25-11-2024 10:46 PM بتوقيت القدس المحتلة

رمضان يعيد الحياة إلى ليالي تونس العتيقة

رمضان يعيد الحياة إلى ليالي تونس العتيقة

ولا تكتسب ليالي شهر رمضان طابعها الجميل عند التونسي، من دون أن يرتشف فنجان قهوته بعد الإفطار في احد أزقة «الشواشين» (حيث تباع «الشاشية»، وهي قبعة تقليدية توضع على الرأس)

رمضان يعيد الحياة إلى ليالي تونس العتيقةلا تزال المدينة العتيقة في العاصمة التونسية محافظة على جمالها وسحرها وخصوصية هندستها المعمارية، فلا يمكن للمارين بجانب أسوارها الصامدة، وبين أقواسها الفاتحة ذراعيها مرحبة بزوارها، إلا أن يستحضروا ذاكرة تاريخ يعود إلى قرابة الـ13 قرناً.

ولـ«المدينة العربي» كما يسميها التونسيون جاذبية خاصة، تأسر زوارها وتزيد من رغبتهم في زيارتها واستكشافها يوماً بعد يوم، لكن خصوصية المدينة تبرز جمالها بشكل أكبر خلال المناسبات العامة، والمواسم الدينية المقترنة بها.

ولا تكتسب ليالي شهر رمضان طابعها الجميل عند التونسي، من دون أن يرتشف فنجان قهوته بعد الإفطار في احد أزقة «الشواشين» (حيث تباع «الشاشية»، وهي قبعة تقليدية توضع على الرأس)، أو في ساحة رمضان باي، أو بالقرب من جامع الزيتونة. ولا يكون للمساء الرمضاني التونسي عبقه الخاص، من دون أن يقتني كل متجول في الساحة العامة باقة فل وياسمين، ليصبح للسهرة رائحتها المميزة.

وتحيا المدينة العتيقة في تونس في شهر الصوم في المساء على أنغام الموسيقى التراثية والفنون المتنوعة، إذ تكثر في فضاءاتها العروض الثقافية والمهرجانات الرمضانية.ومن بين الفعاليات التي تعكس روح «المدينة العربي»، نشاطات «المركز الثقافي في بئر الأحجار»، الذي يحتضن ليالي مهرجان المدينة الذي ينظم سنوياً خلال شهر رمضان، و«المركز الثقافي الطاهر الحداد» الذي ينظم أنشطة وأمسيات ثقافية، بالإضافة إلى العديد من النوادي الثقافية الأخرى.

وتحلو سهرات رمضان على وقع أنغام العود التونسي، وآلة القانون، والآلات الإيقاعية التي تنظمها المقاهي الخاصة على مقربة من «قصر الحكومة» الموجود في ساحة القصبة، والتي ترتادها العائلات التونسية لتستمتع بالألحان والمعزوفات التي تأخذها إلى الزمن الذهبي للفن التونسي.

في هذه المقاهي، يجتمع الأصحاب والأقارب لكسر روتين يومهم، والخروج من رتابة العمل وملله في مسامرة رمضانية على أضواء فوانيس المدينة العتيقة، وعلى وقع أعذب الألحان.ولا يمكن لزائر المدينة العتيقة إلا أن يلقي نظرة على «جامع الزيتونة المعمور»، الذي يكتظ يومياً بالمصلين في وقت التراويح، لتعلو من مئذنته آيات القرآن الكريم وأصوات الأدعية والابتهال لله في ليالي الشهر الفضيل.

ويعود تاريخ تأسيس هذا المعلم الديني إلى العام 79 للهجرة، وفيه تتلمذ العلامة عبد الرحمن بن خلدون (1332 - 1406م) وغيره من العلماء والفقهاء والمفكرين، الذين تركوا آثارهم المهمة في الحضارة العربية الإسلامية.
وليس ببعيد عن جامع الزيتونة، تنير المحلات التجارية التّي تفتح أبوابها ليلاً، خاصة في النصف الثاني من شهر رمضان، الطرقات لتحول الليل إلى النهار، وتبلغ عجقة الناس ذروتها في الأسبوع الأخير من الشهر، إذ تسرع العائلات لشراء ملابس العيد لأطفالها.

ولا يمكن أن يمر أحدهم بين الأزقة والأروقة في تونس العتيقة، من دون أن تجذبه رائحة الحلويات التونسية التقليدية المنبعثة من قلب «المدينة العربي»، والتي تدعوه لتذوق طعمها اللذيذ. هناك، تتجمع الحشود لاقتناء البعض من «المقروض التونسي» أو «الزلابية» أو «الدبلة»، وغيرها من الحلويات التي صفت في تنسيق وانتظام، واتخذت من الذهب لوناً، ما زادها جمالاً أضيف إلى طيب المذاق.

ويقول المواطن التونسي أمين التواتي إن «للمدينة العتيقة في العاصمة طابعاً خاصاً يميزها عن غيرها من الأماكن، إذ لا تزال تحافظ على الُلحمة نفسها منذ القدم، وعلى صلة الرحم بين ساكنيها»، مضيفاً أن «رمضان ليس له طعم بعيداً عن أسوار المدينة العتيقة، ومقاهيها التي تزيد أجواءه جمالاً وأنساً».

من جهته، يعتبر الشاب التونسي سيف الدين قاسم أن «ما يميّز المدينة العتيقة في شهر رمضان هو عودة الطابع الإسلامي إليها أكثر من السابق، كما أنها تعيدنا إلى الفترات الزمنية المشرقة، زمن كان فيه الأجداد والآباء متشبثين بجذورهم وتقاليدهم ولباسهم التقليدي الأصيل».

والمدينة العتيقة هي الجزء العتيق والقديم من مدينة تونس، والذي يضم أعرق قصور مماليك تونس القدامى، والذي عاش فيه أول السكان الذين حطوا رحالهم في تونس. وتحيط بـ« المدينة العربي» أسوار كبيرة وأبواب عديدة منها «باب الفلة» و«باب بنات» و«باب سويقة» و«باب جديد» وغيرها، كما تنتعش فيها أسواق مثل سوق البِركة الخاص ببيع الذهب، وسوق الشواشين، وسوق الجلد، وسوق النحاسين وغيرها من الأسواق العريقة.

(عن «الأناضول»)