مشاهد لم تستطع كاميرات الشاشات رصدها أو الوصول إليها بعد». وأضافت إنّ هذا الواقع «غيّر مسار المتابعة الإعلامية التقليدية للحدث، لأنّه دفع الصحافيين إلى التحضير لتغطية حدث يبدو أنّه كبير».
الحرب على غزّة اليوم لا تشبه أيّاً من سابقاتها. نحن لا نتحدّث عن حجم الوحشية الإسرائيلية، ولا عن نوعية الأسلحة المستخدمة، ولا عن أعداد الشهداء والجرحى. اختلاف العدوان المستمر منذ أكثر من أسبوعين يكمن أيضاً في طبيعة التغطية الإعلامية التي يحظى بها، إذ تتركز بمعظمها حول مواقع التواصل الاجتماعي.
استحواذ أخبار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة على المشهد الافتراضي، دفع بعض الإعلاميين الأجانب إلى تحليل هذه الظاهرة، لا بل ذهبوا نحو تفصيل «فشل» الاحتلال في معركة "السوشال ميديا".
تحت عنوان «لماذا تخسر إسرائيل الحرب على غزّة على مواقع التواصل الاجتماعي» (Why Israel is losing the social media war over Gaza)، تناول الصحافي في قناة channel 4 البريطانية، بول مايسون، المسألة من باب المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني في منطقة الشجاعية قبل أيّام.
«غرّد أحد الصحافيين الفلسطينيين الذين أتابعهم على تويتر صباح الأحد الماضي بالقول إن الناس يهربون من الشجاعية والجثث ملقاة على الأرض»، قال مايسون في تقرير مفصّل نشره عبر مدونته الخاصة على موقع القناة الرابعة البريطانية، أعقب عرض التقرير المصوّر على الشاشة (متوافر على موقعنا).
في بداية الريبورتاج الذي بُثّ أخيراً، قال مايسون إنّ هذه «الحرب الأولى بين الطرفين التي تُغطّى إعلامياً عبر السوشال ميديا»، مشدداً على أنّ التغريدات والتعليقات التي ملأت تويتر أثناء وبعيد وقوع مجزرة الشجاعية لم تكن عائدة حصراً لصحافيين كما هو متوقع، بل إنّ معظمها نُشر على حسابات تابعة لأعضاء في طواقم إسعاف، وناشطين، وأقرباء ضحايا، وأشخاص عاديين.
واستشهد التقرير أيضاً بليزا غولدمان من جمعيةNew America foundation غير الربحية التي أكدت أنّ التغريدات سجّلت ما يحدث على الأرض لحظة بلحظة: «معلومات عن جثث على الأرض في كل مكان، وتفاصيل مروّعة عن مشاهد لم تستطع كاميرات الشاشات رصدها أو الوصول إليها بعد». وأضافت إنّ هذا الواقع «غيّر مسار المتابعة الإعلامية التقليدية للحدث، لأنّه دفع الصحافيين إلى التحضير لتغطية حدث يبدو أنّه كبير».
ولاحظ معدّ التقرير أنّ الإرباك الذي أحدثته الشبكات الاجتماعية في الأوساط الإسرائيلية الرسمية «ظهر بوضوح» من خلال التعليقات التي نشرها الحساب الرسمي لـ«قوّات الدفاع» على تويتر. تعليقات لم تتضمن أي دليل على أنّ «الشجاعية هي منطقة عمليات تابعة لـ«حماس» وأنّ الصواريخ التي تضرب إسرائيل تُطلق من هناك»، بينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يقول لـ«سي أن أم» «إنّهم (المقاتلون) يريدون تجميع أكبر عدد ممكن من القتلى في صفوف المدنيين لتحقيق مبتغاهم».
بعدها، انتقل بول مايسون إلى الحديث عن «عشرات القصص التي يرويها أبناء غزّة قبل الإعلاميين عبر تويتر»، مستعيناً بمقطع من فيديو انتشر على الإنترنت أخيراً لأحد المتطوعين العزّل المصابين الذين كانوا يشاركون في عمليات الإنقاذ. لكن الشاب سُرعان ما تعرّض للقنص مجدداً، وفارق الحياة. هنا، لفتت ليزا غولدمان إلى أنّه «أحياناً قد يكون مقطع مصوّر صغير إثباتاً قوياً وكافياً لتغيير الخطاب السائد، غير أنّ هذا لا يجري دائماً».
وفي محاولة لتفسير كثرة الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية في هذه الحرب، أشار مايسون إلى أنّه في آخر مرّة اجتاحت فيها إسرائيل قطاع غزّة عام 2012 كان مستخدمو تويتر حوالى 26 مليوناً. أما اليوم فهم أكثر من 250 مليوناً، فضلاً عن زيادة عدد الهواتف المحمولة عشرة أضعاف تقريباً. هكذا، تكون هذه الأجهزة الصغيرة قادرة على وضع «الدمار والقتل بين أيدينا وإدخالهما إلى صلب حياتنا»، وبالتالي فإنّ من السهل التفريق بين «الحقيقة والادعاء».
في ظل فشل العدو في حجب حقيقة ما يجري في قطاع غزّة، برزت على تويتر أيضاً حملة يقودها بعض مستخدمي الموقع. حملة تهدف بوضوح إلى تمويه الطبيعة العدائية لإسرائيل والتقليل من حجم المعاناة التي تفرضها على شعوب المنطقة، وخصوصاً فلسطين، والمجازر التي ترتكبها يومياً.
#JewAndArabsRefuseToBeEnemis (اليهود والعرب يرفضون أن يكونوا أعداء)، هاشتاغ انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بعيد بدء العدوان على غزّة. الهاشتاغ جاء ضمن حملة افتراضية أطلقت أخيراً، تقوم على نشر صور لمجموعة من الأشخاص رافعين لافتات تؤكد انسجامهم التام وأنّ «الحب أقوى من الحرب»، وفق تقرير نشرته أخيراً شبكة abc الأميركية ولاقى رواجاً في وسائل إعلامية مختلفة حول العالم. الأشخاص ينتمون إلى ديانات وبلدان مختلفة، إلا أنّ كل الصور تضم يهودياً يشدد على انفتاحه على الآخر وحبّه له، كتلك التي نشرتها الصحافية الأميركية (أمّها لبنانية) سولوم أندرسون على تويتر وفايسبوك. الصورة لقبلة تجمعها بحبيبها اليهودي، مرفقة بتعليق: «أناديه حبيبي، ويناديني نيشاما. الحب لا يعرف لغة الاحتلال»!