واليوم انتقل التسوق عبر الإنترنت من حال انعدام الوجود إلى قيمة عالمية تساوي مئات ملايين الدولارات، حتى أصبحنا في "العصر الذهبي" للـE-commerce.
أصبح التسوق عبر الإنترنت رائجاً ومستقطِباً للناس يوماً بعد يوم، جرّاء سهولة الوصول إلى شبكة الإنترنت والعروضات المغرية القائمة على انخفاض الأسعار. لبنان دخل "موجة" الـe-shopping فتعددت المواقع الإلكترونية المحلية حيث يتسوّق اللبنانيون من منزلهم مختارين حاجياتِهم في عربة تسوّق مبرمجة.
من المتاجر إلى الإنترنت
بدأت هذه التجارة الإلكترونية الرابطة بين المنزل والمتجر في أيار 1984 في غايتشيد (شرق إنكلترا)، بعدما ربط المخترع الإنكليزي مايكل ألدريتش – الذي توفّي في أيار الماضي - التلفزيون في منزل جاين سنووبول عبر الفيديوتيكس (Videotex) بثلاثة متاجر، بحيث تُنقَل الصور التلفزيونية من شاشتها إلى تلفزيون المتاجر، من خلال تسوقٍ إلكترونيٍّ بسيط تقوم به عبر جهاز التحكم من بعد.
واليوم انتقل التسوق عبر الإنترنت من حال انعدام الوجود إلى قيمة عالمية تساوي مئات ملايين الدولارات، حتى أصبحنا في "العصر الذهبي" للـE-commerce. يعود ذلك لانفتاح الخيارات أمام الزبون، فسابقاً لم يتمكن التجار مالكو المحال من عرض إلا كمية محددة من السلع لديهم، ويحتفظون بقسمٍ منها كمخزونات، فيما لا يعانون على الإنترنت من هكذا قيود، بل كلّ ما عليهم القيام به هو إظهار صورٍ عن السلع ووصفها، محيطين المستهلك بما يريد أن يعرفه.
عامل الوقت يزول أيضاً، فلم يعد أحدٌ يسأل عن ساعات العمل ليذهب ويبتاع ما يريده من المتجر كذا، بما أن السلع معروضة على مواقع التسوق عبر الإنترنت ويمكن طلب شرائها من داخل المنزل، وما يزيد من راحة الزبون أنه لا يَقلق من أي زحمة سير أو من همّ إيجاد موقف للسيارة، خصوصاً في بلدٍ كلبنان.
وقد يُختصَر نجاح تجربة التسوق عبر الإنترنت بتواصل المحال تلقائياً مع الجيل المقبل من المتسوّقين أي الأصغر عمراً، عدا عن الزبائن "الأصليين"، فبذلك قد أمّنت استمراريةً لاستهلاك سلعها والطلب عليها. كذلك استفادت الماركات العالمية من الأمر ووسّعت عروضها للجمهور العالمي، فعلى الرَّغم من النفقات الجديدة لم تتردد لتطوير مواقعها الإلكترونية وتشديدها الحماية المالية للزبون. وما يدلّ على نمو هذا القطاع عالمياً هو قيمة البورصة الأوروبية المتعلقة بالتسوق الإلكتروني، إذ بعد أن كانت قيمتها أكثر من 112 مليار دولار عام 2006، ارتفعت إلى الـ340 مليار عام 2011، بحسب ما ذكر موقع Atechnologysociety البريطاني.
تحديات مواقع التسوق الإلكتروني
مع عرض السلع بمميزاتها العديدة على شبكة الإنترنت وتوفُّر "غوغل شوبينغ" كموقعٍ يمكّن الشخص من التفتيش عما يطلبه في مواقع التسوق الإلكتروني والمقارنة بين الأسعار المطروحة، يواجه الـe-shopping تحدّي المعرفة الشاملة عند المستهلكين لماهيات السلع، فأصبح الزبون يعلم عن السلعة تماماً كالتاجر، ولم يعد يستعين به أو حتى يحتاج إليه.
ويضيفُ تقييم الزبون من شدة التحدي، فبعد تسلّمهم الثياب أو الإلكترونيات أو المأكولات التي تسوّقوها عبر الإنترنت، يكتب العديد من المستهلِكين تقييماتٍ للخدمة على شبكة الإنترنت، الأمر الذي يزيد من الضغط على مواقع التسوق الإلكتروني لتقديم أفضل وأسرع خدمة ممكنة، بما أن التقييم أو الرأي المنشور لن يكون ضيق النطاق بل سيقرأه روّاد الإنترنت، وزائرو مواقع التسوّق على وجه التحديد.
