منذ أكثر من ثلاث سنوات، يصعب تحديد من يكسبهم تيار المستقبل يومياً، فيما يسهل تحديد خسائره اليومية. بعد قادة المحاور الذين غرّر بهم اللواء أشرف ريفي
غسان سعود
منذ أكثر من ثلاث سنوات، يصعب تحديد من يكسبهم تيار المستقبل يومياً، فيما يسهل تحديد خسائره اليومية. بعد قادة المحاور الذين غرّر بهم اللواء أشرف ريفي، والإسلاميين الذين غرّر الخطاب الحريري بهم؛ ها هو حزب المستقبل يخسر «مفتي جمهوريته» سابقاً مالك الشعار.
يروى في طرابلس أن الرئيس عمر كرامي رفع احتياجات المحكمة الشرعية في حكومته عام 1991 من تسعة إلى 13 ليضمن تعيين الشيخ مالك الشعار قاضياً شرعياً، بعدما حلّ الأخير في المركز الـ 13 في الامتحان. لم يكن ولاء الشعّار لزعامة الأفندي مطلقاً، إلا أن رئيس الحكومة السابق كان دائماً ينطلق من وجوب أن «يقطع طرابلسي» في اختبارات كهذه.
خطيب المسجد المنصوري الكبير وضع نفوذه المدينيّ الصغير في تصرف «الأفندي» يومها، حتى وقع في غرام الرئيس رفيق الحريري بعدما انضم نجله إلى قائمة المستفيدين من المنح التعليمية لـ«مؤسسة الحريري». بادر كرامي إلى قطع علاقته به، مفترضاً أنه يخسر أحد مفاتيحه في بعض الصالونات الدينية وعند آل الشعار فحسب. لكن «نجل الأرثوذكسية»، على حد وصف السلفيين للشعّار، غدا عام 2008، وهو في الستين من عمره، مرشح التوافق السياسي الأبرز لمنصب مفتي طرابلس في وجه مرشح السلفيين، ليفوز بكرسي محمد الجسر وعبد الحميد كرامي. بدأ المفتي الجديد عهده بمصالحة ضخمة في داره بين غالبية مكونات طرابلس، قيل يومها إنها باكورة إنجازاته. لكن لم تلبث المدينة أن عادت ــــ تحت أنظار مفتيها ــــ إلى عادتها القديمة، فوقف خلف محور التبانة بدل حماية إنجازه المفترض. وسرعان ما قدّم التزامه السياسي على انتمائه المناطقيّ عند إعلان تيار المستقبل غضبه الميداني من تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة. وبعد انتقال تيار المستقبل ومفتي الجمهورية محمد رشيد قباني من حال القطيعة إلى الطلاق، فاز الشعار عن جدارة بلقب «مفتي جمهورية 14 آذار»: تبنّى موقف الرئيس فؤاد السنيورة كاملاً من حكومة ميقاتي وملف الإفتاء، ودعا عضو كتلة القوات اللبنانية النائب الراحل فريد حبيب إلى غداء تكريميّ في مدينة رشيد كرامي، وأمّ المصلين في حفل تأبين العميد وسام الحسن الذي اختتم بـ«غزوة السرايا»، وتقدّم، في الأعوام القليلة الماضية، الصف الأمامي في احتفالات 14 آذار.
لكن هذا كله لم يكف تيار المستقبل. فالرئيس سعد الحريري كان يتوقع مواقف أكثر جدية من المفتي ضد ميقاتي، وهو لم يهضم مغادرته المدينة بحجة التهديدات الأمنية بدل السعي الى تعويض ضعف تيار المستقبل في بعض زواياها، وكان يتوقع منه السيطرة، أقله على الأئمة والمشايخ الخاضعين لسلطته. إضافة إلى عدم رغبة الحريري، بحسب أحد نواب المستقبل، في انتخاب مفتٍ يكون قادراً يوماً ما على تكرار تجربة سلفه بسبب تشعّب علاقاته. هكذا صدر القرار: أعلن نائب صيدا فؤاد السنيورة أن مفتي الجمهورية يجب أن يكون بيروتياً، بحسب العرف القائم أولاً، ولأن نموذج نواب بيروت «الوديعين» يبقى أفضل من نموذج نجيب ميقاتي وأشرف ريفي ومحمد الصفدي. «عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة»، يردد أحد الحريريين. وفي ظل الحرص الحريريّ المستجدّ على مكانة البيارتة وحسن تمثيلهم، جارى الرئيسان ميقاتي وكرامي زميليهما الزرقاوين، وخصوصاً أن أياً منهما لا يتشوّق كثيراً لرؤية الشعار يفتي للجمهورية.
لم يبال أحد بالتسريبات المجهولة المصدر عن استعداد مفتي طرابلس لنقل نفوسه إلى بيروت. كلف تيار المستقبل بإعلام الشعار استبعاده من السباق. وهو ما بدأه بشكل متعثر الرئيس فؤاد السنيورة، واستكمله الرئيس سعد الحريري بسؤاله الشعار، بوصفه «صانع المفتين»، عن رأيه في ترشيح الشيخ عبد اللطيف دريان. وصلت الرسالة. لا أحد من المرجعيات السياسية التي كان يعوّل عليها يبالي بتعداد الشعار في مجالسه الخاصة المواصفات التي يفترض أن يتحلّى بها المفتي، وهي جميعاً تنطبق عليه حصراً، من «استقلاليته مع حفاظه على علاقة وثيقة بمرجعية الطائفة السنية السياسية» إلى قدرته على التحاور مع مختلف الأفرقاء الدينيين داخل طائفته وخارجها، مروراً بامتلاكه علاقات ندية مع معظم القوى السياسية.
ما من أحد ممن خاض الشعار الصعاب من أجلهم يبالي، اليوم، بتفضيله الإفطار في بلدة مارونية في زغرتا على مشاركة تيار المستقبل إفطاره، أو بحضوره إفطار الوزير السابق نقولا نحاس، رغم مقاطعة المستقبل له، أو بمفاجأته الرئيس ميقاتي بدعوة وسائل الإعلام لمواكبة زيارته الروتينية لدار الإفتاء هذه المرة، أو بذهابه إلى البترون للإفطار الى مائدة وزير الخارجية جبران باسيل. لم يبال أحد بانكسار المفتي. لم ينقذه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، رغم كسره علاقته بآل كرامي من أجل عينيه، ولا الجماهير التي سعى جاهداً في خطاباته لاسترضائها. لم يحدد بعد خطة بديلة، أو وجهته في المرحلة المقبلة. يتصرف الميقاتيون كأنهم حققوا مكسباً طرابلسياً جديداً. ما كان ينقص الحريريين، في ظل مواجهتهم القائمة مع إسلاميي المدينة التقليديين والجدد (قادة المحاور)، سوى أن يخسروا مرجعيتها الدينية المعتدلة؛ يقول الميقاتيون. أما الحريريون فيبدون واثقين بأن من لم يتأثر بانقلاب مفتي الجمهورية عليه لن يخيفه استياء مفتي طرابلس منه. ويشير نائب مستقبلي سابق إلى معرفة التيار الكبيرة بالمفتي وسبل حل الخلافات الصغيرة معه، مؤكداً أن تيار المستقبل لن يخسر في هذه المرحلة علاقته الوثيقة بمفتي طرابلس.
http://www.al-akhbar.com/node/212231
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه