ليس هناك من خيار أمام المقاومة سوى الثبات والصبر والصمود وإيلام العدو وشن عمليات نوعية تلحق بالعدو أكبر حجم ممكن من الخسائر, وإلا فالمقابل المطروح على الطاولة هو الإذلال والخضوع والاستسلام.
أكد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن ما يجري في غزة مذبحة كاملة الأوصاف بحق شعب أعزل. وقال: لقد مضى على العدوان أكثر من خمس وعشرين يوماً والعالم كله يتفرج على الجرائم التي يرتكبها الصهاينة بحق الأطفال والنساء والشيوخ دون أن يعمل أحد بشكل جدي على وقف هذه المذبحة.
ولفت الى ان حرب غزة فرزت بشكل واضح بين من هو فعلاً مع أهل غزة ومع القضية الفلسطينية ومن هو مع العدو الإسرائيلي. وأكد: وجود تواطؤ دولي وعربي على ضرب المقاومة وتحجيم دورها ليس في فلسطين فقط وإنما في كل المنطقة ,وذلك من خلال العدو الاسرائيلي ومن خلال العدو التكفيري الذي بات يتماهى مع الاسرائيلي في القتل والذبح واستهداف المقاومة .
واعتبرانه ليس هناك من خيار أمام المقاومة سوى الثبات والصبر والصمود وإيلام العدو وشن عمليات نوعية تلحق بالعدو أكبر حجم ممكن من الخسائر, وإلا فالمقابل المطروح على الطاولة هو الإذلال والخضوع والاستسلام.
نص الخطبة:
[يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وأنه اليه تحشرون] ـ الأنفال / 24. الدين ليس أمراً هامشياً أو ثانوياً في الحياة,بل هو أمر أساسي يرتبط بحياة الإنسان في الدنيا وفي الآخرة ,لأنه يجعل حياة الانسان متوازنة فلا تميل الى المادة وتنسى متطلبات الروح ولا تستغرق في الروحانيات وتنسى نصيبها من الدنيا, وانما تأخذ حاجاتها من الدنيا وتستفيد من الدنيا لضمان الآخرة.
والدين أيضاً هو نعمة الهية يمنحها الله لمن أحبه , ففي بعض الروايات أن الدين يعطيه الله لمن يحبه فيهديه اليه ويثبته عليه. فعن مالك بن أعين قال سمعت أبا جعفر يعني الامام الباقر(ع) يقول: يا مالك إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا يعطي دينه إلا من أحب. وفي حديث آخر عنه (ع): إن هذه الدنيا يعطيها الله البر والفاجر ولا يعطي الإيمان إلا صفوته).
وعن عمر بن حنطلة قال: قال لي أبو عبد الله (ع) يا أبا الصخر(وهذه كنيته) إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض (أي لكل الناس لمن يحب ولمن يبغض لأنها ليست كرامة) ولا يعطي هذا الأمر (يعني الهداية إلى خط أهل البيت (ع)) إلا صفوته من خلقه, أنتم والله على ديني ودين آبائي إبراهيم وإسماعيل لا أعني علي بن الحسين ولا محمد بن علي وإن كان هؤلاء على دين هؤلاء ,فمن أُعطي الإيمان عليه أن يشعر بالسعادة لأن الله يحبه ولأنه من صفوة أوليائه.
ولأجل ذلك فإن من الأمور التي يؤكد عليها الإسلام هي مسؤولية الإنسان عن دينه، بأن يعمل على أن يكون دينه سالماً من كل انحراف أو شبهة أو تشويه .. بحيث تكون عقيدته سالمة وفكره سالماً وقلبه سالماً ,وعمله وتصرفاته وخطواته في الحياة منسجمة مع أحكام الدين وتشريعات الدين.
الاهتمام بسلامة الدين ينبغي أن يرقى إلى الدرجة التي لا بد للإنسان أن يقدم ماله في سبيل دينه إذا توقف حفظ دينه وسلامة دينه على ماله ,وأن يقدم نفسه في سبيل دينه إذا توقف حفظ دينه على بذل نفسه، لأن الدين هو أساس في توازن حياة الإنسان فلا يميل فيه جانب عن جانب. فالإسلام يوازن بين الدنيا والآخرة وبين المادة والروح بحيث يعيش الإنسان دنياه ليأخذ حاجته منها ويتنعم فيها ,في نفس الوقت يقوم بالتزاماته ومسؤولياته وواجباته التي تضمن سلامته في الآخرة.
