في ظل التخاذل العربي على المستويين السياسي والإعلامي (مع بعض الاستثناءات)، هل تنجح الشاشات اللبنانية ــ ولو رمزياً ــ في إحداث فجوة في جدار الصمت؟
المحطات اللبنانية ستجتمع حول موضوع واحد، وستتبنّى خطاباً موحّداً يصب في خدمة قضية واحدة. هذا ليس سيناريو متخيّلاً، بل حقيقة سيشهد عليها الجمهور اللبناني الليلة. نعم، شاشاتنا الثماني ستخوض معركة مشتركة للمرّة الأولى في تاريخ بلد أرهقته الانقسامات السياسية والطائفية والاجتماعية منذ الأزل.
تحت شعار «فلسطين لست وحدك»، ستخرج علينا التلفزيونات اللبنانية اليوم بنشرة أخبار مسائية موحدة (20:10) لبث رسالة تضامنية مع الشعب الفلسطيني الصامد في غزّة منذ 15 يوماً في وجه آلة الحرب الإسرائيلية.
الفكرة أطلقها ناشر جريدة «السفير» طلال سلمان بعد الإمعان الصهيوني في ارتكاب المجازر في القطاع المحاصر. بعد وصفه المشروع المنتظر بـ«الإنجاز» نظراً إلى اتفاق كل المؤسسات اللبنانية المرئية عليه، شدد سلمان على أنّ تجاوب هؤلاء كان «سريعاً وممتازاً، كما أنّ العمل مستمر منذ الخميس الماضي على قدم وساق».
«إنّه إعلان واضح للتضامن مع أهلنا في غزّة»، قال طلال سلمان لـ«الأخبار»، آملاً أنّ يكون «خطوة أولى على طريق تعاون المحطات المختلفة على كل شيء تقريباً»، مضيفاً: «أتمنى أن يفرض مناخ التجاوب السائد بين التلفزيونات نفسه على مختلف الصعد». وتابع قائلاً: «هذا أقل ما يمكننا فعله في ظل عدم قدرتنا على القتال في فلسطين أو مساعدة المدافعين عن غزّة، بعيداً من الحساسيات الحزبية والطائفية والسياسية، لتأكيد موقفنا الرافض للمجازر التي ترتكب يومياً في حق الشعب الفلسطيني، لعلّنا نقرّب وجهات النظر على الأقل على مستوى الإعلام والشارع».
مديرة الأخبار في «الجديد» مريم البسّام أكدت لـ«الأخبار» أنّ المحطة كانت شريكة أساسية في التخطيط لتنفيذ المبادرة التي بدأت من فكرة تعاون بينها وبين «السفير» وإذاعة «صوت الشعب»، قبل أن تخرج إلى الشكل الذي ستكون عليه هذا المساء.
رأت البسّام أنّ رمزية ما يجري تكمن في «جمع كل الخليط اللبناني بكلمة وصورة وعنوان واحد، على أمل أن يكون لها صدى في فلسطين والعالم العربي»، لافتاً إلى أنّ صعوبة تنفيذ الفكرة تكمن في الأمور التقنية للخروج بأفضل صورة مطلقة. وكشفت أنّ كل التقارير باتت جاهزة، إذ ستتولّى lbci الأمور التقنية، أما «الجديد» فمراجعة المضمون تجنباً لـ«التكرار أو ما شابه».
المهم بالنسبة للبسّام هو «إيصال رسالة لبنانية واحدة لكل العالم بأنّها متضامنة مع كل فلسطين، وليس غزّة وحسب».
هنا، قالت ممازحة: «التجاوب الكبير الذي أبدته جميع المحطات، يدل على أنّ الإعلام اللبناني مسؤول لكن المشكلة في أصحاب القرار والسياسيين الذين يديرونه». وكشفت البسّام أنّ الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، أكد لها أنّ ثلاث محطات تلفزيونية ستنقل المشهد اللبناني اليوم، منها قناتا «فلسطين» الرسمية و«الوطن».