لبنان يتسوق إلكترونياً لكن ببطء
يوضح مصدرٌ مسؤولٌ في SpinneysDelivery.com لـ"النهار" أن الإقبال على التسوق الإلكتروني لديهم كبير، يقوم معظمه على القهوة الجاهزة والمأكولات الطازجة من ضمن سلعٍ شاملة وعديدة أخرى، لكنه يؤكد أن تسليم السلع لا يتم إلا إذا تعدّت الفاتورة الـ100 ألف ليرة، مشيراً إلى أن المساحة المغطّاة هي بيروت الكبرى. "يسدد الزبون بالطريقة التي يريد، إما نقداً وإما عبر بطاقة الائتمان، ولم نشهد أي شك أو خوف من الخدمة، بما أن Spinneys اسمٌ معروف وموثوقٌ به من المواطنين" يلفت المصدر.
يفتخر موقع MarkaVIP.com هو أيضاً بالاسم الذي "بناه" في المنطقة إقليمياً، ويقول مصدرٌ مسؤولٌ فيه لـ"النهار" إن "شركتنا التجارية جديدة ولكننا انطلقنا وتطورنا في كل دول الشرق الأوسط، وأبرزها الأردن ولبنان"، محدّداً عدد مستعملي الموقع بـ"3 مليون و500 ألف شخص بحسب الإحصاءات الأخيرة منذ 15 أيار 2014، وتجاوزت قيمة البيع والشراء الـ12 مليون دولار في نموٍّ سريع". يستخدم الشباب والبالغون والمتقدمون في العمر أيضاً موقع MarkaVIP، وتقوم الطّلبات السّلَعية على أغراض البيت والثياب والأحذية والأثاث والأكسسوارات بالإجمال، "مستفيدين من سلعٍ لا يجدونها في المتاجر القريبة لهم، فنحن حصرياً نؤمّنها لهم" يشير المصدر.
ShopInLeb.com من ناحيته، يسهل على التجار طريقة عرضهم لسلعهم، فيتعامل مع عددٍ من المحال خصوصاً الرياضية والإلكترونية منها، ويسلّم المستهلِك طلبَه في أي منطقة من لبنان، بحسب ما أوضح لـ"النهار" أحد مؤسسي الموقع ريبال فاخوري، مؤكداً أن ثقة المستهلِك بموقع التسوق على الإنترنت تكبر "عندما يلاحظ مصدراً موثوقاً به كبنك عوده الذي يؤمّن لنا الـPayment Gateway (يسمح حصول عملية الدفع عبر بطاقات الائتمان)". جمهور المستهلكين على ShopInLeb يبلغ المئات وتراوح أعماره بين الـ20 والـ35 سنة، ويعزو فاخوري النمو البطيء في لبنان لهكذا نوع من التسوق إلى "العقلية اللبنانية حيث يفضّل الشخص أن يتوجه إلى المتجر ويدور بين المحال متحققاً من السلع بنفسه"، لكنه يؤكد أن المسألة "إلى تطور ونمو مع أنها تتطلب وقتاً بسبب ارتباطها بالاستتباب الأمني".
يقدّم Ishtari.com تجربة تسوق عبر الإنترنت أيضاً، ويؤكد مدير قسم خدمة الزبائن محمد طالب لـ"النهار" أن الحرية هي للمستهلِك في طريقة الدفع: "فمنهم من يسددون نقداً، خصوصاً من يطلبون للمرة الأولى، فيما يدفع الآخرون عبر البطاقات الائتمانية بدليل ثقة أكبر بموقعنا"، ويشير إلى أن معاملة موقع التسويق للمستهلِك هي التي تزيد أو تُنقِص من ثقته. "هناك سلع قد لا يجدها الزبون في المتاجر لكن يجدها على موقعنا" يذكر طالب، مؤكداً أن الإقبال على Ishtari.com جيد إذ يستقطب الموقع كل الأعمار خصوصاً مستعملي الإنترنت أي الأعمار بين الـ20 و30، ومعبّراً عن ثقته بحصول تطور مستقبلاً في قطاع التسوق عبر الإنترنت في لبنان.
تشكل الـCoupons من ناحيتها زاوية استهلاكية مهمة على الإنترنت، وهي عبارة عن بطاقات لعروضات مغرية حول سلع أو أطباق أو رحلات أو حفلات، ما يفسّر الإقبال الكثيف للبنانيين على موقع makhsoom.com بحسب ما يؤكد لـ"النهار" مدير الموقع جواد أصفهاني، الذي أشار إلى أن معدل عمر المستهلِكين هو 25 إلى 30 سنة. أما ما يستقبل الكمية الأكبر من الطلب والاستهلاك على makhsoom.com فهو البطاقات المتعلقة بعروضات في المسابح، يليها المطاعم، ثم النشاطات الترفيهية، وتصل هذه الـCoupons إلى مشتريها أيضاً عبر الإنترنت، من خلال مراسلة المستهلِك بالبريد الإلكتروني. ويرى أصفهاني أن ما يجعل البطاقات ناجحة وجاذبة هو سعرها النهائي ومضمون العرض معاً، مؤكداً أن التسوق عبر الإنترنت هو مستقبل المبيعات.
