واحتضن مقبلاً كل أخ من الأخوة المجاهدين مع الدعاء بالنصر، بعدها وقف قبالتهم، وأخذ يتفرس في وجوه المجاهدين، يحدق بهم ويرنو إلى هيئاتهم.. وجوههم تشع أنواراً ملائكية وكأن أرواحهم السمحة فاضت على وجوههم فتلألأت بهاء على بهاء ..
نداء التراب" قصة للكاتب اللبناني قاسم طويل، تروي حكاية حدثت بالفعل خلال حرب تموز في العام 2006 بين الكيان الصهيوني والمقاومة اللبنانية. هي قصة ذلك الشاب السائق "محمد" الذي وجد فجأة ليتبرع بتوصيل المواد التموينية لأهالي قرية "بيت ليف" في الجنوب المحاصر آنذاك .. "محمد" السائق الذي يبقى مجهولاً ولكن أين يختفي؟!..القصة في ثماني حلقات متسلسلة ننشر كل يوم حلقة.
---------------
وقف الجميع ليودّعوا كل من في الفان، الحاج يوسف يودّع ابنه الشيخ حمود، يحتضنه ودموعه لا تفارق وجنتيه. واحتضن مقبلاً كل أخ من الأخوة المجاهدين مع الدعاء بالنصر، بعدها وقف قبالتهم، وأخذ يتفرس في وجوه المجاهدين، يحدق بهم ويرنو إلى هيئاتهم.. وجوههم تشع أنواراً ملائكية وكأن أرواحهم السمحة فاضت على وجوههم فتلألأت بهاء على بهاء ..
صعد إلى الفان وهو يبتسم لهم ملوحاً بيده. بدأت القرية تغيب عن ناظره بيتاً بيتاً، والمشاهد تتلاحق في ذهنه، ترءات له كل الوجوه التي سلّم عليها تحت سنديانة الشهيد..وصلوا صربين، ووصلوا إلى الجسرين الحديدتين، مرّ السائق محمد على الحديدتين مثلما دخل، ولحقت به بعض السيارات من بيت ليف وخرجت مستعينة به للمرور على الحديدتين..
وضع الحاج يوسف ساعده على شباك الفان ورنا ساهماً على امتداد بصره يودّع أرض جبل عامل "مدنه وقراه ودساكره، ونباته وحيوانه وإنسانه". ومع أن الراديو يصدح بالأناشيد الثورية وبملاحق الأخبار للحدث المتواصل، فإن جلبة الأطفال والنساء تعكّر صفو كل من نشد راحة بال واسترسال ذهن..
إلا إنه في تلك الساعات بدا كأنه أصم لا يسمع أي صوت .. إلا صوت مشاعر قلبه ووجدانه.. راح يبّث جبل عامل لواعجه وأشواقه، ويخاطب مآثره في الماضي والحاضر ..
جبل عامل :
دماء الشهداء تنتشر على مدى مدتك وقراك ودساكرك
فتزكيها
تطيبها تضوعها
تخمرها فترويها
من عدلون إلى أرنون
وما قبل وما بعد
من الساحل بحراً إلى السفوح أنهاراً
من الخيام إلى البقاع سهلاً وجبلاً
مجد يرفده مجده
عجين ترابك خميرته الشاهادة
خبزها الشموخ والعزة والإباء
جبل عامل :
ما سرّك؟!!
ما سرّ قداستك؟!!!
ما سرّ الشهادة تخصب في ترابك؟!
فتتضوع عطراً أريجه يعمّ الهضاب والسهول والراوبي؟!
وتتسامق باسقة محلقة فوق الراوسي الشامخات؟!
محاكية الإلاك في مسابحها
مسامرة النجوم في مجراتها
مستلقية مطمئة في مهد سدرة المنتهى..
خميرة الشهادة ما سرّها في ترابك؟؟!!
في صخورك؟...
في ينابعيك؟!!
من أي العانصر جبلت ومن أي المكونات كونت؟..
اهي من مراقد الاف الأنبياء والعلماء والصالحين في أرضك؟؟
أم من بركات هذه الأجداث، زكا النبات والطير والحيوان وسما الإنسان؟..