على وقع السيناريو الأسوأ الذي كانت تتخوف منه إسرائيل، وتحت ضغط تساقط جنود النخبة في المعركة البرية، وجدت القيادتان السياسية والعسكرية الإسرائيليتان، نفسهما أمام مفترق طرق.
علي حيدر
على وقع السيناريو الأسوأ الذي كانت تتخوف منه إسرائيل، وتحت ضغط تساقط جنود النخبة في المعركة البرية، وجدت القيادتان السياسية والعسكرية الإسرائيليتان، نفسهما أمام مفترق طرق. من جهة، تدرك إسرائيل أن أي تراجع ميداني، أو عن السقف السياسي الذي حددته لوقف النار، تحت ضغط الميدان، ستكون له تداعيات سياسية وردعية، بما يتجاوز الساحة الفلسطينية، وخاصة بعدما بات للتراجع أثمانه ودلالاته الأشد وقعاً على صورة إسرائيل، مما لو تحقق في مرحلة سابقة.
أما المراوحة في المكان نفسه، فقد تحول الجنود وضباط جيش الاحتلال الى أهداف سهلة لرجال المقاومة، وخاصة أنه بعد الضربة القاسية التي تلقاها جنود النخبة، غولاني، باتت كل السيناريوات السلبية أكثر حضوراً وضغطاً على الساحة الإسرائيلية. وبخصوص توسيع التوغل البري الى القطاع، ثبت من الناحية العملية والملموسة أنه ينطوي على مخاطر قد تتجاوز التقديرات والخطط التي وضعتها القيادتان السياسية والعسكرية.
والأشد صعوبة من كل ما تقدم على صانع القرار في تل أبيب، أنه مهما كانت التقديرات والنتائج، فإنه ملزم في نهاية المطاف بتبني أحد هذه الخيارات، مع إدراكه لكل ما ينطوي عليها من نتائج وتداعيات.
وعلى ذلك، باتت إسرائيل في ضوء صمود المقاومة والتزامها بالسقف الذي حددته لوقف النار تتدحرج نحو أزمة خيارات، هي بالتأكيد أقسى من كل المحطات التي واجهتها منذ بداية المواجهة مع القطاع.
في ظل هذه الأزمة، كان على القيادة الإسرائيلية محاولة تحقيق إنجازات ميدانية استثنائية، وستبقى تعمل على هذا الصعيد. لكن يبدو أن تعذر تحقيق ذلك في الميدان، وتحت وقع الصدمة كان القرار الإسرائيلي بارتكاب مجزرة بحق المدنيين. غلب على الرد الإسرائيلي، منسوب الانتقام ومحاولة احتواء النزعات الغرائزية لدى الجمهور الغاضب، أكثر من كونه خطوة عملانية مدروسة لها أهداف عسكرية محددة. مع ذلك، يبقى احتمال أن تلجأ القيادة الإسرائيلية الى النزول عن الشجرة العالية التي تسلقتها، عبر القول إن العملية البرية تمت بهدف حصري يتمثل بتدمير الأنفاق، وبعد تنفيذ المهمة يتم إعطاء الأوامر للجنود بالتراجع، على أساس أنه لم يعد هناك ما يستوجب البقاء. في كل الأحوال، مهما كانت السيناريوات الحقيقية التي لن تستطيع القيادة الإسرائيلية تجاوزها، أن المعركة البرية عامة، والشجاعية خاصة، وما ترتب عليها من نتائج عسكرية ومدنية، ستشكل محطة مفصلية في المعركة الدائرة، وسيكون لها أثرها على بلورة مسار المعركة وتحديد آفاقها.
وعلى ذلك، لم تسلك التطورات المسار الذي كان يتمناه ويسعى إليه نتنياهو. إذ بدلاً من أن يطل على الجمهور الإسرائيلي من أجل زف بشرى نجاح العملية العسكرية في غزة، وأن الجنود في طريقهم للعودة الى منازلهم بعد إتمام المهمة التي أوكلت إليهم، اضطر نتنياهو الى بلورة خطاب يركز على تبرير الخسائر القاسية التي تلقاها جنوده، بوصف المعركة التي يخوضونها بأنها «حرب على البيت»، وبأن إسرائيل لم تخترها وإنما فرضت عليها، وكان لا بد من شنها تفادياً لإزالة أخطار محدقة بالمستوطنات.
وبالرغم من أعداد الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين، طلع نتنياهو على الجمهور الإسرائيلي، في مؤتمر صحافي عقده أمس، بمشاركة وزير الدفاع موشيه يعلون، ببشرى أن العملية البرية في قطاع غزة تحظى بشرعية ودعم جهات دولية رفيعة في المجتمع الدولي، مشيراً الى أنه تلقى أمس «اعترافاً من جانب الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا ودول هامة أخرى»، بما سماه «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحقها في إعادة الأمن الى مستوطناتها». ولفت أيضاً الى أنه تحدث، قبل نحو ساعة من المؤتمر الصحافي، مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، مرة أخرى، وشكره على دعمه في هذا التوقيت بالذات. واستناداً الى ما وفرته المبادرة المصرية من مشروعية للأداء الإسرائيلي، رأى نتنياهو أنه «بفضل استجابتنا لوقف النار، من غير الممكن الادعاء بأن إسرائيل اختارت التصعيد، ولذلك حماس تتحمل النتائج».
وشدد نتنياهو على أن إسرائيل ستواصل المعركة التي فرضت عليها، من أجل تحقيق الهدف، بإعادة الهدوء لفترة متواصلة، مع إضعاف حماس وبقية البنى التحتية للإرهاب» وفي محاولة للرد على تساؤلات باتت مطروحة في الساحة الإسرائيلية، تحت وقع الخسائر القاسية، أكد نتنياهو «لسنا مردوعين، وسنواصل العملية ما دام ذلك مطلوباً»، مقراً بأن «هذا المسار ينطوي على أخطار، لكنه ضروري».
