ظهر بوضوح أنه جرى التنسيق مسبقاً لصدوره بالإضافة لسحب السفراء بعد كلمة عبدالله بن عبد العزيز."
وفي هذا الإطار يرى النائب والوزبر السابق بشارة مرهج أنه "من حق الأطراف العربية أن تبدي رأيها ونستطيع أن نتفهم من مطالبتها بالإصلاح لو كانت هذه الدول ديمقراطية وتطبق مبدأ حرية الرأي والتعبير، أما أن تطالب هكذا دول سورية بتطبيق ما لا تطبقه هي أساساً، يرسم لدينا علامات استفهام كبيرة حول نواياها".
ويعلّق مرهج على موقف أنقرة بالقول: "بعد المواقف المشرفة التي اتخذتها تركيا من العدوان على قطاع غزة، نراها اليوم تقع تحت ضغوط كثيفة من قبل الدول الغربية تجعلها تغيّر في سياستها القائمة باتجاه سورية. ولكن نحن نؤكد أن من مصلحة تركيا أن تقوم بينها وبين سورية أفضل العلاقات، وإذا كانت تركيا حريصة فعلاً فطريق الإصلاح لا يمر بالحصار والتطويق والعقوبات إنما بمواصلة الحوار، خاصة وأن سورية والرئيس بشار الأسد مصممان على السير بطريق الإصلاحات".
مع دخول المرحلة الثالثة حيّز التنفيذ، والتي يتوقع المراقبون بأنها الأخيرة إن لم تثمر حرباً إقليمية، أدخل سعد الحريري جزءاً من الشعب اللبناني في حرب مع بلد شقيق، فلم يحتكر قرار السلم والحرب فحسب بل خرق اتفاق الطائف وجرّ البعض إلى مواجهات لا تحمد عقباها، فتحوّل موقف فريق الحريري إلى نصرة "المواطن السوري" بعد أن كان ينظر إليه بخفة ولا يراه سوى بائعاً للكعك.
كل ذلك كرمى لعيون ملوك لا تعطي مواطنيها أبسط حقوق الحياة الكريمة، فتحكم الممالك دون دستور ودون مجلس للشعب وتمنع الإعلام الحر والتعبير عن الرأي، حتى انها تمنع المرأة من قيادة سيارة! ملوك اقتحموا بقواتهم بلد ليذبحوا 80% من شعبه فقط لمطالبتهم سلمياً بإصلاحات تنصفهم! فاستباحوا بيوت الله ودمروها على رؤوس من فيها وهتكوا الأعراض وقتلوا النساء والأطفال والمشايخ الذين لم يمتلكوا في معركة المواجهة سوى حناجر صرخت من شدة الظلم إلا أن أصواتها لم تعبر حدود الرياض.