فيما تنتشر الوسوم باللغة الإنكليزيّة لكثافة استخدامها على موقع التدوينات الصغيرة، تشقّ وسوم عربيّة أيضاً طريقها مع 6 ملايين تغريدة عبر وسم «غزّة تحت القصف»، 500 ألف عبر «غزّة تقاوم».
«كلّما سقطت قذيفة جديدة، يصرخ إخوتي الصغار بأعلى أصواتهم، في محاولة للتغطية على صوت الانفجار الثاقب، لكنّ حناجرهم لا تقوى على ذلك»، تغرّد إحدى الناشطات من غزّة على «تويتر».
هي واحدة ممن توفّرت لهم خدمة الإنترنت، والطاقة البديلة عن الكهرباء، واختاروا توثيق يوميّات الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة، ونقل تفاصيلها الموجعة عبر موقع التدوينات القصيرة. يروون قصصاً، يبدو أنّ صداها يصل إلى العالم فعلاً، ليحقّق تقدّماً لافتاً على الجبهة الإلكترونيّة ضدّ العدو.
«خزاعة انمحت تماماً، حتّى أنّي أضعت الطريق إلى بيتي ونسيت من كانوا جيراننا»، يغرّد محمود إسماعيل. «ما رأيته اليوم في خزّاعة جمّد الدم في عروقي، وكسر قلبي، بكلّ معنى الكلمة». وكان يمكن لفرح باقر أن تقضي عطلة صيف هادئة، تنشر فيها صور البحر والطبيعة والناس وتكتب عن وقت ممتع تمضيه مع الأصدقاء في غزّة. ربّما قبل شهر من الآن. لكنّ ابنة السادسة عشرة تجد نفسها تصوّر أبنية مهدّمة لتنشرها عبر حسابها في «تويتر».
تسجّل مقاطع فيديو قصيرة للصواريخ التي تهبط في الأحياء المجاورة لمنزلها، عبر تطبيق «فاين». تنقل باقر أيضاً، كغيرها من المغرّدين، أخباراً عن شهداء غزّة وأطفالها الذين ناموا، ولم تُرد لهم طيّارات الحرب الإسرائيليّة، أن يستيقظوا. وكأنّه لا يكفي أطفال غزّة موتاً، ها هي برّادات المستشفيات لم تعد تتسع لأجسادهم. ينشر خالد صافي صورة عبر «تويتر» معلّقاً: «أطفال العالم يشترون المرطبات من ثلاجة الآيس كريم، وأطفال غزّة يوضعون في نفس الثلاجة بانتظار دفنهم!».
تتصدّر قصص أهل غزّة، بتفاصيلها المؤلمة، عناوين الأخبار في الإعلام التقليدي، لكنّها تسجّل التقدّم الأبرز على جبهات الإعلام الاجتماعي وخصوصاً «تويتر». فمن خارج غزّة، يتعاون نشطاء عرب وأجانب على إعادة نشر الأخبار الآتية من مغرّدي غزّة، فيعيدون ترجمتها إلى لغات أخرى عبر صفحاتهم أيضاً. مع العلم أنّ اللغة الأكثر استخداماً في التغريد حول غزّة، هي الإنكليزيّة. وقد تفوّقت الوسوم الداعمة لغزّة بأضعاف على تلك التي تدعم إسرائيل، ما يدلّ على «أنّ قضيّة غزّة خرجت من حدودها الجغرافيّة، وتعدّت كونها قضيّة سياسيّة أو دينيّة، لتتسم ببعد إنسانيّ»، كما يقول مستشار ومدرّب الإعلام الاجتماعي عمّار محمّد في حديث لـ«السفير».
استعنّا بإحدى أدوات قياس انتشار التغريدات (انظر الجدول)، ليتبيّن لنا أنّه، وخلال الأسابيع الأربعة الماضية، حصدت وسوم «صلّوا لغزّة»، و«الهجوم على غزّة»، و«غزّة تحت النار»، و«أنا أدعم غزّة» و«ادعموا غزّة»، حوالي 14 مليون تغريدة مجتمعة، من دون احتساب إعادة التغريد. وفي المقابل لم تلامس الوسوم الإسرائيليّة مجتمعةً، الـ 600 ألف تغريدة، وأبرزها «صلّوا لإسرائيل» و«الهجوم على إسرائيل»، و«إسرائيل تحت النار».
وتجدر الإشارة إلى نجاح وسم AJAGaza الذي أطلقته قناة «الجزيرة»، وقد حصد حتّى الآن 700 ألف تغريدة، إضافة إلى انتشار واسع لوسم ICC4Israel بحوالي المليوني تغريدة، ويطالب عبره المستخدمون بمحاكمة دوليّة لجرائم «إسرائيل». وفيما تنتشر الوسوم باللغة الإنكليزيّة لكثافة استخدامها على موقع التدوينات الصغيرة، تشقّ وسوم عربيّة أيضاً طريقها مع 6 ملايين تغريدة عبر وسم «غزّة تحت القصف»، 500 ألف عبر «غزّة تقاوم».
ويرى عمّار محمّد أنّ كلّ ما يقوم به النشطاء على الإنترنت، من تغريد حيّ، ونشر صور وأخبار عن الحرب، يعدّ «مقاومة إلكترونيّة». كما أنّ تفوّق التغريدات المرتبطة بغزّة على تلك المرتبطة بـ«إسرائيل»، «تدلّ على أنّنا ننتصر، ونحتاج أن نستمرّ في توحيد الجهود، وتكثيف النشاط عبر مختلف المنصّات، من مواقع تواصل اجتماعي ومدوّنات لتصل أصواتنا. فالإعلام الإلكتروني فعّال، لأنّ المعلومة أهمّ سلاح من أسلحة المقاومة الإلكترونيّة. كما أنّ سرعة تدفّق المعلومات الجماهيريّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تشكّل وسيلة ضغط، وتؤثّر على الرأي العام، في ظلّ تضليل الحقائق من قبل الإعلام المؤيّد لإسرائيل».
تغريدات الناشطين من غزّة ليست فقط وسيلة لمعرفة الأخبار عن تجدّد القصف ومواقعه، أو حصيلة الشهداء، بل هي أيضاً إشعارٌ بأنّ مرسليها لا يزالون على قيد الحياة. «ربّما تكون هذه آخر تغريداتي.. القصف في منطقتنا كثيف»، تقول فرح باقر في إحدى تغريداتها.
يزفّ الغزّاويون لنا من خلف شاشاتهم الصغيرة كلّ شهيد جديد، ويحكون قصص بيوت أخفيت معالمها، وأحياء كانت تضجّ يوماً بصراخ أولاد يلعبون. يستيقظون كلّ يوم إن سلموا من مطر صواريخ العدوّ، ليرووا لنا حكايات صمود تخزي كلّ من لم يسجّل موقف تضامن، أو على الأقلّ تعاطفاً صامتاً احتراماً لشهداء، ذنبهم أنّهم لم يتركوا فلسطين.