24-11-2024 10:55 AM بتوقيت القدس المحتلة

في رحاب لیالي القدر المبارکة

في رحاب لیالي القدر المبارکة

وجب أن یکون نزول القرآن جملة واحدة في لیلة مبارکة ـ من اللوح المحفوظ إلى السماء ـ وهي لیلة القدر. ومن ثم نزل نجوماً على النبي محمد ( ص).

في رحاب لیالي القدر المبارکةبسم الله الرحمن الرحیم : *إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِى لَیْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاکَ مَا لَیْلَةُ الْقَدْرِ * لَیْلَة الْقَدْرِ خَیْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِکَةُ وَالرُّوحُ فِیَها بِإِذْنِ رَبّـِهم مِّن کُلِّ أَمْر * سَلاَمٌ هِي حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ * "صدق الله العلی العظیم".

القدر في اللغة: کون الشیء مساویاً لغیره من غیر زیادة ولا نقصان . وقدّر الله هذا الامر بقدره قدراً: إذ جعله على مقدار ما تدعو إلیه الحکمة.

والشهر فی الشرع: المدّة بین هلالین من الأیام، وسمی شهراً لاشتهاره بالهلال، وقد یکون الشهر ثلاثین یوماً أو تسعة وعشرین .

أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الکریم جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنیا ـ أو إلى البیت المعمور في السماء الدنیا ـ في لیلة القدر ( إنا أنزلناه في لیلة مبارکة ) سورة الدخان: آیة ۳ ـ وهي لیلة القدر. ثم کان جبرئیل ( علیه السلام ) ینزله على النبي محمد ( صلى الله علیه وآله وسلم ) نجوماً بأمر الله، وکان نزوله من أوله إلى آخره في ثلاث وعشرین سنة.

ویجب أن یتبادر إلى الذهن أنه لیس ابتداء نزول القرآن في لیلة القدر، ولا إنزال بعض الآیات القرآنیة في لیلة القدر، لأنه لو کان کذلك، فهو ینزل أیضاً فی بقیة الأیام واللیالي، فما فضل هذه اللیلة على سواها؟!!. ولا نزول سورة القدر في هذه اللیلة ـ أي لیلة القدر ـ لقوله عزّوجل ( إنا انزلناه ) فضمیر أنزلناه یعني القرآن، ولیس سورة منه ولا بعض منه.

إذأ وجب أن یکون نزول القرآن جملة واحدة في لیلة مبارکة ـ من اللوح المحفوظ إلى السماء ـ وهي لیلة القدر. ومن ثم نزل نجوماً على النبي محمد ( ص).

معنى لیلة القدر:
سمیت لیلة القدر، لأنها اللیلة التی یحکم الله فیها، ویقضي بما یکون فی السنة بأجمعها إلى مثلها من السنة القادمة، من: حیاة وموت، وخیر وشر، وسعادة وشقاء، ورزق وولادة …الخ. ویدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: ( فیها یفرق کل أمر حکیم أمراً من عندنا إنا کنا مرسلین رحمة من ربك ) سورة الدخان: آیة ۶. ففرق الأمر الحکیم یعني إحکام الأمر الواقع بخصوصیاته التقدیریة وإمضاءه فی تلك اللیلة رحمة من الله سبحانه وتعالى إلى عباده.

وقیل القدر: بمعنى المنزلة، وسمیت لیلة القدر لأهمیتها ومنزلتها، ولأهمیّة ومنزلة المتعبّـدین والذاکرین الله فیها. فاحیاؤها بالعبادة، والعمل الصالح فیها من صلاة وزکاة وأنواع الخیر، خیر من العمل فی ألف شهر لیس فیها لیلة القدر. ولولا ما یضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنین ما بلغوا، ولکن الله یضاعف لهم الحسنات رحمة منه سبحانه وتعالى.

