إنها معركة المسار والمصير الواحدة ، لكل أطراف الممانعة ، وبدون استثناء
حسن شقير
إنها معركة المسار والمصير الواحدة ، لكل أطراف الممانعة ، وبدون استثناء ، مقابل كل ذك التحالف الإستكباري ، الصهيوني ، التكفيري والإنهزامي على حد سواء ....
منذ اللحظات الأولى لتمدد الدواعش في العراق ، كانت الصورة قد انجلت تماماً ، إنها الطلقة القاتلة التي أطلقها كل أولئك المتحالفين ، على المحور الممانع ، الذي استطاع ، وبفعل صموده الأسطوري في سوريا ، من إفشال الإسنزاف ، وتيئيسه ، لا بل وتحويله إلى فرصة عظيمة ، في اكتساب الخبرات وغيرها ... استعداداً لصرفها في المعركة - الفيصل ، ضد الكيان الصهيوني ، رأس الحربة في ذاك التحالف ، والذي لأجل أمنه المنشود ، خيضت وتخاض كل هذه المعارك في أوطاننا النازفة ...
لن نكرر ما كتبنا حوله في مقالة " إيران والكارت الأحمر العراقي " ، وسردنا للأسباب الموجبة ، التي تفرض على إيران - ولو منفردة - في سرعة التحرّك لخنق المشروع الأضخم لدول التحالف أعلاها ...
لعله من قبيل المصادفة المقصودة أو غير المقصودة - الأمر سيّان - أن يحدث اليوم أمران جللان ، لهما دلالات استراتيجية هامة .
الأول يتمثل بإعلان التوصل إلى هدنة لمدة ثلاث أيام قابلة للتمديد في قطاع غزة ، فيما بين الكيان الصهيوني ، وفصائل المقاومة الفلسطينية ، وذلك في إعلان صهيوني ضمني وصريح في أنٍ واحد ، بالرضوخ للمطالب الفلسطينية المعلنة ، ومنذ بداية العدوان على غزة ، والتي تمثلت بالنقاط الأربعة للورقة الفلسطينية الموحدة ، والتي تبنتها بالكامل الحكومة المصرية ، في تبدل واضح للموقف المصري الأولي ، وذلك بفعل الصمود البطولي للمقاومة في الميدان ..
لقد ذكرنا في مقالة سابقة ، أن الشعار الذي رفعته قوى المقاومة ، كان شعار " استمرار المعركة ، عنوانٌ للتغيير " ، مقابل الشعار الذي طرحه الكيان الصهيوني ، وذلك بعد مرور أسبوع واحد على عدوان الجرف الصامد ، حيث كان " ما حدث قد حدث ، ولنعد إلى ما كنا عليه في العام ٢٠١٢ " .
اليوم ، لقد تم الإعلان رسميا ً ، عن وضع شعار الفصائل المقاومة ، موضع التنفيذ في الهدنة الحالية ، يقابله السقوط المذل للشعارالصهيوني أعلاه ، مما جعل الماء يتجمع تلقائياً في أفواه أولئك الذين سيخرجون علينا غداً ، بأن الكيان الصهيوني ، قد حقق أهدافه في الإنهاك والإشغال لقوى المقاومة ، ولفترة ، ليست بوجيزة من الزمن ... إلا ّ أن التغيير القادم سيُسكت كل أولئك ، لا بل أن هذا الأخير قد أخرسهم تماماً ...
اليوم ، ما هو المطلوب لإستكمال النصر الفلسطيني السياسي في مفاوضات القاهرة الأتية ؟ إنه التنبه لطبيعة قواعد الإشتباك التي ستطبق في القطاع مع الكيان الصهيوني ، وعدم سقوط الفصائل المقاومة في فخ التعرية ، التي أشرنا إليها في مقالة سابقة ، وعدم وقوع السلطة الوطنية الفلسطينية ، ومن خلفها مصر الضامنة في فخ التصادم مع المقاومة ... لا بل أن على هؤلاء تثبيت الثلاثية الذهبية التي كرستها مشروع اتفاقية التهدئة العتيدة ...
الحدث الثاني ، يتمثل بإعلان مسعود البرزاني ، زعيم إقليم كردستان العراق ، بأن معركة تحرير العراق ، ستكون على عاتق البيشمركة ، ودون مساعدة من أحد ، وأن الهجوم قد بدأ فعلا ً من قضاء سنجار ، وصولا ً إلى مدينة الموصل ، والتي تتوالى الأنباء منها ، على انهزام داعش من على أكثر من محور فيها ، أمام زحف البيشمركة الكردية ...
