24-11-2024 05:56 AM بتوقيت القدس المحتلة

بوعزيزي توتنهام: إنه الإنفصام مجدداً

بوعزيزي توتنهام: إنه الإنفصام مجدداً

سخر كاميرون من حقوق الإنسان لحظة اشتعال أحياء لندن: 888 معتقلاً في السجون إضافة إلى تقييد نشاط مواقع التواصل الإجتماعي كتويتر وفايسبوك، ولم تصدر أية إدانة عن المجتمع الدولي.

في بريطانيا بوعزيزي أيضاً. مارك دوغان الشاب البالغ من العمر تسعة وعشرين عاماً والذي قتل برصاص الشرطة في حي توتنهام شمال العاصمة البريطانية لندن، أشعل ثورة في بلاد ألفت مراقبة ثورات العالم الثاني وتدجينها وتحديد أسبابها: ديكتاتورية الحكام.

هل في بريطانيا من ديكتاتور؟ ليس من الضرورة أن تتجلى الديكتاتورية في شخص حاكم، فقد تبرز بكامل فظاظتها في هراوات قوى الأمن ورصاصهم المطاطي الذي وجّه إلى رؤوس الشباب المتظاهرين في ليفربول وبرمنغهام وغيرهما من المدن.

الإحتجاجات التي تنصلت من سلميتها لأن أبناءها سئموا الفقر والتهميش، وصفها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأعمال الشغب، معلناً أن "حججاً مزيفة تتعلق بحقوق الإنسان، لن تمنع الشرطة من توقيف المشتبه بهم. إنها مشكلة عصابات، لفترة طويلة لم نركز على عدم الإحترام الذي تظهره هذه المجموعات المشاغبة".

كاميرون نفسه سبق أن أعلن أن بلاده ترغب في استصدار قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدين استخدام ليبيا القوة ضد المتظاهرين، مشيراً أيضاً إلى قلقه الدائم من ارتفاع عدد الموتى في صفوف الشعب السوري المطالب بالحرية والإصلاح. هل يعاني الأخير من انفصام ما؟ انفصام المواقف التي تأتي كانعكاس لبراغماتية تجعل من كل شيء ممكناً.

جزء ممن تظاهروا في المدن السورية رافعين شعارات مطالبة بالإصلاح البنّاء وجدت آذاناً صاغية لدى النظام السوري الذي أعلن إلغاء حالة الطوارئ ووضع قوانين جديدة للأحزاب والإنتخابات والإعلام.

وعقب ترؤس الرئيس بشار الأسد اجتماعاً للحكومة التي تشكلت عقب اندلاع الإحتجاجات، أشار الأخير إلى أن" التحديات المطروحة أمامنا وأمام الحكومة ومؤسسات الدولة وبين المواطنين كبيرة جداً ولا بد من إغلاق هذه الفجوة بايجاد أقنية بيننا وبين المواطنين تعمل باتجاهين لكي نستطيع أن نملأ هذه الفجوة بثقة المواطن بمؤسسات الدولة".

لطالما تلطت الحكومات الغربية بارتفاع معدلات التنمية البشرية لديها وبامتلاكها مفاتيح السياسة والإقتصاد للتنظير والحديث عمن يجب بقاؤه من الأنظمة ومن يجب إسقاطه والذي يبدو خاضعاً لكثير من الإنتقائية واللامنطق.

لكن ما حدث في بريطانيا مؤخراً يبرز إلى الواجهة مقولة أن فاقد الشيء لا يعطيه، فتلك البلدان ليست معافاة بالكامل، وحكامها حريصون على أمنها أكثر من أرواح شعوبها. لقد ذكر كاميرون أن الدافع الوحيد للإحتجاجات في بلاده هو السرقة وأنه "لن نسمح بنشر ثقافة الخوف في الشوارع"، سامحاً للشرطة باستخدام الرصاص المطاطي في مواجهة المتظاهرين.

هل من الجائز أن ينتشر الخوف في شوارع حماه ودير الزور ودرعا وحلب وغيرها من المدن السورية؟ هل من المبرر لبعض من يصفهم الخارج بمتظاهرين من أجل حرية الرأي والتعبير بقتل ضباط في الجيش السوري والتمثيل بجثثهم؟ مقابل هذا كله ليس من الجائز للنظام والأمن ردع ذلك الخوف الذي ينبئ بانزلاق البلاد إلى حرب أهلية. أقرّ الرئيس الأسد بضرورة" وجود تواصل مع المواطن، الذي في حال غيابه يخلق شعوراً بالإحباط وبالغضب، خاصة عندما يكون هناك حاجات ضرورية وضمن إمكانيات الدولة ولا نقدمها"، لكن ما يراه الخارج هو نظام لا تتقاطع توجهاته السياسية مع مصالحه الخاصة، وإلا لما لم تهدأ الإدانات والقرارات المنبثقة عن مجلس الأمن والقاضية بفرض العقوبات؟ أليس ذلك المتظاهر هو المتضرر الأكبر من تلك العقوبات؟

ليس هناك من ديموقراطية مطلقة. لقد سخر كاميرون من حقوق الإنسان لحظة اشتعال أحياء لندن بنيران الغضب. استحالت العبارات الناعمة سراباً، وحلّت لغة الحزم: ثمانمئة وثمان وثمانون معتقلاً في السجون إضافة إلى تقييد نشاط مواقع التواصل الإجتماعي كتويتر وفايسبوك. لم تصدر أي إدانة عن المجتمع الدولي، إنه صمت مثير للضحك، إنه الإنفصام مجدداً.