براء الصحة يجادلون أننا الآن أمام حالة طارئة في إفريقيا، وأن وباء "إيبولا" أكثر فتكاً من الانتظار، إنه يقتل 90% من المصابين ولا يمنح خيارات أسوأ من الموت، فما الذي يمنع من حقن المصابين بلقاح قد يحافظ على حياتهم؟
حينما حقن باحث ألماني نفسه بالخطأ بـ"إيبولا"، الفيروس القاتل لـ90% من المصابين، والذي حصد حياة أكثر من 670 إفريقياً منذ شهر مارس الفائت، تم حقنه مباشرة بلقاح تطوره الحكومة الكندية، حدث ذلك في ذات الوقت الذي يتفشى فيه الوباء غرب إفريقيا ويكتفي العالم بالاستنفار في المطارات لمنع انتقاله خارجها، دون أن يقدم علاجاً للمصابين، طالما أنهم ليسوا أميركيين أو أوروبيين.
إذاً، هناك علاجات محتملة لفيروس "إيبولا" القاتل، إلا أن خبراء صحيين اطلعت مواقع الكترونية على شهاداتهم في صحيفة "هوفتمان بوست"، يعتقدون أن العالم لن يتحرك لإنقاذ المصابين بالوباء طالما أنه لم ينتشر خارج إفريقيا بعد، فالإفريقيون الفقراء ليسوا مستهلكين مربحين لشركات الأدوية، والتي تفضل بيع اللقاحات التي تطورها للحكومات الغربية لاستخدامها في حال تفشى الوباء خارج إفريقيا.
وبالفعل، طورت مثلاً إحدى شركات الأدوية لقاحاً أثبت فاعلية بتمويل من الجيش الأميركي، إلا أن هدف هذه الأبحاث لم يكن تقديم العلاج لضحايا إفريقيا، بل لاستخدام اللقاح من قبل الجيش الأميركي كواقٍ من هجمات الأسلحة البيولوجية، إذ إن خطورة فيروس "إيبولا" تجعله سلاحاً بيولوجياً فتاكاً، أخطر ربما من "الجمرة الخبيثة".
أثبت هذا اللقاح فعالية كبيرة في التجارب التي جرت على القرود بحسب البحث الذي نشرته مجلة Nature الطبية، إذ إنه شفى 6 قرود وظلوا أحياء طوال مدة التجربة التي استمرت لثلاثين يوماً، في حين ماتت جميع القرود التي لم تحقن باللقاح، وتطور شركة كندية أخرى لقاحاً آخر، هو ذات اللقاح الذي حقن به الباحث الألماني وأثبت فعالية كبيرة في تجاربه الأولى.
إفريقيا، ضحية التجارب الدوائية دوماً
ومن ناحية أخرى، تبقى هذه اللقاحات في مراحل التجربة، إذ دوماً ما تمر الأدوية قبل منحها ترخيص البيع بمراحل تحتاج لسنوات طويلة تختبر فعالية الدواء وآثاره الجانبية على الحيوانات والإنسان، إلا أن خبراء الصحة يجادلون أننا الآن أمام حالة طارئة في إفريقيا، وأن وباء "إيبولا" أكثر فتكاً من الانتظار، إنه يقتل 90% من المصابين ولا يمنح خيارات أسوأ من الموت، فما الذي يمنع من حقن المصابين بلقاح قد يحافظ على حياتهم؟
ويتمسك بالمقابل أصحاب وجهة النظر الأخرى برأيهم: يبقى هناك أمل للمصابين طالما أن 10% منهم لا يموتون، كما أن عدد ضحايا الفيروس ليس كبيراً جداً، لذا فليس من الحكمة أن نطلق لقاحاً تجريبياً مازال في مراحل تصنيعه الأولى.
ستحتاج اللقاحات لشهور وسنين طويلة قبل اعتمادها، يعلق أحد الباحثين لـ"هوفتمان بوست": "سيكون الجميع قد مات قبل أن تنتهي الأبحاث"، وأمام وجهات النظر هذه، ستضاف للتاريخ قصة جديدة من قصص جشع رأس المال العالمي، سبق وأن أغرقت شركات الأدوية أسواق إفريقيا بأدوية ممنوعة من الاستخدام في البلدان المتطورة لعدم فعاليتها أو لخطورتها، حينما كان من مصلحتها أن تفعل ذلك، وسبق أن وقع ملايين الإفريقيين ضحايا لتجارب دوائية أجرتها شركات الأدوية.