لم يفاجئ التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول وضع الحريات الدينية في العالم المتابعين لمآسي الشرق. لم يندهش أحد مما ورد في متنه من أن "سنة 2013 شهدت أكبر اقتلاع للجاليات الدينية في التاريخ القريب"
تقرير أميركي يتحدّث عن أكبر اقتلاع للأقليات
دنيز عطالله حداد
لم يفاجئ التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول وضع الحريات الدينية في العالم المتابعين لمآسي الشرق. لم يندهش أحد مما ورد في متنه من أن "سنة 2013 شهدت أكبر اقتلاع للجاليات الدينية في التاريخ القريب".
لم يرد فيه ما يطمئن الى وضع الأقليات المسيحية. على العكس تماما، فهو صوّر واقعا مقلقا وبائسا في عدد من الدول ذات الغالبية المسلمة، بينھا سوريا والعراق ومصر وإيران. في لبنان يتعقد المشهد أكثر فأكثر. القلق الأبرز مرده الى "ارتفاع حدة التوتر الطائفي، وخصوصا المذھبي بين السنّة والشيعة". لا يعني ذلك أن واقع المسيحيين أفضل. فالتقرير يتوقف عند التهميش الذي يتعرضون له، خصوصا الأقليات من بينهم، ويمر حتى على ذكر تفجيرات تعرضت لها محالهم ومصالحهم التجارية.
لكن اللافت للانتباه ما أورده التقرير من أن نحو عشرة آلاف عراقي مسيحي وأربعة آلاف مصري قبطي لجأوا الى لبنان هرباً وخوفاً من الاستهداف والاضطهاد. فلبنان اذاً، في وعي أو "لا وعي" مسيحيي المنطقة، لا يزال يملك صورة البلد المتنوع، ملجأ المضطهد وحاضن المسيحيين منهم خاصة. هي صورة فقدها مسيحيو لبنان عن أنفسهم وعن بلدهم.
يؤكد مصدر كنسي معني بأبناء الطوائف العراقية المهاجرة الى لبنان "لجوء عدد من المسيحيين العراقيين اليه. وهو لجوء تزايد في الفترة الأخيرة نسبياً"، لكنه يشير الى غياب إحصاءات دقيقة في هذا المجال. يقول "مع الأسف فإن لبنان بالنسبة الى كثير من أبنائنا العراقيين محطة انتظار تمهيدا لهجرة نهائية الى أي بلد غربي. نحن نحاول أن نكون الى جانبهم وأن نساعدهم على قدر إمكاناتنا المتواضعة، لكن هذا الموضوع يحتاج الى قدرات دول وقرارات أنظمة وسلوك مجتمع". يضيف "لا يشعر المسيحيون العراقيون بالاستقرار في لبنان لأسباب متعددة، منها الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي والديني. يخافون أن تتكرر مأساتهم في هذا الشرق. فمع محبتهم للبنان ونظرتهم اليه كواحة حرية، خصوصا للمسيحيين، إلا أن أسباب القلق فيه تتزايد وهم يسألوننا باستمرار لماذا نعيد التأسيس في أرض قد نُطرد منها نحن أو أبناؤنا". يستفيض المسؤول في الكلام عن "اختلافات اجتماعية غير تفصيلية بين العراقيين واللبنانيين. وهذه أمور نعرفها في كل المجتمعات وقد اختبرناها ككهنة وأساقفة. أحيانا كثيرة يقول لنا بعض العراقيين المسيحيين ان بعضا من جيرانهم المسلمين المعتدلين أقرب اليهم في الفكر والعادات والمسلك والمفاهيم من بعض المسيحيين اللبنانيين. وقد يكون هذا حال المسيحيين اللبنانيين. فقبل موجات التهجير والتكفير وتصنيف الإنسان بحسب دينه وطائفته، من الطبيعي أن يتشارك أبناء الوطن الواحد القيم والتقاليد نفسها وأسلوب الحياة نفسه، أياً تكن طائفتهم. لكن مع اتجاه مجتمعاتنا الى مزيد من التشرذم والتطرف، والإصرار على هدم المشترك بين الناس عبر إيقاظ غرائزها البدائية، يشعر أبناء الوطن الواحد بغربة عن بعضهم البعض".
كلام المسؤول الكنسي يلطف بعضاً من أوجه معاناة المسيحيين العراقيين الذين يواجهون، من ضمن ما يواجهونه، بعضاً من "تشاوف" لبناني، تجنباً لاستخدام تعبير أكثر حدة. فالفقراء من بينهم، الذين يجاورون فقراء لبنانيين ويعملون كمثل أعمالهم، ويقيمون في منازل تشبه منازل هؤلاء، يتعرضون لسخرية جيرانهم من الشكل الى طريقة الملبس والكلام واللهجة، وصولا الى بعض التقاليد. صحيح أن التعميم لا يجوز، وأن بعض الأفراد يبدون كل تعاطف واهتمام، إلا أن الصحيح ايضا أن كثرا من اللبنانيين لا يتضامنون مع المهجرين العراقيين إلا من باب الخوف من أن يكون مصيرهم يوماً كمصير هؤلاء.
يتوقف المصدر الكنسي عند التقرير الأميركي حول الحريات الدينية ليقول "اننا لا نحتاج الى من يوصّف واقعنا. نحن أدرى به. نحتاج من كل دول العالم أن تنظر بعين العدل والإنسانية الى الشرق، والى الأقليات فيه تحديدا. نحتاج الى أن يُنظر الى كل إنسان باحترام وتقدير. فلا يجوز أن يكون موت الأطفال واضطهاد النساء وتهجير العائلات أمراً بسيطاً لا يستدعي أكثر من بيان أو شجب. فيما نشاهد تلك الدول تجند فرقاً لإنقاذ حيوان أليف عن شجرة وتبني له مراكز إيواء وملاجئ".
http://www.assafir.com/Article/1/364253
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه