24-11-2024 06:33 PM بتوقيت القدس المحتلة

Transformers: أميركا قائدة العالم ومنقذته

Transformers: أميركا قائدة العالم ومنقذته

يقضي الأفراد العاديون وسط الدمار الهائل والمشاهد الأبوكالبتية من دون اكتراث، فلا قيمة سوى للأبطال في فيلم يدّعي الانتصار للإنسانيّة. حتى الـ «أوتوبوتس» الطيّبون يبرعون في تدمير ممتلكات الناس، ويعيثون فساداً أينما حلّوا.

مشهد من «المتحولون: عصر الانقراض»في 1984، بدأ إنتاج ألعاب الـ Transformers (المتحوّلون) بالتعاون بين شركة الألعاب الأميركيّة Hasbro واليابانيّة Takara Tomy، لتلاقي رواجاً كبيراً. آليّون من الفضاء قادرون على التنكّر في هيئة سيارات وألعاب وأجهزة كهربائية. الحرب الأهلية بين الـ«أوتوبوتس» (جانب الخير يقوده «أوبتموس برايم») والـ«ديسبتكونز» (جانب الشر يقوده «ميغاترون»)، أجبرتهم على هجر كوكبهم «سايبترون» بعد تدميره، واللجوء إلى الأرض.

علي وجيه/ جريدة الأخبار

شهرة الألعاب أدّت إلى سلسلة تلفزيونية بعنوان «المتحولون» (1984)، تلاها فيلم رسوم متحركة «المتحوّلون: الفيلم» (1986)، أخرجه نيلسون شين ذو الأصل الكوري الشمالي عن سيناريو لرون فريدمان. هنا يواجه الـ«أوتوبوتس» عدوّاً خارجياً إضافةً إلى أعدائهم التقليديين، مع أسماء شهيرة مثل أورسون ويلز في واحد من أواخر أفلامه كممثل.

في 2007، تولّى الأميركي مايكل باي (1965) زمام الأمور مطلقاً سلسلة أفلام حققت نجاحاً عالمياً آخرها Transformers: Age of Extinction (2014 ـ المتحولون: عصر الانقراض) الذي بدأ عرضه أخيراً بعد ثلاثة أجزاء هي: Transformers (2007)، وTransformers: Revenge of the Fallen (2009) الذي شارك فيه اللبناني سعيد الماروق كمخرج وحدة ثانية في المشاهد التي صوِّرت في مصر، وTransformers: Dark of the Moon (2011).

من أجل الطاقة، تستعر الحرب بين الـ «أوتوبوتس» والـ «ديسبتكونز» على الكوكب الجديد، ما يضع مصير البشر على المحك. هكذا، يتحالفون مع الـ «أوتوبوتس» لحماية عالمهم. يلعب الشاب «سام» (شيا لوبوف) دور المنقذ البشري في الأجزاء الثلاثة الأولى، منتقلاً من المرحلة الثانوية إلى الجامعة ثمّ البحث عن عمل، مع عائلة حاضرة دائماً للدعم والمساعدة، وحبيبة تتغير في الجزء الثالث إثر قيام ستيفن سبيلبرغ (أحد منتجي السلسلة) بطرد ميغان فوكس بسبب تشبيهها مايكل باي بهتلر في العمل وفق تقارير صحافية متقاطعة.

استعراض أحدث تقنيات  الأنيماشن والغرافيك والمؤثّرات

تختلف الأمور تماماً في الجزء الرابع الذي تدور أحداثه عام 2015. معركة شيكاغو المدمّرة ما زالت حاضرةً في أذهان البشر، فينقلبون على حلفائهم بحجّة إنهاء الحرب الفضائية. ضابط استخبارات أميركي (كيلسي غرامر) يتعاون مع صائد جوائز آلي يسعى لإعادة التوازن إلى الكون، وصاحب شركة روبوتات (ستانلي توشي) يعمل على صنع المتحوّلين وتطويرهم. في الجبهة المقابلة، نتعرّف إلى طاقم بشري جديد على السلسلة. المخترع «كايد ييغر» (مارك والبرغ) وابنته تيسا (نيكولا بيلتز) وحبيبها شاين (جاك راينور) يشتركون مع «أوبتموس برايم» ورفاقه في صد محاولة جديدة لتصفية الجنس البشري.

بالإضافة إلى الأكشن واستعراض أحدث تقنيات الأنيماشن والغرافيك والمؤثّرات المتقنة، لا تتوانى السلسلة عن بث رسائل متعدّدة بشكل مباشر. البشر جنس عدائي وبدائي ينقصهم كثير من المعرفة. صحيح أنّهم عنيفون بقدر طموحاتهم وجشعهم واستعدادهم لخيانة بعضهم، لكن ثمّة فئة خيّرة تستحق تقرير مصيرها لأنّ «الحريّة حق لكل الكائنات».