وفي محاولة لاحتواء بعض مفاعيل الردود الجماهيرية السلبية، حاول نتنياهو عرض ما سماه إنجازات حققتها القوات الإسرائيلية، زاعماً أن «النتائج التي تحققت حتى الآن في الميدان كانت أكبر من التوقعات». ولفت الى «الكشف عن أنفاق كان يمكن أن تصل الى داخل مستوطناتنا، والنتائج كان يمكن أن تكون فتاكة»، مشيراً الى أن «الجيش أضر بشكل نوعي بمنظومة الأنفاق والصواريخ». وضمن هذا السياق، أشار نتنياهو الى الخسائر البشرية التي وقعت في صفوف جنوده بالقول «في كل معركة، هناك أحداث معقدة وقاسية، وهذا ما حصل أيضاً في المعركة الحالية».
من جهته، اختار يعلون المواقف الهادفة الى رفع معنويات الجنود والجمهور وتبرير سقوط خسائر كبيرة، عبر توجيه التهديدات بتدفيع حركة حماس «الأثمان الكبيرة جداً التي دفعتها وستدفعها». وطالب الجمهور بطول النفس والصبر في هذه اللحظات القاسية، مقراً بأننا «مستعدون لأيام طويلة من القتال». كما لفت حديث يعلون عن يومين الى ثلاثة أيام لمعالجة الأنفاق، وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات حضرت في الساحة الإسرائيلية حول ما إذا كان هذا الكلام يستهدف التمهيد للتراجع.
قبل ذلك، تناول رئيس أركان الجيش بني غانتس سقوط قتلى غولاني، بالتأكيد على أن المعارك التي يخوضها جيش الاحتلال «قاسية ومعقدة»، مؤكداً أنه «مصمم على تنفيذ المهمة». وأوضح غانتس أنه على رغم الخسائر التي تعرض لها الجيش، إلا أن «القوات تتقدم باتجاه الأهداف التي حددت مسبقاً، والأمر ينفذ بشكل ملائم.
وفي ضوء فشل الخطط العملانية الإسرائيلية، حتى الآن، في إخضاع المقاومة في غزة، يبدو أن إسرائيل انتقلت الى مرحلة دراسة الخيارات البديلة. وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، هناك إجماع داخل المجلس الوزاري المصغر على توسيع العملية. فيما يقدر وزير الاستخبارات يوفال شطاينتس أن «هناك احتمالاً لا بأس به بأن تنتهي الحملة البرية بالسيطرة الكاملة على غزة»، مشيراً الى أن حماس غير ناضجة حتى الآن لوقف النار. وتناول رئيس حزب «يوجد مستقبل» ووزير المال، يائير لابيد، في مقابلة مع موقع «واللا» العبري، إمكانية توسيع العملية البرية، مؤكداً أن كل الخيارات يتم درسها، بما فيها «احتلال غزة». وأضاف إن الهدف هو «إزالة تهديد الأنفاق، وعلى المدى الطويل تجريد قطاع غزة من السلاح». والتفافاً على أي فشل محتمل، لفت لابيد أيضاً الى «عدم إمكانية تصفية الإرهاب بنسبة مئة في المئة». وحول آفاق العملية، اعتبر لابيد أن «العملية ستنتهي عند إزالة التهديد الاستراتيجي الذي تمثله الأنفاق على مستوطنات الجنوب ومواطني إسرائيل» ورأى أن على إسرائيل «وضع أهداف استراتيجية بعيدة المدى، أحدها تجريد قطاع غزة من السلاح».
من جهته، رأى وزير الاقتصاد، ورئيس البيت اليهودي» اليميني المتطرف، نفتالي بينيت، أنه في ما يتعلق بالموقف من قطاع غزة «لا يوجد يمين ويسار» في إسرائيل. معتبراً أنه بمثابة «حصن إرهابي تحت أنفنا». ورأى أن مشروع الأنفاق الذي أقامته حماس بمثابة «مشروع وطني مثل المشروع النووي الإيراني». وأكد أن «إسقاط حكم حماس على جدول الأعمال، وأنا لا أقترح على حماس أن تنام بهدوء».
الى ذلك، رأى رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، والرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، اللواء احتياط عاموس يادلين، أن «الأهداف التي حددت للعملية كانت نسبياً محدودة ومتواضعة»، مقراً بأن «أياً منها لم يتحقق حتى الآن، ولكننا لا نزال في بداية المعركة». ولفت الى أن من اعتقد بأنه «سيكون هناك معركة ليوم أو يومين، هو مخطئ»، مضيفاً إن «المهمة العسكرية ليست مهمة بسيطة، بل سيسقط إصابات كثيرة، ونحن ينبغي أن نفهم أنه ينبغي أن نخرج من هذه العملية مع ضربة قاسية جداً لحماس، وليس كما حصل في العمليتين الأخيرتين». وأن على القادة والمقاتلين في الذراع العسكرية أن ينهوا هذه القضية. ورأى يادلين أنه في حال «مواصلة حماس القتال، لن يكون هناك خيار إلا توسيع الدخول البري الى غزة، من أجل مواصلة ضربها، وإلى حين أن تفهم بأن الثمن الذي تدفعه أكبر من أن يطاق».
على المستوى الميداني، ذكرت التقارير الإعلامية أن المقاومة الفلسطينية أطلقت، حتى مساء أمس، أكثر من 1700 صاروخ باتجاه إسرائيل، من أصل نحو 10000 صاروخ تقدر إسرائيل أنها موجودة لدى فصائل المقاومة في غزة.
www.al-akhbar.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه