ويعزو «عدم القدرة على التفرقة بين الفلسطينيين كشعب و«حماس» كفصيل إلى الطوفان الإعلامي الجارف الذي دان حركة المقاومة». يتزامن ذلك مع تفشي كراهية شعبية حقيقية لجماعة الإخوان نتيجة ممارساتها حين كانت في الحكم.
«ليسوا على قلب واحد» تلك هي حال مثقفي ومبدعي مصر تجاه المقاومة الفلسطينية للعدوان الصهيوني الحالي. يمكن القول بكل ثقة إنّ هناك غلبة للتيار الذي يرفض الحلّ المسلح، أو يفضل الحلّ التفاوضي على أقل تقدير، محمّلاً الفصائل الفلسطينية جزءاً من مسؤولية إراقة الدم.
كتابات وتصريحات كثيرة تربّصت بالمقاومة وتحديداً «حماس»، مقابل وقفة تضامنية خجولة مع غزة شهدتها القاهرة ولم يشارك فيها المثقفون باستثناء الروائيين وحيد الطويلة وطارق إمام والشاعر زين العابدين فؤاد.
مع ذلك، يمكن رصد عدد من أصحاب الخطابات المناهضة للتطبيع، منهم رئيس تحرير جريدة «صوت الأمة» عبد الحليم قنديل الذي أعلن تأييده لأي مقاومة فلسطينية ضد الاحتلال.
الباحث رفعت سيد أحمد، مدير ومؤسس «مركز يافا للدراسات والأبحاث» في القاهرة يصف الفعل الشعبي والنخبوي إزاء العدوان بـ«الهزيل»، والمصاب بالاضطراب وعدم المبدئية حيال الصراع العربي ـ الصهيوني. يدعو هنا إلى «التفرقة بينه وبين الصراع السياسي بين الإخوان والنظام الجديد في مصر. لكن ظلال الأخير انسحبت على الموقف من قطاع غزة، وبدلاً من أن تكون النخبة أكثر وعياً وعقلانية، انجرفت وراء الخطابات الإعلامية، ما يشير بقوة إلى أن أزمتنا الراهنة أزمة نخبة محض».
وعن موقف بعض اليساريين المصريين الذين دانوا المقاومة وحملوها مسؤولية الدم، أجاب مؤلف كتاب «من التطبيع إلى المقاومة»: «هؤلاء يساريون مزيّفون، ربما تجد بينهم قيادات كرفعت السعيد لكنهم ليسوا وطنيين». ودعا إلى حملات توعية «وإعادة صياغة أبجدية الصراع لنعرف من العدو ومن المقاوم».
على النقيض تماماً تأتي مواقف الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي تجاه المقاومة، حتى وصفها بعضهم بـ«الصادمة»، نظراً إلى أنّ صاحب ديوان «مدينة بلا قلب» كان أحد أبرز معارضي «معاهدة كامب ديفيد» عام 1978، بينما يعتبرها آخرون متسقة مع التحولات الفكرية والسياسية الأخيرة التي مرّ بها عضو «المجلس الأعلى للثقافة». حجازي الذي رثى جمال عبد الناصر في «مرثية للعمر الجميل» صرّح لـ «الأخبار»: «إن ناصر وانقلاب 52 الذي أسميناه ثورة كبّدنا ثمن الوقوف في صف القضية الفلسطينية، وأصابنا في مقتل بالديون وهزيمة 1967، ودفعنا الكثير وسندفع أكثر في المستقبل، لكن نحن من يقرر متى وكيف، وليس «حماس»».
اشترط عبد المعطي حجازي «التخلص من حماس لعودة التضامن»
واتهم حجازي المقاومة بمنح اسرائيل ذريعة لشن عدوانها، زاعماً أنّ الهدف من ذلك هو «توريط المصريين!». ووصف قتل جنود إسرائيل الثلاثة في حزيران (يونيو) الماضي بـ «الحادث الوحشي» و«العملية الإرهابية» التي أقدمت عليها «حماس» لتجرّ عدواناً على شعبها، و«للمصريين الحق في أن يشعروا هذه المنظمة الإرهابية (يقصد «حماس») بأنها ارتكبت جريمة بحقّ فلسطين»! وعن تراجع الحس القومي في الشارع المصري، قال صاحب ديوان «كائنات مملكة الليل»: «لا يقلقني موقف الشارع، فهي ردود فعل وقتية والعلاقة بين المصريين والفلسطينيين تاريخية، ولن نتخلى عن القضية» على حد زعمه، قبل أن يستدرك «التخلص من حكم «حماس» هو شرط لعودة تضامن الشارع المصري والنخبة الثقافية، كما يجب على الشارع التونسي والسوداني إسقاط جماعة الإخوان لأنّها وباء جرته علينا إسرائيل».
على الضفة الأخرى، يقف السيناريست بشير الديك، معتبراً أن غياب الاحتجاج الشعبي والثقافي ضد العدوان الصهيوني يدلّ على «أنّنا مرحلة استثنائية تعكس مدى الارتباك الذي يصيبنا». ويعزو «عدم القدرة على التفرقة بين الفلسطينيين كشعب و«حماس» كفصيل إلى الطوفان الإعلامي الجارف الذي دان حركة المقاومة». يتزامن ذلك مع تفشي كراهية شعبية حقيقية لجماعة الإخوان نتيجة ممارساتها حين كانت في الحكم.
واستدرك بأنّ حالة الشلل التي يعيشها الشارع العربي لا تتساوى مع خطابات بعض «المتآمرين» الذين أشادوا بالجيش الصهيوني، فمن المستحيل أن تحل إسرائيل محل فلسطين في وعي المصريين الجمعي.
واستنكر الديك الموقف الرسمي للنظام المصري من العدوان، واصفاً إياه بـ «البارد» و«المحايد»، وتابع: «يبدو أن النظام مهما أظهر مساندته للشعب بفتح معبر رفح أو إرسال مساعدات، فذلك لا يتم بقلب، وهو الموقف ذاته الذي تتخذه السعودية والأردن». وعن كيفية معالجة الشرخ الشعبي، حمّل صاحب فيلم «ضد الحكومة» الفلسطينيين مسؤولية المبادرة «من خلال فك العلاقة بين الشعب و«عدونا اللي جرحنا أوي» وهم الإخوان، وإلا سيظل الالتباس، وعلى الفلسطينيين الوقوف ضد حماس ومن وراءها قطر وتركيا، بعد أن يتوقف العدوان الذي يدفع ثمنه الفقراء».
الشاعر عبد الرحمن الأبنودي المعروف بتأييده للجنرال عبد الفتاح السيسي، ردّ على سؤال «الأخبار» قائلاً: «دلوقتي تسألني تفضل تقرأ كتاب إيه، لكن نأجل موضوع غزة للمساء»، ليتعذر بعدها التواصل معه. الأمر تكرر مع الروائي صنع الله إبراهيم الذي طلب تأجيل الحديث. أما وزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازي الذي كان أحد أعضاء لجنة الدفاع عن الثقافة القومية التي تأسّست لمناهضة التطبيع عقب توقيع «معاهدة كامب ديفيد»، فأوضح أنه لم يعد في أي منصب حزبي ليدلي بتصريحات، مطالباً بتأجيل الحديث بعد توضيحنا أننا نسأله بصفته مثقفاً. وبالعودة إلى شبكات التواصل أو المنابر الإعلامية الأخرى، لم نجد أي تصريحات أو كتابات لهؤلاء الكتاب عن عدوان غزة !..