قال ابن عمیر، عن الإمام أبي عبد الله ( علیه السلام ): « العمل فیها خیر من العمل في ألف شهر لیس فیها لیلة القدر ».سُئل الإمام الباقر ( علیه السلام ) عن قول الله عزّوجل: ( إنا أنزلناه في لیلة القدر ) قال: « نعم: لیلة القدر، وهي في کل سنة فيشهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ینزل القرآن إلا في لیلة القدر، قال الله عزّوجل: فیها یفرق کل أمر حکیم».

تعیین لیلة القدر:

في رحاب لیالي القدر المبارکةلم یعین القرآن الکریم أیّة لیلة هي، سوى أنها في شهر رمضان، وقد اعتمد في تعینها من الاخبار، والروایات، فعن حسّان بن أبي علي، قال: سألت الإمام أباعبد الله ( علیه السلام ) عن لیلة القدر، قال: « أطلبها في تسع عشرة، وإحدى وعشرین، وثلاث وعشرین ».

وقد اتفقت أخبار أهل البیت ( علیهم السلام ) أنها باقیة متکررة کل سنة. وأنها من شهر رمضان، وإنها إحدى اللیالي الثلاث. ولذلک دأب الشیعة على تسمیة اللیالی الثلاث بلیالي القدر.

وعن زرارة، قال: سألت الإمام الباقر ( علیه السلام ) عن لیلة القدر، قال: « في لیلتین، لیلة ثلاث وعشرین وإحدى وعشرین. فقلت إفرد لي أحدها. فقال: وما علیک أن تعمل في لیلتین هي إحداهما ». والمستفاد من مجمل الروایات انها لیلة ثلاث وعشرین ـ على الاکثر ـ.

ولم یعیّن وقتها بالذات کي لا یستهان بها بارتکاب المعاصي، ولیجتهد الناس فی العبادة ویحیوا جمیع لیالي شهر رمضان ـ شهر الطاعة ـ طمعاً فی إدراکها، کما أخفى الله سبحانه وتعالى الصلاة الوسطى فی الصلوات الخمس، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة، وغیرها.

ومن صفات لیلة القدر: أنها لیلة یطیب ریحها، وإن کانت في برد دفئت وإن کانت في حرّ بردت، تطلع الشمس في صبیحتها لیس لها شعاع.

فضل سورة القدر:
۱ـ عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، قال :‹‹ من قرأ إنا أنزلناه في فریضة من الفرائض نادى منادٍ یاعبد الله قد غفر لك ما مضى، فاستأنف العمل ›› ـ
۲ـ عن الإمام الباقر (علیه السلام) ، قال:‹‹ من قرأ إنا أنزلناه فجهر بها صوته کان کشاهر سیفه في سبیل الله ، ومن قرأها سراً مرّات ، محا الله عنه الف ذنب من ذنوبه ››

فضل لیلة القدر:
في رحاب لیالي القدر المبارکةیستحب فیها الغسل، والعبادة، والدعاء، وزیارة الحسین (علیه السلام)، والتخضّع لله حتى یضيء فجرها، ومن فضلها:
۱ ـ من قام لیلة القدر إیماناً واحتساباً غفر الله ما تقدّم من ذنبه.
۲ ـ إن الشیطان یخنس فی هذه اللیلة ولا یخرج حتى یضيء فجرها.

۳ ـ لا یستطیع فیها على أحد بخبل أو داء أو ظرب من ظروب الفساد، ولا ینفذ فیها سحر ساحر. بل تتنزل فیها النعم والخیر والبرکة والاحسان للمؤمنین الذاکرین الله بشتى أنواع الذکر حیث یضاعف الله سبحانه لهم الحسنات والخیرات رحمة منه على عباده، فهي لیلة سلام حتى مطلع الفجر.

۴ ـ تتنزل الملائکة والروح ( یعنی جبرئیل ) فیها إلى الأرض لیسمعوا الثناء على الله سبحانه، وقراءة القرآن والدعاء وغیرها من الأذکار، ولیسلموا على المؤمنین العابدین الزاهدین التالین لکتاب الله بإذن الله سبحانه ـ أي بأمره ـ فهي سلام على أولیاء الله وأهل طاعته، فکلما لقیتهم الملائکة في هذه اللیلة سلّموا علیهم.