لقد تزامن إعلان البرزاني هذا ، مع أمرٍ صادرٍ - من يفترض أنه على خصومة سياسية معه - عن الرئيس المالكي ، إلى القوات المسلحة ، وسلاح الطيران تحديدا ً ، بمساندة البيشمركة في معركتها هذه ... ! وهذا بلا شك تطورٌ سياسي هام في سبيل حلحلة العقدة المتبقية في تسمية رئيس الوزراء العراقي العتيد ..
بالعودة إلى هذا الموقف المفاجىء للبرزاني في انتقال قواته من الدفاع إلى الهجوم على داعش ، وإعلانه شبه النفير العام ، فلابد إن نتذكر يوم ال١٦ من شهر حزيران الماضي ، وذلك بعد فترة وجيزة من تمدد الدواعش في العراق ، تلك الزيارة التي أحيطت بالكتمان لرئيس وزراء إقليم كردستان نشروان برزاني إلى إيران ، واجتماعه غير المعلن مع رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني ( لاحظوا مع من ) ، وقد تسرّب عن ذاك الإجتماع أن الجانبان اعتبرا أخطر داعش يتهددهما على حد سواء .. وأنهما سيتعاونان في القضاء على تلك الظاهرة ... والتي تُشكل بالمناسبة خطراً متعدد الجوانب على الإقليم الكردي .. وحلم الأكراد الأزلي في قيام دولتهم الجامعة ...
لقد حُكي الكثير الكثير في وسائل الإعلام ، حول " التواطؤ " الكردي مع داعش خلال الفترة الماضية ، وأن الأكراد ، قد حانت فرصتهم التاريخية في إعلان الدولة الكردية ، وبمباركة أمريكية وغربية ، وبتشجيع صهيوني ، لا بل أن ذلك أيضاً ، قد حاز على الرضا التركي ..
على الرغم من الكثير من المؤشرات التي عززت كل ذلك ، إلا ّ أننا ومنذ البداية ، كنّا حذرين جداً بتبني ذلك ، والسبب أن مصالح الدول الإستراتيجية ، وأمنها القومي ، لا بد لها بالنهاية أن تتغلّب على مصالحها التكتية والأنية ، فلا العراق بداية سيسمح للكرد بإقامة الدولة ، وقضمهم لمناطق الخيرات فيه ، ولا إيران أو تركيا ، هما بوارد التسليم بقيام الدولة الكردية ، وبالتالي التسليم بتفتيت العراق ، وقد فندنا ذلك في أكثر من مقالة ، والأسباب أصبحت معلومة من الجميع ...
إذاً ، وبناءً لما اعتقدنا أنه حاصل لا محالة ، من توافق سياسي عراقي داخلي ضد مشروع داعش ، وبناءً للتسليم بعدم الإصرار على أي غبنٍ سياسي لأي مكون ٍ سياسي عراقي ، والذي تجلى لغاية اليوم في إنجاز ثلثي العملية السياسية في العراق ، وبناءً للمصالح الإقتصادية والاستراتيجية للخط البياني لكل من إيران والأكراد وتركيا في مجالي النفط والغاز تحديداً ..
بناءً على ما تقدم ، فإن إعلان مسعود البرزاني ، ونوري المالكي ، في تكاملهما الميداني لمهاجمة الدواعش وطردهم من العراق ، من قضاء سنجار في نينوى ، إلى الموصل في صلاح الدين ، معطوفاً على الدعم والتشجيع الإيراني الحتمي ، وعدم الممانعة التركية ... فإننا يمكننا القول ، أن الهجوم الكردي الحالي على الدواعش ، يمكننا اعتباره مؤشراً قوياً على بداية التخلّص من ظاهرة الدواعش في الجغرافيا العراقية ، والتي لا بد سيلاقيها فعل مماثل في الجغرافيا السورية ( خطاب القسم للرئيس الأسد ، وإشاراته إلى الرقة ، ودير الزور ) ، وصولا ً إلى الحسم المحتوم في الجغرافيا اللبنانية ...
لا يتسع المقام هنا ، لسبر أغوار خفايا نصر غزة الأتي ، ومدى الرسائل المرسلة من إيران من خلال حرب غزة الأخيرة ، إلى قلب تحالف العدوان على المنطقة ( الكيان الصهيوني) ، ومدى استشعار هذا الأخير للخطر القادم على أمنه المهتز أساساً ، والذي ربما كاد يتخطى حافة الهاوية ، إلى الهاوية بحد ذاتها... فلقد أضحت المعادلة اليوم - وكما كنا ننادي بها منذ ثلاث سنوات- : أمنٌ يقابله أمن .. والكلُ يبقى على سلاحه واستعداده وتجهيزه " ، والحد الأدنى المقبول ستاتيكو ما قبل آذار ٢٠١١.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه