تحتدم "حرب الإمارات" فوق الأراضي السورية بين "إمارات" معلنة وأخرى مخفية، في الوقت الذي تتغير فيه خرائط السيطرة على الأرض، وفق تطورات هذه الحرب التي من المتوقع أن تشهد فصولاً أكثر دموية
عبد الله سليمان علي
تحتدم "حرب الإمارات" فوق الأراضي السورية بين "إمارات" معلنة وأخرى مخفية، في الوقت الذي تتغير فيه خرائط السيطرة على الأرض، وفق تطورات هذه الحرب التي من المتوقع أن تشهد فصولاً أكثر دموية في المرحلة المقبلة. وتنتقل الأحداث في سوريا إلى مرحلة جديدة من مراحل تطورها، لا سيما في ما يتعلق باقتتال "الفصائل الجهادية" بين بعضها البعض.
وتتجه التطورات إلى تشكيل "إمارات" منفصلة في مناطق متعددة، بحيث يتولى كل فصيل أو مجموعة من الفصائل حكم "إمارة" خاصة به، يكون لها خطوط تماس مع "إمارة" أخرى، فإما أن تتفق في ما بينها أو تختلف وتتقاتل، الأمر الذي من شأنه أن ينقل الأزمة السورية إلى مستوى جديداً من التصعيد والتعقيد، خصوصاً في ظل الدعم الإقليمي والدولي الذي ستحظى به بعض "الإمارات" عسكرياً أو لوجستياً أو تجارياً، وذلك تجسيداً من هذه الدول لسياسة العداء ضد النظام السوري من جهة، وتطبيقاً لسياسة التقسيم التي ما يزال شبحها يطوف فوق الخريطة السورية من جهة أخرى.
وبغض النظر عما إذا كان زعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني أعلن "إمارته الإسلامية"، أو ينوي إعلانها لاحقاً عند توافر الشروط، ومنها الاتفاق مع باقي الفصائل - حيث وقع تضارب في تفسير تسجيله الصوتي المسرَّب قصداً - فإن سياسة "النصرة" تدل بما لا يدع مجالاً للشك على أنها تحاول السيطرة على قطعة من الأرض تكون لها فيها الكلمة الفصل.
وما الاشتباكات الدائرة منذ حوالي أسبوع بين "جبهة النصرة" وبين كتائب من "الجيش الحر" في ريف إدلب، قرب الحدود التركية، إلا الدليل على ذلك، وإن حاولت التمويه على غايتها الحقيقية بذريعة ملاحقة اللصوص، التي اعتمدتها كذلك "الجبهة الإسلامية" في إعلانها الحرب على فرع "لواء التوحيد" في مارع في ريف حلب.
ولن تكون "إمارة النصرة" هي الوحيدة بفعل الأمر الواقع، فالأكراد أنشأوا حكماً خاصاً بهم في مناطق تواجدهم في الحسكة والقامشلي، حيث لهم تماس مباشر ودموي مع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"-"داعش". ويخوض الطرفان معارك شرسة منذ أشهر عديدة.
كما أن "جيش الإسلام"، بقيادة زهران علوش، يسعى إلى السيطرة على مناطق من الغوطة الشرقية لضمها إلى معقله في مدينة دوما، والتصرف بها مثل "إمارة" خاصة به، وإن لم يعلن ذلك صراحةً.
ومن المتوقع أن تشهد، في إطار صراع "الامارات" على الأحجام والأوزان، مناطق كثيرة معارك عنيفة يبذل فيها كل طرف كل ما بوسعه من القتل والتدمير، لأنها حرب وجود ولم يعد ثمة مجال لبقاء الضعيف.
وكان الجولاني واضحاً في تعبيره عن هذه الحقائق في تسجيله المسرب، فهو يعي أن "إمارته" سيكون لها خطوط تماس مع كل أعدائه الآخرين، سواء من الجيش السوري أو الفصائل الأخرى، ونبّه عناصره إلى ما ينتظرهم على هذا الصعيد من معارك واشتباكات.
وإدراكاً منه أن خطوة "الإمارة" أو "تطبيق الشريعة" هي خطوة نوعية ومفصلية، فقد جدد التأكيد على مرؤوسيه بأنه لن يكون بإمكانهم التخلي عن هذا المشروع بعد السير فيه "فمن أراد أن يترك ليترك الآن" أما بعد ذلك فإنه سيكون هناك محاسبة قاسية لمن يترك.
وأيّاً كانت نسبة نجاح الجولاني في تحقيق هدفه بإقامة "إمارة" خاصة به، فإن من شأن مجرد السعي إلى ذلك أن يخلق تداعيات كثيرة، قد لا يدرك هو نفسه مدى امتدادها في شتى الأنحاء وعلى أكثر من صعيد.
وبالتجربة، فإن الجولاني ليس بالشخص الذي يمتلك رؤية إستراتيجية تمكنه من استشراف المستقبل القريب أو البعيد، فهو نفسه من هدد قبل حوالي أربعة أشهر بأنه سوف "ينفي داعش من سوريا ومن العراق أيضاً"، وإذ به يضطر إلى الهروب مع قادته و"أمرائه" تاركاً كامل المنطقة الشرقية، بعشائرها وحقول نفطها وحدودها، تسقط بين يدي خصمه اللدود.
وقد يكون أهم التداعيات نتيجة إعلان "الإمارة" هو أن الجولاني بدأ يسير علناً على خطى "أميره" السابق زعيم "داعش" أبي بكر البغدادي. إذ انه وبرغم كل الأدبيات التي أغرق فقهاء "القاعدة" خصومهم بها عن عدم جواز إقامة "إمارات"، وشروط التمكين، ومبدأ الشورى الذي استطاب زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري ترديده بكثافة بعد "الربيع العربي"، يجد فرع "القاعدة في الشام" نفسه مضطراً إلى إعلان "الإمارة" بعيداً عن روحية تلك الأدبيات التي ثبت أنها لم تكن سوى لذر الرماد في العيون، في مرحلة حساسة لم تكن رياح الأمور فيها تسير كما تشتهي سفن "القاعدة".
فهل تتحمل الساحة السورية "بغدادياً" آخر يفرض نفسه حاكماً بأمر الله؟ وما مصير علاقة "النصرة" بحلفائها من الفصائل الأخرى، خصوصاً في المناطق التي قال الجولاني إنها مشمولة "بإمارته" مثل الغوطة ودرعا؟ وهل تحتمل الغوطة إقامة "إمارتين" على أراضيها، بينما الجيش السوري يتقدم فيها قاضماً المزيد من مناطق سيطرة المسلحين؟ وكيف سيستقبل قادة "النصرة في درعا" أمراءهم الهاربين من الشرقية، وعلى رأسهم "المفتي العام" أبي ماريا القحطاني وأبو حسن الكويتي وأبو الليث سلطان العطوي الذين وصلوا إلى درعا بعد سقوط مدينة الشحيل بيد "داعش" الأسبوع الماضي، لا سيما في ظل معلومات تؤكد أن "أمير النصرة في درعا" الأردني أبو جلبيب لم يكن راضياً عن تصرفات القحطاني في دير الزور؟.
http://www.assafir.com/Article/1/361480
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه