هذا ما فعلته القناة السعودية عندما خرجت علينا بـ «الناشطة» ريم من دون أن نتأكد من هوية المرأة مع تغييب اسم عائلتها وصورتها. وأخذت ريم تدلي بشهادتها من دون أن نعرف صدقية ما تقوله وتدعيه.
316 كلم2 هي مساحة عرسال تقريباً. لكن منذ بدء المعارك في البلدة البقاعية، يحاول الإعلام الخليجي أن يسقط عليها السيناريو الإعلامي المضلّل الذي اعتمده طيلة ثلاثة أعوام في الأرض السورية.
الأزمة السورية التي خفت نجمها اليوم مع تصاعد الأحداث في العراق ولبنان، لم تنته ميدانياً بالطبع، لكنها خلّفت العديد من الدروس الإعلامية والفبركات التي صنعتها الفضائيات، خصوصاً الخليجية.
مع معركة عرسال، بدأت تتظهّر النية في إعادة المشهدية السورية بدءاً من تجهيل الفاعل وعدم تسميته والتواري خلف مصطلحات «مسلحون» أو «مجموعات مسلحة» فيما هو في الواقع الجماعات التكفيرية الزاحفة من أرض الشام تجاه الأراضي اللبنانية التي توقع الشهداء في صفوف الجيش والمدنيين العزل.
طبعاً هذه الرواية لا نسمعها في هذا الإعلام، بل يتم الدفاع عن هؤلاء الإرهابيين وتشويه الوقائع كما عنونت صحيفة «القدس العربي» القطرية يوم الأحد الماضي على لسان مراسلها اللبناني سعد الياس: «النصرة تواجه الجيش اللبناني في عرسال وتوقع عشرات القتلى والجرحى».
تحريض على الجيش اللبناني... واستدعاء لعبة «الشهود العيان»
تشويه الحقائق لا يقف هنا. منذ بداية المعركة، حاولت قناة «العربية» دوماً إشاحة النظر عن أطراف المعركة والتركيز على «الجوكر» الدائم «حزب الله» من خلال اتهامه باستجلاب النار السورية من خلال تدخله هناك، أو مساندته للجيش اللبناني في معركته ونصب منصات صواريخ في بلدة اللبوة المجاورة لعرسال، وقصف الجوامع العرسالية التي تحوي نازحين سوريين. إضافة إلى هذا السيناريو، صوّرت القنوات الخليجية عرسال كبلدة محاصرة وطفت مجدداً المصطلحات المذهبية للتحريض والفرقة. والأهم أنّ هذه القنوات أبلست الجيش اللبناني ومعه الحزب «المساند له» على حد تعبيرها.
وراحت تتراشق شاشاتها أكان من خلال الضيوف أم المذيعين/ات أنفسهم /هن مقولات بأنّ «حزب الله يرتكب المجازر بحق العراسلة واللاجئين السوريين» من دون تقديم أي دليل. وساهم في ذلك عجز الصحافيين عن دخول عرسال بسبب غزوها من قبل الإرهابيين، فظلّ المراسلون على تخومها يدلون برسائلهم على الهواء.
إذاً صورة للحدث مغيّبة وبالتالي أرض خصبة للفبركة. وأول من أمس، أعادت «العربية - الحدث» إخراج لعبتها المحببة الا وهي «شهود عيان». وإن لم يوجد، حضرت الصفة الملازمة للأحداث الدامية أي «ناشط/ ناشطة في حقوق الإنسان». هذا ما فعلته القناة السعودية عندما خرجت علينا بـ «الناشطة» ريم من دون أن نتأكد من هوية المرأة مع تغييب اسم عائلتها وصورتها. وأخذت ريم تدلي بشهادتها من دون أن نعرف صدقية ما تقوله وتدعيه.
وقبلها، أطل علينا النائب معين المرعبي المعروف بتحريضه على الجيش ليدعي بأنّ «حزب الله» هو من أطلق النار على موكب وفد «هيئة العلماء المسلمين» قبل يومين وناشد الجميع بضرورة «التدخل بما يحصل من مجازر داخل البلدة البقاعية».
إضافة إلى ريم، عاد الناشط السوري هادي العبد الله الذي اشتهر في معركة القصير، وعرُف كضيف دائم على الشاشات الخليجية، يلخّص أحداث المعركة وحصيلة ضحاياها من وراء حاسوبه. هذه المرة، أطلّ من بوابة عرسال ليحرّض على الجيش اللبناني عبر حساباته الافتراضية، ويدعي إحراق الحزب والجيش معاً خيم اللاجئين السوريين وبارتكاب مجازر «مرّوعة» مع تعداد أرقام الضحايا واستثارة وجدانية تمثلت كالعادة في إقحامه لمصطلحات «الأطفال والنساء».
«القدس العربي» التي اتحفتنا بوقوفها الى جانب الدواعش، دعّمت ذلك أول من أمس باستعادة لغة مذهبية مقيتة. ادعت في صفحتها الأولى وجود فيديو لعناصر من «حزب الله الشيعي تقصف بلدة عرسال السنية مع ترداد لشعارات طائفية»، ولم يتحقق من صحة محتوى هذا الشريط.