التقارير لن تتعدّى مدّتها الـ2:30 دقيقة وستتناول ما يجري في فلسطين من جوانب مختلفة
إذاً، البث سيكون موحداً على المحطات المحلية الثماني، إذ سينتقل المشاهد من تلفزيون إلى آخر، على أن يعرض كلّ تلفزيون تقريراً خاصاً به لا تتعدّى مدّته دقيقتين ونصف الدقيقة. جميع التقارير ستتمحور حول فلسطين والمقاومة، لكن كل منها سيتطرّق إلى زاوية مختلفة. هكذا ستطل علينا اليوم ديانا فاخوي من mtv، ومنير الحافي من «المستقبل»، وعلي المسمار من «المنار»، وداليا أحمد من «الجديد»، وإسبيرانس غانم من otv، وأمل حاضر من nbn، فضلاً عن ندى صليبا من «تلفزيون لبنان»، وريمي درباس من «المؤسسة اللبنانية للإرسال». علماً بأنّ من المرجّح أن تُستبدل درباس بديما صادق إثر إصابتها بوعكة صحية.
من جانبه، اعتبر رئيس مجلس إدارة lbci بيار الضاهر أنّ المشاركة في هذه المبادرة «واجب» في ظل ما يجري في غزّة، خصوصاً في ظل الطريقة التي يتعاطى فيها أخيراً «الرأي العام الغربي مع الموضوع». وأشار إلى أنّه «يجب أن نفعل شيئاً، على الأقل إعلامياً إذا لم يكن على الأرض»، مثمنّاً توحّد القنوات اللبنانية بمختلف انتماءاتها للمرّة الأولى على مسألة معيّنة.
انضمام «المنار» إلى هذا المشروع ليس مستغرباً. كيف لا، وهي التي انتهجت خط المقاومة منذ اليوم الأوّل وتميّزت في ظل الحروب. قال مدير عام «قناة المقاومة» إبراهيم فرحات لـ«الأخبار» إنه إلى جانب التقرير سيتولّى علي المسمار إذاعة مقدّمة النشرة التي كتبها طلال سلمان، بالتعاون مع منير الحافي من «المستقبل»، مشدداً على أهمية هذه الخطوة في إبراز «التضامن مع غزّة وشعبها في هذا الوقت العصيب».
من جانبه، يرفض مدير الأخبار في otv طوني شامية السؤال عن سبب مشاركة «المحطة البرتقالية» في النشر «لأنّنا من أهل البيت. نحن مساندون للقضية الفلسطينية ومتمسكون بحق العودة، ووقوفنا مع غزّة يومي». ولفت شامية إلى أنّ ما سيحصل الليلة هو «خطوة رمزية تؤكد وقوف جميع اللبنانيين ضد ما يجري، في ظل غياب الموقف العربي، لعلّها تترك رجع صدى. رغم أنّني أستبعد ذلك». أما في ما يتعلّق بتقرير «أو تي في»، فهو من إعداد ميلفين خوري وتقديم إسبيرانس غانم، ويتمحور حول دور المرأة الفلسطينية في المقاومة والصمود.
في ظل التخاذل العربي على المستويين السياسي والإعلامي (مع بعض الاستثناءات)، هل تنجح الشاشات اللبنانية ــ ولو رمزياً ــ في إحداث فجوة في جدار الصمت؟ وهل ستشكّل الليلة مقدمة لمحطات أخرى مشابهة على الساحة الإعلامية المحلية؟
«المنار» والحجاب
مشاركة قناة «المنار» في النشرة المسائية اللبنانية الموحدة أمر بديهي، نظراً إلى تاريخها الطويل في الإعلام المقاوم وموقفها الحاسم من فلسطين وقضيتها. لكن بدا لافتاً تجاوز «قناة المقاومة» لمسألة أساسية جدّاً في سياستها، إذ رضيت بظهور أربع مذيعات غير محجبات من محطات زميلة عبر شاشتها.
القضية أثارت انتباه مديرة الأخبار في «الجديد» مريم البسّام التي سألت مدير عام «المنار» إبراهيم فرحات عنها، منوّهةً بتخطي هذه المسألة في سبيل دعم فلسطين وشعبها في وجه إجرام الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ أسبوعين. وفي إتصال مع «الأخبار»، ضحك فرحات لدى التطرّق إلى هذا الموضوع، قائلاً: «ليس مهماً كيف تخطيناه. المهم النتيجة. المهم مساندة فلسطين».
* نشرة الأخبار الموحدة: الليلة 20:10 على كل القنوات اللبنانية