وصلت اصوات دعاة الفتنة الى عنان السماء وهم يحرضون (اهل الاسلام) لمجاهدة (الروافض والمجوس)، وجندوا الالاف من الشباب الجاهل ليقتلوا ابناء المسلمين باسم الاسلام، ولكن في محنة غزة لم اخذوا يؤلبون الناس على المقاومين
بعد البرازيل، استدعت تشيلي وبيرو سفيريهما من الكيان الصهيوني احتجاجا على الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد الانسانية في غزة منذ اربعة و عشرين يوما حيث سقط لحد الان اكثر من 1300 شهيد ونحو 8000 جريح، جلهم من الاطفال والنساء، امام تواطؤ دولي وصمت عربي مخز.
يبدو انه لم يعد بمقدور شعوب ودول امريكا اللاتينية تحمل الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني ضد نحو مليوني انسان محاصرين منذ اكثر من سبعة اعوام في مساحة ضيقة من الارض، تعتبر اكثر مناطق العالم كثافة سكانية، وترى ان الصمت ازاء هذه الجرائم هو بمثابة تواطؤ مع القاتل، وضوء اخضر ليمارس جرائمه الوحشية.
قيل الكثير عن النكسة الاخلاقية والانسانية والدينية التي منيت بها الشخصية العربية، لاسيما النخب السياسية والفكرية والدينية ناهيك عن الحكومات العربية التي كانت متواطئة في اغلبها مع القاتل والجلاد ضد الضحية والمقتول، ولكن القليل قيل عن الغيرة والحمية والانسانية التي اخذت تتفجر في عروق "الكفرة" و "المشركين" و "المرتدين" و "الروافض" و "المجوس" ضد الممارسات الاجرامية للصهاينة، بينما اهل الاسلام وفي مقدمتهم العرب صامتون وكأن على روؤسهم الطير، بل ان منهم من دعا الله ان ينصر (اسرائيل) على حماس وان تسوي غزة بالتراب.
ان التظاهرات التي تخرج كل يوم في بلاد (الكفر) في اوروبا وامريكا اللاتينية وافريقيا وحتى امريكا، والتي تواجه بعضها بالقمع ويسقط فيها الكثير من الشهداء، لا نجد مثلها في الدول العربية التي وصلت اصوات دعاة الفتنة فيها الى عنان السماء وهم يحرضون (اهل الاسلام) لمجاهدة (الروافض والمجوس)، وجندوا الالاف من الشباب الجاهل ليقتلوا ابناء المسلمين باسم الاسلام، ولكن في محنة غزة لم يخرسوا ليرتاحوا وليريحوا بل اخذوا يؤلبون الناس على المقاومين الابطال واهل غزة الصابرين.
اذا كان هذا هو موقف النخب الدينية والسياسية والاعلامية مما جرى ويجري في غزة، فان الموقف الرسمي العربي ازاء ما يجري من مجازر في غزة هو اكثر ماساوية، فهناك انظمة عربية مازالت تقيم علاقات وثيقة مع (اسرائيل) في مثل هذه الظروف، بل ان هذه الانظمة تساهم بشكل او باخر في الجهد الحربي (الاسرائيلي) ضد حماس وغزة.
هناك مقولة تقول ان الحُكم يحتاج الى المقبولية اكثر من حاجته الى المشروعية للبقاء، لانه هناك الكثير من الانظمة حكمت دون ان تكون لها مشروعية، الا انها حاولت ان تكون لها مقبولية عبر تبرير ما تفعل ليكون مقنعا للشعب، الا انه لا يمكن ان تكون هناك امكانية ان يواصل نظام ما الحياة ولا يملك مقبولية، هذه المقولة استذكرتها اليوم وانا اتابع مواقف وسياسات الانظمة العربية التي ترتبط بعلاقات سياسية مع (اسرائيل) التي تقوم ومنذ اربعة وعشرين يوما بذبح ابناء غزة.
ترى هل لهذه الحكومات مقبولية لدى الشارع العربي؟ وهل مواقفها من حماس و(اسرائيل) مقبولة من الشارع؟، اذا لم تكن مقبولة ترى كيف يمكن ان تجازف هذه الانظمة في الابقاء لحد الان على سفراء (اسرائيل) لديها او الابقاء على موظفي المكاتب التجارية والاتصال (الاسرائيلية) الموجودة في العديد من الدول العربية؟.
لا ادري هل اجرت هذه الانظمة استطلاعات للراي كما اجرت (اسرائيل) استطلاعا للرأي اثبت ان 95 بالمئة من غالبية الصهاينة تشعر بأن العدوان الذي تشنه قوات الاحتلال على غزة له ما يبرره ولابد من مواصلته حتى القضاء على حماس؟ الحقيقة انني الى الان عاجز على الرد على هذه الاسئلة، وعاجز على فهم موقف هذه الدول العربية ازاء ما يجري في غزة وكيفية تبرير مواقفها لشعوبها.
الشيء الوحيد الذي يمكن ان اجزم به ونحن نعيش عصر التكفير الوهابي، ان (بلاد الكفر) التي تقتل "داعش" و "جبهة النصرة" و "القاعدة" وباقي الزمر التكفيرية الاخرى، اتباع دياناتها في بلادنا، هم اكثر انسانية وتعاطفا مع قضايانا، من ابناء جلدتنا وديننا ومن انظمتنا وحكوماتنا، فهذه (بلاد الكفر) مثل البرازيل وتشيلي وبيرو تسحب سفراءها من (اسرائيل) بينما مازال علم هذا الكيان الغاصب للقدس يرفرف في (بلاد الاسلام).