26-11-2024 10:28 AM بتوقيت القدس المحتلة

لا شكراً... لكم

لا شكراً... لكم

ليس صحيحاً أن المساعدة السعودية غير مناسبة، أو في غير أوانها. لكن ليس هذا هو المطلوب من السعودية الآن. فالمسؤولية تتجاوز رفع الصوت ودفع أموال ثمن ذخائر

ابراهيم الأمين

ليس صحيحاً أن المساعدة السعودية غير مناسبة، أو في غير أوانها. لكن ليس هذا هو المطلوب من السعودية الآن. فالمسؤولية تتجاوز رفع الصوت ودفع أموال ثمن ذخائر يمكن توفيرها من دول أخرى من دون مقابل مادي أو سياسي. على مملكة القهر الإقرار بأن الإرهاب الذي يواجهه لبنان هذه الأيام، هو الإرهاب نفسه الذي موّلته الاستخبارات السعودية ومعها الاستخبارات التركية والقطرية، والذي يدمر سوريا والعراق بصورة يومية.

وبالتالي، على هذه القوى الشريكة في رعاية الإرهاب، ليس التبرؤ منه عبر بيان أو خطاب فحسب، بل عبر آلية عمل يعرفها الجميع.

وتقضي، بداية، بإعلان مراجعة شاملة، حتى ولو كان ثمنها الإقرار بخسارة هنا أو هناك. لأن التعنت والاختباء وراء مواقف وشعارات عامة، لن يفيد في شيء. وستكون أي مساعدة مجرد كفّارة عن الجرائم الكبرى المرتكبة في مشرقنا العربي.

وحتى لا يمنّنا أحد بهذه المكرمة المفخخة، فإن مليار دولار، أو ثلاثة أو أكثر، لن تعني شيئاً. كلنا يعرف أن فرنسا الاستعمارية وقيادتها المتسوّلة وشركاتها الناهبة ستسرق نصف الأموال، وسيكون لشركائها السعوديين عمولتهم، ولا نعرف من سيقبض عمولة في لبنان أيضاً، وما بقي، لن يترجم إلا بعض الذخائر والأسلحة التي سيختلف اللبنانيون حول وجهتها.

لو أنفق المجرمون على عرسال وعكار بعض ما أنفق على المتطرفين، لما كان إرهاب ولا إرهابيون علماً أن أحداً لن يصدق خلفية هذه المكرمة غير ما يردده صغارهم عندنا: علينا منع قيادة الجيش من طلب عون سوريا وحزب الله في حربه ضد الإرهاب!

وبعدما تعرّفنا إلى ميشال سليمان ناطقاً باسم السعودية وملكها قبل فترة، ها هو سعد الحريري، وربما هو صاحب حق أوضح بهذه المهمة، يخرج علينا لإذاعة بيانات الحكومة السعودية. لم يقل الحريري كلمة واحدة مفيدة في أصل الموضوع. حار ودار ليعود إلى تحميل حزب الله المسؤولية. وما دام هو مصراً على هذه النغمة، فلن نتوقع منه خيراً للجيش ولا للبنان، ولا حتى للناس الطيبين الذين صدّقوا وعوده، وها هو يتركهم لمصيرهم. مرة جديدة، يفتقر الحريري إلى الجرأة المطلوبة في هذه اللحظة الصعبة، ويفتقر إلى الاستقلالية التي تجعله مسؤولاً لبنانياً قبل أي وظيفة أخرى. وشأنه شأن بقية قوى 14 آذار الذين بلعوا ألسنتهم وقرروا أن دعم الجيش هو دعم لوصول قائده إلى رئاسة الجمهورية. لكنهم، في الحقيقة، يلبّون شروط الانضمام إلى الحلف الجهنمي الذي ولدت «داعش» من رحمه الفكري والاجتماعي والمادي.

ولأن المعركة واضحة وحاسمة، ولأن واجب حماية أبناء عرسال، وكل أبناء المناطق التي أمسك هؤلاء المجانين والمقامرين برقابها، هو واجب أخلاقي قبل أي شيء، فإن الكلام مع مملكة القهر وصبيانها، يجب أن يكون واضحاً، ولا فصل بين ما تقوم به في سوريا أو اليمن أو العراق أو ليبيا أو مصر، وبين ما قامت به خلال الشهر المنصرم في غزة.

ها هو القطاع الجبار لم يستفق بعد من شهر الموت الفظيع الذي أرادته إسرائيل، بدعم واضح من مملكة القهر السعودية. وها هي المقاومة، سواء كان اسمها حماس أو فتح أو الجهاد، سترتفع راياتها إلى أعلى من قامات الملك ورجالاته.

وإذا لم يبادر القابضون على ثروات العرب إلى التكفير عن ذنبهم بتولي إعادة إعمار غزة بأفضل مما كانت عليه، وبفك الحصار عن المقاومة، ووقف الضغوط عليها، فكيف نصدق أنهم يحاسبون أنفسهم؟

في سوريا، ضاعت مطالب الشعب الفقير والمتعب، وضاعت طموحات المشرق العربي بتقدم نحو دول مدنية قادرة على تطوير قدراتها ومزايا شعوبها. وكانت ممالك القهر المسؤول الأول عن هذه المغامرة المجنونة، وهي المغامرة التي يراد للبنان أن يدفع ثمناً إضافياً فيها، فلا تبقى فيه قوة قادرة على ردع «المجانين باسم الله»، ولا يكون ملجأ للهاربين من جحيم التكفيريين، وخصوصاً المسيحيين منهم، ولا يكون أكثر استقراراً من دولهم التي توهم نفسها بأنها بعيدة عن نار الجحيم إياه.

إنّ من لا يريد الإقرار بهذه الحقيقة، يكابر ويتلهّى بفولكلور شعبي ملّ الناس منه. ومن عليه إصلاح الأمر، يعرف أن الموقف الحاسم هو الأساس، وبعده تأتي الخطوات الأخرى. ترى، هل يفكر سعد الحريري أو فؤاد السنيورة، أو أي مسؤول في هذا الفريق، ومن خلفهم ممالك القهر، في أن عرسال تحتاج إلى مئات ملايين الدولارات حتى تبني لنفسها مكانة تعفيها تعب العقود والدهور؟ وهل يفكر هؤلاء في أن عكار وطرابلس تحتاجان إلى مليار دولار أو أكثر لإطلاق تنمية تمنع العوز الذي يقود الشباب إلى عالم الجاهلية؟ وهل يعرف هؤلاء، أن بشري والكورة والبترون وجبل لبنان تحتاج إلى الأموال التي انفقت على قوى 14 آذار، فلم يرَ ناسهم منها شيئاً؟ وهل يعرف هؤلاء أن إقليم الخروب وإقليم العرقوب وصيدا وساحلها، في حاجة إلى دعم أقل بكثير مما أُنفق على الجمعيات الدينية المتخلفة، علهم لا يخسرون مستشفى أو مدرسة أو جامعة أو سوق خضار أو مدينة صناعية؟

لا، شكراً أيها المتآمرون على الناس من فقراء أهل السنّة قبل غيرهم. شكراً على كل دعم سمّه أكثر من دسمه. راجعوا مواقفكم، وتراجعوا عن مشاريعكم المدمرة، واتركوا الناس يعيدون ترميم بلادهم بشراً وحجراً!

http://al-akhbar.com/node/213060

                      

                              موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه