26-11-2024 09:44 AM بتوقيت القدس المحتلة

روسيا تطلق «حربا تجارية» على الغرب لمواجهة عقوباته

روسيا تطلق «حربا تجارية» على الغرب لمواجهة عقوباته

وحذر قائلا «مع هذه العقوبات، سنتجه نحو مواجهة مع تصعيد إقتصادي وعسكري. لان بعض اعضائنا لن يكونوا في افضل حال بعد خمسة إعوام من الازمة»

روسيا تطلق «حربا تجارية» على الغرب لمواجهة عقوباتهمنذ تشديد العقوبات ضدها، ترد روسيا باستخدام السلاح التجاري حاظرة كل يوم استيراد منتجات غذائية جديدة تحت غطاء اسباب صحية و»حماية المستهلكين». وبحسب روسلخوزنادور، الوكالة الصحية الروسية، فان الحليب والأجبان والبصل الاُوكراني، ومنتجات الصيد اليونانية، والخوخ الصربي، والتفاح والملفوف البولندي، واللحوم الإسبانية، كلها منتجات تحتوي على مواد مضرة، او مصابة ببكتيريا خطيرة، او لا تحترم المعايير المعتمدة.

ومنذ تشديد العقوبات الغربية ضد موسكو على خلفية الأزمة الاُوكرانية، تصدر السلطات الروسية بشكل شبه يومي حظرا جديدا على منتجات مصدرها الإتحاد الأوروبي او الولايات المتحدة. مس الجمعة تعرضت بولندا لقرار روسي يقضي بحظر إستيراد الفواكه والخضار منها بسبب «إنتهاكات متكررة» في شهادات المنشأ. وهكذا تخسر وارسو بحسب الاحصاءات الرسمية، سوقا تمثل اكثر من مليار يورو سنويا.

وفي الايام السابقة استُهدفت اُوكرانيا بقرارات تمنع عليها تصدير البطاطس والصويا والعصير والمعلبات والحليب والاجبان وغير ذلك من المنتجات الزراعية الى روسيا بسبب «وجود ترسبات لمضادات حيوية» و»مخالفات في مجال التوضيب».

من جهة اخرى هددت وكالة روسلخوزنادور بإصدار حظر على الحليب الجاف (بودرة الحليب) من لاتفيا، والطيور الأمريكية، أو أيضا مجمل المنتجات الغذائية الاُوكرانية.والسبب الذي تتطرق اليه السلطات الروسية في قرارات الحظر هذه هو نفسه دائما — حماية المستهلكين وصحة السكان –، مع استبعاد اي سبب سياسي.

وقال نيكولاي بانكوف، المسؤول في لجنة الزراعة البرلمانية «اي قرار سياسي؟ اُوكرانيا هي بلد تشهد حربا وينعدم فيها أمن المواطنين ويقتل اُناس. ليس لديهم منتجات ذات نوعية. لماذا يتعين علينا إستيراد اللحوم مثلا (وحيوانات) تنفق بواسطة قذائف هاون؟».وأوضح المحلل الروسي كونستانتين كالاشيف «انه في الواقع رد فعل على العقوبات حتما، إنها إستمرارية السياسة بوسائل اخرى. ان كل هذه الإجرءات تشبه عملية ثأرية ضد دول تعتبر معادية».

وروسيا متهمة في غالب الأحيان بإستخدام السلاح التجاري وخصوصا عبر التطرق الى أسباب صحية كوسيلة للضغط الدبلوماسي على جيرانها.وقد قررت اخيرا الحد من واردات اللحوم والفواكه والنبيذ من مولدافيا، بعد التوقيع في حزيران/يونيو على اتفاق للتبادل الحر بين الإتحاد الأوروبي والجمهورية السوفياتية السابقة التي كانت تستفيد حتى ذلك الوقت من وضع الافضلية لتجارتها مع روسيا.

من جهة اخرى، حذرت موسكو من ان روسيا ستتخذ «اجراءات حمائية» اذا تبين ان اتفاقات الشراكة الموقعة بين الإتحاد الأوروبي واُوكرانيا ومولدافيا تضر بإقتصادها.وأوروبا ليست الوحيدة المستهدفة، لان روسيا سبق وحظرت في 2013 بشكل شبه كامل إستيراد اللحوم من الولايات المتحدة بعد تبني مجلس الشيوخ الأمريكي عقوبات استهدفت مسؤولين روسا.

واليوم تقع المجموعة العملاقة الاميركية في انتاج الوجبات السريعة «ماكدونالدز» تحت مجهر السلطات الصحية الروسية التي طلبت أمام القضاء حظر عدد من منتجاتها بسبب «مخالفات في قواعد السلامة والسعرات الحرارية».

