ما يحدث في غزة وما يحدث في مخيم من ضمن محاولات تصفية القضية الفلسطينية
خليل موسى – موقع المنار – من مخيم اليرموك
يحملون البندقية ويقفون على الجبهات، لكن لم يكن أملهم أن يكونوا خلف هذا المتراس وفي هذا المكان، و كلما تعلموا شيئا جديدا عن فنون القتال والعمل الفدائي، كانت تتطلع أعينهم إلى أراضيهم المحتلة، وليس بإمكانهم اليوم ان يتكلموا بطلاقة حين يُسألون وقد اعتراهم الإحباط جراء إرجاعهم خطوات إلى الوراء.
الحرب الأخيرة المندلعة في الأراضي المحتلة الفلسطينية جعلت من جميع الفلسطينيين في كل مكان من الأرض يتأهبون للخوض في معركة تعد معركة كرامة للمواطن الفلسطيني في زمن كثرت فيه المتاجرة بدم الفلسطيني، أما النزف الذي يتعرض له قطاع غزة، إضافة الى التضييق على اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، كله زاد من سعير النار في قلب كل من لم يستطع المشاركة في الدفاع عن شعبه، وللأسف منهم من يقاتل في مكان آخر.
من مخيم اليرموك قصة مختلفة دخل موقع المنار في الكثير من تفاصيلها، مقاتلون فلسطينيون حملوا السلاح بعد أن تدربوا ليكونوا فدائيين يذودون عن أرض فلسطين ويحررونها من العدو الصهيوني المحتل، هؤلاء اليوم وضعهم مختلف، فبدلاً من القتال داخل حدود الوطن كما فعل الكثير ممن خرجوا من المخيم فدائيين في أوقات سابقة، فهناك الكثيرون ممن تدربوا وخرجوا مقاتلين واستشهدوا داخل فلسطين أو على حدوها، والشاهد الأكبر هو مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك، المقبرة المبنية على أجسادهم الطاهرة وأسمائهم المدوية تضحية وفداء، والتي ما تزال أرواحهم تستنهض ضمائر الجميع للعودة إلى العمل الفدائي والكفاح المسلح في فلسطين ومن اجلها.
هم جيل من المقاتلين المعدين للحظات الحرب من أجل فلسطين لم يشاركوا فيما يحدث ضمن وطنهم في هذه الفترة، فها هم يقاتلون لاسترجاع مخيم اليرموك من المجموعات المسلحة التي دخلته من كل حدب وصوب، فأكثر من عام ونصف من القتال، عشرات القوافل ممن قدموا أرواحهم على أبواب المخيم، يقفون خلف المتاريس وأصبعهم على الزناد، اعينهم اليوم على غزة، والتشتت في تفكيرهم بات أكبر من ذي قبل.
أحد المقاتلين ممن التقيناهم يقول "دخلت المجموعات المسلحة إلى المخيم، فأخرجوا الأهالي منه وشرّدوهم، ولم يعد بالمقدور ان نفعل شيء سوى ان نقاتل لاستعادة مخيمنا".
يجيب مقاتل آخر على سؤال حساس، "نعم للأسف يوجد مقاتلون فلسطينيون في الداخل ، وهم يحملون سلاحهم ضدنا، وللأسف أيضا نحن نحاربهم لأنهم تحالفوا مع التشكيلات المسلحة التي اتخذت من مخيم اليرموك معقلا لها، هم أخوتنا ولكن لا أعرف ما الذي جرى حتى أصبحنا هكذا، فبدلا من أن نتحالف سوية لقتال العدو الصهيوني، ترانا نحارب اليوم من أجل استعادة المخيم".
يضيف آخر: "نعم هناك من أراد ان يحرف البوصلة واستطاع حرفها عند البعض للأسف، أصبحنا نقاتل هنا ولا نعرف سوى الصمود. علينا أن نعيد المخيم كما كان كي نستطيع أن نتابع طريقنا باتجاه فلسطين ، واتمنى أنَّ نضع أيدينا بأيدي أخوتنا داخل المخيم كي نعود كما كنا". هذا ما قاله أحد قائدة المجموعة المستنفرة على أحد المحاور القتالية في الخطوط المتقدمة من المخيم. وشرح أكثر "ان القضية الفلسطينية محاربة في كل مكان ، الذين يريدون أن يُصفوا القضية الفلسطينية، هم أنفسهم من دخلوا مخيم اليرموك، واستباحوه، وشردوا اهله وضربوا كل مقوماته، وهم وكلاء للعدو الصهيوني الذي يسفك دم أهلنا اليوم في غزة".
تعمقنا أكثر لنسأل الأهالي المدنيين داخل المخيم، فهم ليسوا راضين عن الحال التي وصلها المخيم والمقاتلون، يقول رجل سبعيني يدعى أبو محمد " لدي شهيد من عام 82 أثناء حصار بيروت وضربها من قبل الصهيوني، انا فخور به، ولكن يجب على هؤلاء المقاتلين في داخل وخارج المخيم أن يستوعبوا ان هناك من يلعب بهم"، ويضيف بلهجته الفلسطينية الأصيلة "اسمع يابا.. هاض الوضِع ما عاد ينسِكِت عليه، والي بدو ينهي مخيم اليرموك مصنع الفدائية، هو نفسو الي بدو عم بضرب غزة، آه يابا شو مفكر هِيْ لعبة.. لازم الكل يتعلم.. الفلسطيني وين ما كان مستهدف.. آه وِلّا.. وإسا قاعدين يضربونا ببعض"، وهذا ما يتفق عليه كثيرون ممن التقيناهم من مدنيين استطعنا الوصول إليهم على حدود تسليم المعونات المقدمة لمساعدتهم في أعقد حصار شهده العالم.
إذاً، بين ما يحدث في غزة وما يحدث اليوم في مخيم اليرموك يربط كثيرون بأنها من ضمن محاولات تصفية القضية الفلسطينية، والواقع عندما يكون المقاتل الفلسطيني في المخيم لا عمل له سوى الوقوف على متاريس المخيم ليحاول استرجاع المخيم واخراج مجموعات مسلحة يعتبرها عميلة للصهيونية، واقع ينذر بخطر كبير على القضية المركزية لأمة باتت لا تعير القضية أكثر من الصمت والدعم للأعداء، وبالتالي المقاتل الفلسطيني أمام مأزق نقل الصراع منه مع العدو الصهيوني إليه مع مقاتلين آخرين جاؤوا من كل بقاع الارض ليقاتلوا بالوكالة في مخيم اليرموك، هذا فضلا عن مقاومين فلسطينيين في مجالات عدة غيبتهم الأزمة السورية إما في السفر واللجوء أو بالموت، لتبقى الاراضي الفلسطينية اليوم مشتعلة بمن فيها فقط دون دعم من المخيم الذي كان خزانا للفدائيين والاستشهاديين أو على الأقل مكانا للدعم النفسي من مظاهرات واعتصامات كان مركز انطلاقها ساحة جامع الوسيم وسط المخيم.