البروباغندا الأميركية حاضرة بشكل فاقع كما في معظم أفلام مايكل باي، مثل Armageddon (1998)، وPearl Harbor (2001). أميركا قائدة العالم ومنقذته، بما تتمتّع به من تطوّر و«لايف ستايل» (الحلم الأميركي)، وجنود شجعان يحمون الأمّة والعائلة ويؤمنون أنّ «الهزيمة ليست خياراً»، فينجزون أصعب المهمات في الدول التي تدرك فائدة القواعد الأميركية على أراضيها. الأعداء والمنافسون مرشّحون لتهديد الأرض مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية. لكن مهلاً، الصين اليوم ليست كأيّام الجزء الأول، فهي قوّة عظمى تدين لها أميركا بأكثر من تريليون دولار، وهناك شركات صينيّة مشاركة في إنتاج الجزء الرابع الذي صوِّرت أجزاء منه في بلد المليار ونصف المليار نسمة. هذا أمّن ظهوراً مشرّفاً لوزير الدفاع الصيني الشريك في حماية الكوكب والحريص على إنقاذ هونغ كونغ «مهما كلّف الأمر»، ووفّر دوراً للممثلة الصينية بينغبينغ لي، وحقّق أرباحاً خيالية في شبّاك التذاكر الصيني.

الـ «أوتوبوتس» لا يجابهون الحلفاء، لكن من قال إنّ الإيرانيين بشر وشركاء في الكوكب؟ ها هم يتكفّلون بنزع برنامج إيران النووي في الجزء الثالث. قائدهم «أوبتموس برايم» يلقّن حكماً وقيماً أخلاقية طوال الوقت. إنّه راوي الحكاية وبطلها الصريح. يبدو إلهاً إغريقياً فيه شيء من آكيليس (أخيل) المحارب الشجاع الذي يقلب الهزيمة إلى نصر، كما أنّه الصديق الذي لا يبخل بالمعرفة المتقدّمة على الإنسان، كما برومثيوس الذي منحه سرّ النار مثيراً سخط زيوس.

السيناريست إيرين كروغر، الذي تسلّم دفّة الكتابة منذ الجزء الثاني، لا يعير أهمية للحبكة الدرامية في سبيل الأكشن والتشويق. المتحوّلون كاركترات نمطيّة تتكلم وتفكر بالإنكليزيّة رغم أصلها الفضائي. وإذا كانت قد تعلّمت جميع لغات الأرض من الإنترنت كما يقول الجزء الأول، فكيف نطق «سنتنل برايم» مباشرةً في الجزء الثالث إثر استفاقته من غيبوبة دامت أكثر من أربعين عاماً؟ الشخصيات البشرية لا تبدو أفضل حالاً، فهي أحادية الجانب منتشلة من أيّ فيلم أميركي مشابه.

يزداد الحال سوءاً في الجزء الرابع الذي يُعدّ أضعف أجزاء السلسلة وأكثرها سذاجة وامتلاءً بالضجيج الفارغ. استنساخ طويل (165 دقيقة) لشريط بول و. س. أندرسون Alien vs. Predator، إذ يدفع البشر ثمن الحرب بين الجنسين. «كايد ييغر» وجه آخر لـ «هاري ستامبر» (بروس ويليس) في Armageddon، فهو ساخط على حبيب ابنته في البداية، لكنّه لا يمانع إنقاذ العالم معه.

تدمير العدو يتحقق من داخل سفينته الفضائية كما في «عيد الاستقلال» لرولان إيميريش، فهو «فيلم كارثة» في جانب منه. هنا، يقضي الأفراد العاديون وسط الدمار الهائل والمشاهد الأبوكالبتية من دون اكتراث، فلا قيمة سوى للأبطال في فيلم يدّعي الانتصار للإنسانيّة. حتى الـ «أوتوبوتس» الطيّبون يبرعون في تدمير ممتلكات الناس، ويعيثون فساداً أينما حلّوا.

هكذا، يتضافر كل شيء، حتى الأحداث التاريخية المعروفة مثل انقراض الديناصورات والهبوط على القمر وكارثة تشيرنوبيل، لتمرير أفكار وطرح أسئلة وجودية بتسطيح وخفة، في محاولة لإضفاء بعض العمق على السلسلة وتبرير اجترار تتمّات لها. الجزء الخامس أعلن عنه بالفعل من دون تسمية مخرجه، فيما يكثر الحديث عن جزء سادس منذ الآن.