من جهتها عانت جورجيا اعتبارا من 2006 من حظر على نبيذها المطلوب شعبيا في روسيا، وهو الامر الذي تعزز بعد الحرب الخاطفة التي نشبت بين البلدين في 2008. ولم يرفع هذا الحظر سوى العام الماضي.واذا كانت روسيا بين أول المنتجين العالميين للحليب والبطاطس او الحبوب (25.4 مليون طن من الحبوب تم تصديرها هذه السنة)، فان المخازن الكبرى في موسكو تفيض ايضا بمنتجات غذائية مستوردة. واعتبر كالاشيف ان «هذه الاجراءات تحظى بدعم غالبية المجتمع الروسي لان السكان لا يشعرون بانهم يعانون منها».

العقوبات لها آثار لا تنكر لكن الرضوخ غير محسوم

العقوبات الإقتصادية التي قررها الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ستكلف روسيا غاليا، لكن الشك لا يزال قائما بالنسبة إلى قدرة هذه العقوبات على إرغام فلاديمير بوتين على تغيير سياساته بشأن الأزمة الاُوكرانية.فقد أقر يان ليسر من مركز «جيرمان مارشال فاند»، وهو مجموعة ابحاث متخصصة في العلاقات الدولية في بروكسل، بان «فعالية العقوبات هي موضوع نقاش مستمر، ولم نتوصل حتى الآن إلى الجواب».

فالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على كوبا جعلت الحياة اكثر صعوبة بالنسبة إلى سكان الجزيرة، لكنها لم تؤد إلى سقوط فيدل كاسترو او نظامه. والامر نفسه ينطبق على زيمبابوي حيث يواصل الرئيس روبرت موغابي تحديه للغرب.

في المقابل اجبرت العقوبات السلطة في ايران، التي يعتمد إقتصادها على النفط، على قبول اجراء مفاوضات مع القوى الست الكبرى حول برنامجها النووي الذي يثير مخاوف لدى الغرب.والهدف من العقوبات الإقتصادية التي فرضت على روسيا كان قد اعلنه الأوروبيون بكل وضوح: وهو ارغام الرئيس فلاديمير بوتين على العدول عن ضم القرم «غير المشروع» ووقف دعم الحركات الإنفصالية الموالية لروسيا في شرق اُوكرانيا عسكريا.

واكد رئيس المجلس الأوروبي هرمان فان رومبوي مع ذلك ان «الإتحاد الأوروبي مستعد للعودة عن قراراته اذا تعهدت روسيا بالإسهام بقوة ودون نوايا سيئة في إيجاد حل للازمة في اُوكرانيا».

ودخلت العقوبات الإقتصادية حيز التطبيق أمس الجمعة. وترمي إلى الحد من وصول روسيا إلى أسواق الرساميل الأوروبية، وتفرض حظرا على مشتريات ومبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية والسلع ذات الإستخدام المزدوج العسكري والمدني لروسيا.وتحد ايضا من قدرة روسيا على شراء التكنولوجيا الحساسة وتجهيزات الطاقة، وخصوصا تلك المتعلقة بعمليات التنقيب النفطية في المياه العميقة وفي القطب الشمالي.

وحذر الخبير الإقتصادي ادم سلاتر من مؤسسة «اُوكسفورد ايكونوميكس» من ان «الانسحاب من اُوكرانيا هو الأمر الوحيد الذي يفترض القيام به، لكن حسابات بوتين السياسية يمكن ان تكون مختلفة تماما».
واضاف يان ليسر «اذا اقتنعت السلطة الروسية والسكان بان البلد قادر على الاستمرار، فسيكون من الصعب عندئذ العمل على تحريكهم».من جهته عبر كونستانتي غيربر، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، عن شكوكه أيضا حيال تأثير العقوبات الأوروبية.

وقال «سيسعى بوتين ليعرف إلى اي حد يتحلى الإتحاد الأوروبي بالجدية». وأكد ان «العقوبات الاولى ستلحق الضرر، لكنها لن تترك اثرا كارثيا على روسيا».وقال مسؤول أوروبي قريب جدا من الملف ويعبر عن قلقه حيال التهديد من هروب الرئيس الروسي إلى الامام «كلما ازدادت العقوبات، كلما تضاءلت خسارة بوتين».

وحذر قائلا «مع هذه العقوبات، سنتجه نحو مواجهة مع تصعيد إقتصادي وعسكري. لان بعض اعضائنا لن يكونوا في افضل حال بعد خمسة إعوام من الازمة».وبالفعل سيكون للعقوبات كلفة بالنسبة إلى إقتصاديات الدول الاعضاء. وقد اخذ القادة الأوروبيون في الإعتبار هذا الامر خلال المفاوضات التي سعت إلى الحد من التداعيات على إقتصادات بلادهم.

وقال خبير عمل على وضع هذه العقوبات «اننا نتقدم في حقل مجهول مليء بالمجازفات».وقال مشارك في المفاوضات ان «بوتين سيسعى إلى إحداث إنقسام في صفوف الأوروبيين، وسيكون عمله إختبارا لوحدة الإتحاد الأوروبي».
وأكد ان «القادة الأوروبيين مدركون لمخاطر الردود الإنتقامية من جانب السلطة في روسيا، لكنهم اتخذوا قرارهم بعد عمل لا يغتفر ارتكبه بوتين وطريقة ادارته لذلك».