ومن أبرز التحدّيات التي تمّ التطرّق إليها هي السياق العالمي العابر للحدود والمتشابك للمشاكل حتى المحليّة منها، وانتشار العنف والتطرّف الديني وتفشّي والحروب والأعمال الإرهابيّة
في مقابل الصورة القاتمة الطاغية على الأجواء اللبنانية والإقليمية مع ما يرافقها من مشاعر قلق وإحباط، اجتمعت بمبادرة من مؤسسة أديان في ضيافة دير كرمل القديس يوسف- المشرف، ثلاثون شخصيّة روحيّة وأكاديميّة من مختلف الطوائف معنيّة بالشأن الديني والوطني في خلوة روحيّة في إطار شهر رمضان المبارك، بهدف الحوار ومناقشة التحديّات التي تواجه لبنان والمنطقة، ومحاولة الإضاءة على المبادرات التي تجيب على هذه التحدّيات، واقتراح سبل جديدة للتفكير والعمل، وذلك يوم الأربعاء الواقع في 16 تموز 2014.
افتتح الأب فادي ضو، رئيس مؤسّسة أديان، اللقاء بالترحيب بالجميع والتأكيد على أنّ هذه الخلوة مؤسّسة على الشعور المشترك بالمسؤوليّة تجاه مجتمعنا من ناحية وعلى الاعتقاد بالتضامن الأخوي والروحي الذي يجمع بين المؤمنين والمؤتمنين على التعاليم الدينيّة المسيحيّة والإسلاميّة من ناحية أخرى. كما شكر الأب ضو الأخت مريم النور عويط، رئيسة الدير، على استضافتها لهذا اللقاء. وأكّدت الأخت عويط بدورها على أنَّ "دير راهبات كرمل القديس يوسف هو بيت للمسلمين والمسيحيّين... ومكان يحضن العيش المشترك وينمو في ظلاله".
بعدها بدأ كل من المشاركين الإدلاء برأيه والحوار حول التحدّيات على المستويين الديني والوطني، في ظل الظروف الراهنة في لبنان والعالم العربي.
ومن أبرز التحدّيات التي تمّ التطرّق إليها هي السياق العالمي العابر للحدود والمتشابك للمشاكل حتى المحليّة منها، وانتشار العنف والتطرّف الديني وتفشّي والحروب والأعمال الإرهابيّة وقتل الأبرياء بإسم الدين، وتنامي الخوف والحقد وخطاب التعصّب والكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى على بعض المنابر الدينيّة وفي بعض البرامج التربويّة، والانقسام الحاد في المجتمع اللبناني خاصة على المستوى السياسي وحال التفتت وتراجع الشعور بالمسؤوليّة الوطنيّة ومبادئ العيش معًا، بالإضافة إلى تراجع البعد الروحي والقيمي للالتزام الديني.
وفي معرض الحديث عن المبادرات التي يجب أخذها أو التركيز عليها في مواجهة هذه التحدّيات، تلاقى المجتمعون على لائحة من الأولويّات على الشكل التالي:
أولاً: التأكيد على أنّ الدين هو وسيلة لتحقيق كرامة الإنسان ودعوته السامية، والذي يبقى هو الغاية. لذلك على رجال الدين لعب دورهم كمرجعيّات روحيّة لا كزعماء طوائف. فيشكّلون بذلك قوّة للإصلاح والتوجيه في سبيل بناء مجتمع مترابط.
ثانيًا: إعادة التفكير بدور أهل الحوار تجاه المجتمع وتحديد مسؤوليّتهم وإمكانيّات التأثير الإيجابي التي يمتلكونها في الأوساط الشعبيّة ولدى أصحاب القرار، واستغلال ذلك لكي يُؤتي الحوار ثماره العمليّة وتنتشر مبادئه وقيمه بين عامة الناس.
ثالثًا: رصد الخطاب الديني في الوعظ والخطابة والتربية الدينيّة للناشئين وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، والعمل على نزع الأفكار والدعوات المتطرّفة منه وازدواجيّة الخطاب ضمن الجماعة وخارجها، وتطوير موارد بديلة متنوّعة وإغناء المواقع الإلكترونيّة وبرامج الكمبيوتر والهواتف الذكيّة بالمراجع الدينيّة الصحيحة والموثوقة، وذلك لمواكبة العصر والوصول إلى الشباب الذي بات يعتمد على هذه الوسائل للوصول إلى المعلومات، ووضع معايير واضحة للتطرّف وتعميمها لكي تشكّل رادعًا ذاتيًّا لدى أصحاب الخطاب الديني أو ضمن الجماعات.
رابعًا: التواصل مع وسائل الإعلام لكي تعطي مساحة أكبر لكلّ ما يساهم في صناعة رأي عام منفتح ومستنير، وإبراز العناصر الإيجابية في المجتمع وزيادة المعرفة الدينية الصحيحة حول الأديان من أجل إخراج العلاقات بين الأفراد والجماعات من دائرة الخوف والتهديد والتكفير. مما يستدعي حثّ السلطة الرابعة لكي لا تُبعد عدستها وقلمها عن الكلام حول المبادرات الإيجابيّة التي يقوم بها المجتمع المدني والمرجعيّات الدينيّة، والتي من شأنها تهدئة النفوس الغاضبة، بسبب ربط الدين بالصراعات السياسيّة.
خامسًا: تطوير التربية خاصة في مجال المواطنة وقيم العيش معًا ضمن المدارس والجامعات. وأشاد المشاركون بالمبادرات التي تقوم بها بعض مؤسّسات المجتمع المدني في هذا المجال ولا سيّما مؤسسة أديان، التي تعمل بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان والمركز التربوي للبحوث والإنماء على تطوير المناهج التربوية وفق مفهوم التربية على المواطنة الحاضنة للتنوّع الديني.
سادسًا: نشر ثقافة التنوّع وقبول الاختلاف وبناء الجسور بين الأفراد والجماعات التي تحافظ على وحدة المجتمع، بعيدًا عن المجاملات وتعزيزًا للشراكة الحقيقيّة التي تعبّر عن قوّة الحياة والتضامن الحقيقي بين المواطنين والمؤمنين على اختلاف انتماءاتهم.
سابعًا: المحافظة على التفكير الإيجابي والرجاء رغم الصعوبات وعدم الاستسلام لليأس، بل الرجوع إلى الله والاتكال على معونته وتعزيز الحياة الروحيّة والصلاة، لكي يبقى لله مساحة رئيسيّة في حياتنا ترتقي بنا إلى مستوى الرسالة المؤتمنين عليها وتساعدنا في حملها بصبر وأمانة.
ختامًا شكر الجميع مؤسّسة أديان على مبادرتها، واعدين بالاستمرار في الحوار وتعزيز ثقافة العيش المشترك. ثمّ شارك الجميع في مأدبة الإفطار بعد انتهاء الخلوة.