والاهتمام بالدين وبسلامة الدين هو وظيفة أساسية للإنسان في حياته كلها ,فعلى الإنسان أن يهتم بدينه في كل المجالات وفي مختلف الموارد والساحات,بحيث يكون دينه حاضراً عندما يفكر وعندما يريد أن ينشأ العلاقات وعندما يريد أن يتخذ المواقف, أن يكون الدين وأحكام الدين ورضا الله عز وجل نصب عينيه عندما يريد أن يتحدث ويتكلم ويقول ما يقول ويعمل ما يعمل ويؤيد من يؤيد ويرفض من يرفض,بل عليه أن لا يتقدم خطوة ولا يتأخر خطوة حتى يعلم أن في ذلك لله عز وجل رضا وطاعة.
وقد أكد أئمة أهل البيت (ع) على هذا الأمر. ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال: كان في وصية أمير المؤمنين (ع) لأصحابه: اعلموا أن القرآن هدى الليل والنهار ونور الليل المظلم على ما كان من جهد وفاقة).
يعني القرآن في كل المجالات هدى للناس، أحكامه وتشريعاته ومفاهيمه وقيمه هدى لكم في الليل والنهار، ونور لكم الليل في الظلمات, ظلمات الحياة.
(فإذا حضرت البلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم) فإذا تعرضتم لشر فاجعلوا أموالكم فداءً لأنفسكم.. (وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم) أي إذا تعرض الدين للخطر فاجعلوا أنفسكم دون دينكم لكي لا تضلوا ولا تنحرفوا.
(واعلموا أن الهالك من هلك دينه) فليس الهالك من فقد جسده بل من خسر دينه (والحريب من حرب دينه) الحريب من سُلب ماله فالسليب من سلب دينه وخسره (ألا وأنه لا فقر بعد الجنة) الناس يخافون الفقر فيتنازلون عن دينهم ليحصلوا على المال والملك والجاه والمناصب وهذه كلها فانية, تفنى بفناء الدنيا, بينما الجنة لا فقر فيها لأنها باقية ونعيمها دائم وخالد. (ألا وأنه لا غنى بعد النار لا يُفك أسيرها ولا يبرأ ضريرها) فلو كنت غنياً وملكت الملايين وأمر بك إلى النار فإن كل مالك لا يفيدك ولا يفك أسرك ولا ينقذك.
لذلك لا بد عندما يفكر الإنسان في وظيفة أو في شغل أو في تجارة أو في مصلحة أو في منصب أو حتى في الهجرة والسفر من أجل كسب المال ,عليه أن يفكر في دينه أولاً ,لأن دين الإنسان قد يضعف أمام رغبته في الحصول على المال وعلى الغنى, فيحاول أن يحصل على المال بأي وسيلة ولو كانت محرمة ,وقد يفقد الإنسان دينه ودين عياله وأولاده إذا لم يختر البلد المناسب الذي يحافظ فيه الانسان على هويته والتزامه الديني.
ففي الحديث عن الإمام الباقر (ع): سلامة الدين وصحة البدن خير من المال.
فعندما يخير الإنسان بين أن يحصل على صحة البدن أو المال، فإنه يختار صحة البدن،لأن المال لا لذة فيه اذا كان البدن مريضاً وعليلاً, وكذلك إذا دار الأمر بين سلامة الدين أو سلامة المال فإن سلامة الدين خير من سلامة المال, لأن الغنى الحقيقي هو أن يحافظ الإنسان على دينه.
كان هناك رجل يتردد على الإمام الصادق (ع) بين الحين والآخر فغاب مدة وافتقده الإمام، فسأل عنه بعض معارفه فقال: فلان ما فعل؟ وظن الرجل أن الإمام يسأل عن ثروة الرجل وأحواله المادية قال: فجعل يضجّع الكلام ,أي لا يصرح بالمقصود إشارة منه إلى أنه أصيب بالفقر والإفلاس وساءت أوضاعه المالية والمعيشية فقال الإمام (ع): كيف دينه؟ انا اسألك عن دينه لوليس عن أحواله المادية , فقال: كما تحب، فقال: هو والله الغني. أن يكون الانسان صاحب دين واستقامة فذلك هو الغنى الحقيقي لأنه لا قيمة لفقره وسوء أوضاعه المادية إذا كان دينه في خير, لأن سلامة الدين هي الغنى الحقيقي.
ومن هنا فإن الإنسان الحريص على دينه لا يمكن أن يتنازل عنه أو ينحرف عن خطه مهما كلف الأمر ومهما كان حجم الضغوط التي يتعرض لها.وهناك الكثير من النماذج التي تعرضت للتعذيب وأنواع الإبتلاءات بسبب إنتمائها الديني ولكنها ثبتت ولم تتخلى أو تنحرف عن الدين, بل البعض تعرض للقتل ولم يتنازل عن دينه ولم يتخلى عن عقيدته.
ورد عن الإمام الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى: [فوقاه الله سيئات ما مكروا] ـ غافر/ 45 قال(ع): أما لقد بسطوا عليه وقتلوه(لا يظنن احد انهم تآمروا على قتله فوقاه الله القتل,لا) ولكن أتدرون ما وقاه؟ وقاه أن يفتنوه في دينه.أي كانوا يريدون إبعاده عن دينه ولكن الله أعطاه صلابة الموقف وقوة الإرادة والاستقامة على الخط حتى لقي الله وهو على سلامة من دينه ولم ينحرف أو يضل.
وعاقبة الذين استجابوا لله وللرسول فحافظوا على دينهم وثبتوا والتزموا أوامر الله وابتعدوا عن المحرمات والشبهات,عاقبتهم الحسنى والنعيم والسعادة في الدنيا والآخرة. أما عاقبة الذين لم يستجيبوا فهي سوء الحساب والعذاب .
يقول تعالى: [للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به
أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد] ـ القصص/ 50.
ويقول تعالى: [فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتّبعون أهواءهم ومن أضلُّ ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين].فمن لم يستجب لله وللرسول هو في شريحة الظالمين ,وأي ظلم أعظم من ان يظلم الانسان نفسه او ان يظلم الاخرين ويعتدي عليهم وعلى ارواحهم وأموالهم وومتلكاتهم. أي ظلم اليوم أبشع من الظلم الذي يمارسه العدو الإسرائيلي في غزة وفلسطين والعدو التكفيري في سوريا والعراق وغيرهما من بلدان المنطقة.
ما يجري في غزة مذبحة كاملة الأوصاف بحق شعب أعزل. لقد مضى على العدوان أكثر من 25 يوماً والعالم كله يتفرج على الجرائم التي يرتكبها الصهاينة بحق الأطفال والنساء والشيوخ دون أن يعمل أحد بشكل جدي على وقف هذه الجرائم.
حرب غزة فرزت بشكل واضح بين من هو فعلاً مع أهل غزة ومع القضية الفلسطينية ومن هو مع العدو الإسرائيلي.
هذا الفرز لم يشمل المستوى السياسي فقط والأنظمة فقط وإنما شمل أيضاً الكثير من وسائل الإعلام والأعلاميين والمثقفين الذين حملوا المقاومة مسؤولية المذبحة التي يرتكبها العدو بحق أهل غزة وكأن العدو بريء من كل ما يجري.
أكثر من ذلك البعض يؤنب المقاومة على رفضها المبادرة المصرية ويحملها مسؤولية هذا الرفض الذي أدى إلى تمادي الإسرائيلي في عدوانه، مع العلم أن الإسرائيلي هو من استقوى بالمبادرة المصرية لتغطية العدوان وللتمادي فيه.
والملفت ما قاله الصحافي الأمريكي دايفد هيرست: العدوان الإسرائيلي على غزة جاء بضوء أخضر كامل من إحدى الدول الخليجية. والموقف الدولي لا يختلف عن الموقف العربي.. وهذا يؤكد وجود تواطؤ دولي وعربي على ضرب المقاومة وتحجيم دورها ليس في فلسطين فقط وإنما في كل المنطقة ,وذلك من خلال العدو الاسرائيلي ومن خلال العدو التكفيري الذي بات يتماهى مع الاسرائيلي في القتل والذبح واستهداف المقاومة .
ولذلك ليس من خيار أمام المقاومة سوى الثبات والصبر والصمود وإيلام العدو وشن عمليات نوعية تلحق بالعدو أكبر حجم ممكن من الخسائر, وإلا فالمقابل المطروح على الطاولة هو الإذلال والخضوع والاستسلام,ولذلك مهما بلغ حجم التضحيات فإنها تبقى أقل من حجم الانتصار الذي ستحققه المقاومة في غزة كما حققته المقاومة الاسلامية في لبنان على العدو الصهيوني في مثل هذه الأيام من العام 2006 .