نمو أوسع وأسرع في الخليج
عربة التسوق الخليجية على الإنترنت تسبق العربة اللبنانية بأشواط، فالتسوق الإلكتروني الخليجي ينمو تدريجياً خصوصاً مع عدد مستخدمي الإنترنت المتزايد في منطقة الشرق الأوسط، حتى قارب الـ90 مليون رائد إنترنت، وبيّن البحث الأخير لمنصّة رواد الأعمال في المنطقة Wamda أنه على الرَّغم من تواجد فقط 15% من التجار على الإنترنت، يُتوقع أن ترتفع قيمة المبيعات لتبلغ 15 مليار دولار عام 2015، بعد أن كانت تساوي 9 مليارات عام 2012. وما يرفع مؤخراً من التسوق الإلكتروني الخليجي، هو الاتجاه إلى المواقع الإلكترونية المسوِّقة للثياب والأحذية وكل ما يتعلق بالموضة، مثل Namshi.com وSouq.com أبرز المواقع ذات الحركة التجارية النشطة، وما تحمله من إغراءات بالأسعار وراحة نفسية مؤقتة للمستهلِك.
التردد بسبب الخوف من الاحتيال
قد يكون العامل الأول لتردد المواطن من اللجوء إلى الإنترنت ليتسوّق، هو خوفه من التعرض للاحتيال، إذ يقوم البعض بحيلٍ تسويقية عبر الغش في مزادات مستفيدين من هويتهم المجهولة على الشبكة العنكبوتية. وأصبح هناك العديد من الشكاوى العالمية الناتجة من سوء الخدمة أو عدمها، فتصل السلع لمشتريها بعد وقتٍ طويلٍ جدّاً أو لا تصل أبداً، وإن وصلت لا تكون مواصفاتها متطابقة مع المواصفات المعروضة على الإنترنت. الأخطر في المسألة هو أنه في حالة الاحتيال لا يمكن المستهلِك إعادة الغرض الذي وصله والحصول مجدّداً على المال الذي سدّده، عدا عن احتمال عرض تفاصيل هويته على الإنترنت، ما يسمح للبعض من استخدام أمواله الشخصية.
تؤكد الاحتيالات الإلكترونية ضرورة لجوء الشخص لخطوات احترازية، تتمثل بقراءة كيفية عمل الموقع الإلكتروني وقراءة ردود الفعل والتقييمات التي كتبها مستعملو الموقع من قبل، والتمعن بالمواصفات المحددة للسلعة المنوي شراؤها، والأهم هو الانتباه إلى عنوان الإنترنت، إذ يقوم البعض بتغييرٍ بسيط للـURL مثل الاحتيالات التي تستهدف المتسوقين على موقع eBay.com، بحيث يتم تغيير الاسم إلى eBayz.com من غير أن يلاحظوا.
نجاح التسوق الإلكتروني e-shopping يكمن في تحصين عملية الدفع
توضح رئيسة قسم التسويق في الجامعة اللبنانية الأميركية ((LAU د. جوزيان فهد سرَيح لـ"النهار" أن عملية التسوّق عبر الإنترنت في لبنان "لا تزال في مراحلها الأولى بسبب صعوبة التوزيع وإيصال السلع إلى المستهلِك، إذ إننا نجد غياباً للتنظيم، خصوصاً أن كلفة الـDelivery مرتفعة ويسددها الزبون أيضاً، بدل أن تكون مجانية كما في المواقع التسويقية العالمية"، وتضيف أن "انعدام ثقة اللبناني بهكذا تسوّق يزيد من البطء في عملية نموّه".
خوف المواطن اللبناني من استخدام الإنترنت لأن يبتاع حاجياته وملابسه أو أيّ شيءٍ آخر، تفسّره سرَيح بانعدام الرقابة اللازمة على المواقع الإلكترونية المسوِّقة، "إذ يمكن أن تحصل عمليات احتيال أو سرقة لأرقام مالية خاصة بالزبائن، خصوصاً أن هكذا مواقع تستهدف الجمهور اليافع أكثر من غيره"، وتلفت إلى أن هؤلاء "يحبون استعمال الإنترنت، مشكّلين الجيل الرقمي بامتياز".
وتنصح لنجاح عملية الـe-shopping بأن يحصل التحصين اللازم لعملية دفع الزبون، "فهو يشعر بالأمان عند تحديد استعمال معلوماته على الموقع"، وتقول إن "الموقع الإلكتروني بحدّ ذاته يشير ما إذا كان آمناً أو فرصةً لاحتيالٍ على المستهلِك، جرّاء شكله وعروضه ومضمونه"، مضيفةً أن "تأمين عملية الدفع، والخدمة الجيدة والسريعة، ومجانية النقل والتوزيع، عوامل تدل إلى إدارة جيدة، ما ينعكس نجاحاً في عملية التسوق عبر الإنترنت".
لتقييم الموقع الإلكتروني قبل المبادرة بالبيع أو الشراء
يعدّد مؤسس شركة E-comLebanon.com المختصة بالتسويق الالكتروني والاستشارات عبر الإنترنت كريم صيقلي عبر "النهار" الأمور التي على المستهلِك والتاجر اعتمادها للتأكد من الحماية المالية وعدم التعرض لأي شكل من أشكال الاحتيال الإلكتروني: "على الموقع أن يكون مهنياً ومتقَناً، وعملية توثيق المعلومات أن تكون محترَمة، ويجدر الانتباه إلى الأسعار فإذا كانت منخفضة جدّاً قد يكون الأمر احتيالاً، وملاحظة الصور ومدى وضوحها، وما إذا كُتِبَت في الموقع أخطاءٌ لغوية، كذلك يجدر الاستفهام عن الـSSL (الـSecure Sockets Layer هو بروتوكول تشفيري)" مضيفاً أنه "من الطبيعي أيضاً أن يسأل المستهلِك قبل الشراء عن الموقع ويبحث عن الخدمات السابقة التي قدّمها للمستخدِمين".
ويشير صيقلي إلى أنه يمكن المستهلِك المشكك "أن يرسل بريداً إلكترونياً إلى الموقع حتى يتأكد من نوعية الخدمة وطريقة عمل المشرفين عليها، فمن الطبيعي أن يكون الرد مهنياً جدّاً على البريد الإلكتروني، أما إذا جاء الرد غريب المضمون وبعيداً من أي تواصل مهني، فهناك احتمال أن يكون الموقع وسيلة لعملية احتيال".
ويشير إلى أنه علمَ في السابق بعمليات احتيال دفع ثمنها التجار الذين وثقوا بالمواقع عارضين سلعهم عبرها، إذ "بعد أن تجسس البعض على الحسابات المالية لآخرين واستعملوا أموالهم متسوّقين بها إلكترونياً، أرسل التجار كميات من السلع المطلوبة إليهم، فيما أصحاب الأموال الحقيقيون لم يبتاعوا هذه السلع وخسروا من أموالهم من دون علمهم، ما دفعهم يطالبون التجار بدفعها، أي إن التجار خسروا سلعهم للمحتالين ومالَهم لمالكي المال الأصليين"، ويدعو عبر "النهار" الجهات المسؤولة للعمل "على التوعية على مخاطر القرصنة الالكترونية حتى يتوخى الحذر المستهلِكون والتجار معاً".
وللتأكد من هوية المستهلِك، بدليل أن على التاجر أيضاً توخّي الحذر من التعرض للاحتيال، يؤكد صيقلي وهو المؤسس أيضاً لموقع BuyLebanese.com "إننا نقوم بعددٍ من الخطوات الاحترازية في حال شعرنا باحتمال حصول احتيال من المستهلِك، فنطلب عدداً أكبر من المعلومات للتأكد أن هويته صحيحة، وقد نتصل به للتأكد من معلوماته، أي إننا نغوص بالتفاصيل، ومع تسجيل المعلومات نتأكد أيضاً من صحة البلد الذي اختاره كموقعٍ له"، إذ إن زبائن BuyLebanese.com هم من اللبنانيين المغتربين بأغلبيتهم: "يشكلون 95% تقريباً من المستهلِكين، يبتاعون بكمية كبيرة المأكولات اللبنانية وأبرزها الحلويات العربية، وهناك عددٌ من اللبنانيين المقيمين الذين يبتاعون الهدايا للمغتربين" يشير صيقلي.وفيما يرى أن اللبناني لن يتخلى فعلاً عن التسوق الكلاسيكي أي ذهابه إلى المتاجر، وبالتحديد تلك القريبة جغرافياً منه، يؤكد أن التسوق عبر الإنترنت في لبنان سيتطور "تماماً مثل أي قطاع إلكتروني، خصوصاً أن عدد مستخدمي الإنترنت في لبنان يزداد سنوياً".
وزارة الاقتصاد غائبة "حرفياً"!
بعد أسبوعٍ تقريباً على محاولة "النهار" الاتصال بوزارة الاقتصاد للوقوف عند أبرز إجراءاتها لمراقبة عملية التسوق عبر الإنترنت في لبنان ولمحاسبة المخلّين بها والمحتالين من خلالها – إذا وُجِدوا، لم نلقَ التجاوب المنتظر، لتثبتَ الوزارة المعنية بحماية المستهلك ومحاربة الغش أن الدولة غائبة... عن السمع، وربما عن تحمّل مسؤولياتها!