التفت الحاج يوسف ليدعو السائق محمد، فلم يجده، سأل عنه قالوا إنه سلّم بيده مودعاً وانطلق.. اعتمد الحاج يوسف على صهره بأن يجمعه مع السائق محمد، إلا أن صهره تأسّف معتذرا إذ لا سابقة له بمعرفته.
نداء التراب" قصة للكاتب اللبناني قاسم طويل، تروي حكاية حدثت بالفعل خلال حرب تموز في العام 2006 بين الكيان الصهيوني والمقاومة اللبنانية. هي قصة ذلك الشاب السائق "محمد" الذي وجد فجأة ليتبرع بتوصيل المواد التموينية لأهالي قرية "بيت ليف" في الجنوب المحاصر آنذاك .. "محمد" السائق الذي يبقى مجهولاً ولكن أين يختفي؟!..القصة في ثماني حلقات متسلسلة ننشر كل يوم حلقة.
---------------
قبل منتصف ليلة السادس من آب بقليل، وصل الحاج يوسف ومن معه إلى بيروت الغربية، حيث تجمّع ابنه عدنان وبناته وأحفاده لاستقبالهم. وفي غمرة السلام والاحتضان بقي في باله أن يستضيف السائق محمد ليتعرّف إليه أكثر الآن..
لأن زمن الرحلة كان موزعاً بين الاستماع إلى الراديو لمتابعة الأحداث المتلاحقة دقيقة بعد دقيقة.. وبين الأخطار الداهمة التي تشتت الذهن وتتلف الأعصاب وما بين الأخبار والأخطار.. لم يكن هناك فسحة لحديث يتخلله استئناس وتعارف..
التفت الحاج يوسف ليدعو السائق محمد، فلم يجده، سأل عنه قالوا إنه سلّم بيده مودعاً وانطلق..
اعتمد الحاج يوسف على صهره بأن يجمعه مع السائق محمد، إلا أن صهره تأسّف معتذرا إذ لا سابقة له بمعرفته. .
تمّ الاتفاق معه في الشارع، مثله مثل أي سائق عمومي. عضّ على نواجذه وقلب شفته السفلى تبرماً وحسرة وندامة متمنياً من كل قلبه أن يلتقي السائق محمد فيما بعد..
وبعدما وضعت الحرب أوزارها وانتصرت الأمة النابضة بالحياة في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع ..قام الحاج يوسف بعملية تفتيش واسعة على السائق محمد، بين السائقين العاملين بين المناطق ولكن دون جدوى .. لا أحد يتعرّف عليه بعدما كان يوصفه لهم.. لا أحد بينهم بهذه المواصفات .. ولو كان أحدهم لشغل الجميع بقصته البطولية..
ولكنّه الصمت الدامس الذي فرض نفسه على الأجواء.. ووجه له نداء عبر إذاعة النور، ورجاه أن يلقاه ليعطيه أجرته على الأقل.. ولكن دون جدوى.. لا خبر ولا علم..
أين هو السائق محمد؟؟!.. ولكن قبل هذا السؤال، من هو السائق محمد أصلاً، وكيف حضر فجأة؟؟ .. وموافقته السريعة على القيام بالمهمة دون خوف أو وجل..؟!!
كلها أسئلة بقيت معلّقة إلى اليوم ولا من مجيب؟!!..