رمى الغرب والعرب والأتراك بأوراقهم دفعة واحدة في وجه سورية، ولم يترك القوم ورقة احتياط لاستخدامها في الأيام والأسابيع المقبلة، اللهم إلا إذا كان الغرب المنهك عسكريا في أفغانستان والعراق
كتب نضال حمادة
رمى الغرب والعرب والأتراك بأوراقهم دفعة واحدة في وجه سورية، ولم يترك القوم ورقة احتياط لاستخدامها في الأيام والأسابيع المقبلة، اللهم إلا إذا كان الغرب المنهك عسكريا في أفغانستان والعراق، واقتصاديا في داخله، والقريب من تمدد الإنفجار الشعبي مع بداية الأحداث في لندن، يريد زج تركيا في حرب ضد سورية قد يشعل فتيلها أردوغان ولكن لا يمكن لأحد أن يعرف كيف سوف يتم إطفاء نيرانها وهذا ما نستبعده على كل حال وقد ذكرنا الأسباب مرارا.
هذا التصعيد المنظم والجماعي والذي أتى بعد أيام عدة من دعوة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عرب الخليج والأتراك للدخول على خط الضغوط الغربية على دمشق، جاء نتيجة مباشرة لتأخر الرد الإيراني على الطلب الأميركي بالبحث في أحوال المنطقة، وخصوصا سعي الولايات المتحدة الأميركية إلى تأجيل انسحابها من العراق وموافقة إيران على هذا التأجيل حسب مصادر عربية في بيروت.
وفي التفاصيل، فإن واشنطن طلبت من المملكة العربية السعودية الاتصال بالإيرانيين والطلب إليهم التفاوض على أحوال المنطقة بما فيها قضية الانسحاب الأميركي من بلاد الرافدين. وبحسب المصادر، فإن السعودية أخبرت إيران أنها سوف تتفاوض معهم بالنيابة عن أميركا. أما الطلب الأميركي الأساس من السعي وراء التفاوض مع طهران فيتلخص بما سمته المصادر رغبة أميركية في "تطنيش" إيراني عن بقاء جيش الاحتلال الأميركي في العراق لعامين جديدين على الأقل. المصادر العربية الموثقة تفيد بأن السعوديين طلبوا أن تجري المفاوضات في الرياض، وقد حصل تجاذب بين الطرفين السعودي والإيراني حول المكان سرعان ما تجاوزته طهران بالموافقة على الرياض مكاناً للمباحثات، غير أنها اشترطت أن تخرج هذه المفاوضات بنتائج واضحة على الأرض ولا تكون مضيعة للوقت والجهد.
وتضيف مصادرنا انه كان من المتوقع بدء عملية التفاوض المذكورة هذه الأيام غير أنها لم تحصل لسبب ما يعود، على الأغلب، إلى عدم حصول واشنطن على جواب مسبق من طهران يستجيب لرغبتها في التمديد لبقائها في العراق وهذا ما لاحظته أميركا من جو الصمت العراقي الكامل وعدم الرد من قبل حكومة المالكي على طلبها المتكرر من المسؤولين في بغداد بتحديد موقف واضح من قضية الانسحاب الأميركي من العراق، والذي يدخل حيز التنفيذ نهاية العام الحالي وفقا للاتفاقية العراقية الأميركية في هذا الشأن.
في هذا السياق الأميركي الصرف، تأتي هبة دول الخليج الداعمة للديمقراطية في سورية، بينما تمارس نفس هذه الدول عملية قمع للحريات في بلدانها وعملية سحق منظمة للشعب الأعزل في بلد صغير كالبحرين، تأتي مرفقة بعودة التصعيد التركي ضد سورية إلى الواجهة أملا في أن تسفر الحملة بكمها العددي ونوعيتها التصعيدية خصوصا من الجانب التركي في زيادة الضغوط على سورية وبلوغها مرحلة الخطر الجدي على النظام في دمشق، ما يدفع طهران إلى الرد إيجابا على الرغبة الأميركية في التمديد لاحتلالها لبلاد الرافدين ولو لسنتين مقبلتين.
وفي عودة للتصعيد التركي يبدو أن إيران وسورية تعرفان حدود هذا التصعيد الذي لن يتعدى الضغوط السياسية رغم تسرع المسؤولين الأتراك في تحديد مواعيد لما على القيادة السورية القيام به من مطالبهم، كما أن المعطيات تقول إن هناك استعداداً تاماً لمواجهة أي احتمال يأتي عبر الحدود السورية التركية، فضلا عن مراقبة الأوضاع الميدانية في العراق بشكل دقيق هذه الأيام. فتوريط تركيا بحرب على سورية يقتضي من الأميركيين القيام بعملية إعادة انتشار لقواتهم في العراق التي يعرف الإيرانيون والسوريون قواعدها وطرق إمدادها وتموينها ومخازن الوقود التي تحتاجها وطرق دورياتها ومواعيدها، يعني بكل بساطة، هم حاصون لأنفاس جيش العم سام في بلاد الرافدين.