27-11-2024 11:35 AM بتوقيت القدس المحتلة

عرسال ... وبعض الحقائق المكتومة

عرسال ... وبعض الحقائق المكتومة

لم يكن طريق النزوح سهلاً على من سلكه. تجمعوا بما عليهم من ثياب وخرجوا من البلدة المنكوبة ، فبعد الإحتلال كما قالوا لم يعد لهم خبز في أرضهم

علي ملّي

لم يكن طريق النزوح سهلاً على من سلكه. تجمعوا بما عليهم من ثياب وخرجوا من البلدة المنكوبة ، فبعد الإحتلال كما قالوا لم يعد لهم خبز في أرضهم، أرادوا الخروج خوفاً على حياتهم التي أصبحت في خطر محدق ،علقوا بين فوهات البنادق وعبارات التهديد والوعيد سلبت منهم الحرية فأصبحوا أسرى ومساجين حتى في بيوتهم.

يد الإرهاب طالتهم وطالت أرزاقهم بكل بساطة الحال وصفٌ لأهل عرسال، تلك القرية البقاعية التي أراد لها الإرهابيون ومن معهم جعلها قاعدة لإنطلاق ما سموه بالثورة ولكن الثورة كانت على من ... والكلام لأهل البلدة ....

تدخل إلى قرية اللبوة المجاورة لعرسال، الكل يتهامس ويتكلّم عما يجري في الجرود المجاورة ، هذا يطمئن من الوافد على داره ورزقه وذاك يسأل عمن بقي من أهله عالقاً في البلدة تحت رحمة " الثوار " ...

إقتربنا من مدخل عرسال، هناك كانت الأسرة النازحة، خرج الرجل واستقبلنا في المنزل الذي آواه بعد نزوحه من البلدة، جلس على شرفة المنزل يخرج الزفرات من صدره. سألنا عن إسمه رفض أن يقول مجيباً بعبارة واحدة " إذا عرفو إسمي وعرفو إني حكيت بيقتلوني " ، بدأ الكلام وهو ينظر كل حين إلى مدخل قريته هناك حيث كان منذ عدة أيام يشتغل برزقه وبيته ، وسرد القصة التي  بدأها بأيام قليلة إلى الوراء . قال الرجل العرسالي منذ بضعة أيام كان الحراك غريباً جداً في القرية حيث أصبحت ممارسات المسلحين واضحة جداً وأصبحوا يجوبون شوارع القرية ويطلقون النار في الهواء ويستعرضون قوتهم.

القصة بدأت مع بدء الأزمة السورية عندما تدفقت أعداد النازحين إلى بلدة عرسال البقاعية ، وهناك مسلحون دخلوا إلى البلدة جميعاً بالزي المدني ، سكنوا المخيمات وبدأوا بتحضير أنفسهم ...

أمر لم يكن خافياً على بعض سكان البلدة بل كان تحت أعينهم وفي بعض الأحيان بمساعدتهم ، فكلام الرجل العرسالي لم يخل من ذكر بعض الاشخاص من آل الحجيري ، أما مصطفى الحجيري " أبو طاقية "  فكان دوره كبيرا فهو الرجل الذي جمع الملايين من بيع السلاح ل"الثوار " على حد قوله ...

اما المسلحون فكانوا بحسب قول العرسالي يملكون المال الوفير ، يشترون الكثير من البضائع تكفي لإطعام الجيوش ، كانوا متشددين، أقاموا الحدود وكتموا الحريات التي نادوا بها أولاً وقد تقسموا بين جماعات جبهة النصرة وداعش والجيش الحر أما اول جماعتين فحملتا مشروع الخلافة ولو بالقوة والقتل  والجيش الحر حمل فكر السرقة والنهب ...

لم ينكر الرجل أن من بين هؤلاء كان رجال عراسلة إستغلوا الظروف وإستحكموا بالعباد والبلاد ، تعاون أدى إلى أن يتخذ المسلحون ومن أواهم من أهل البلدة دروعاً بشرية فاختبأوا في المنازل المدنية واعتدوا على الجيش وهم يضعون المدنيين في المقدمة .

لم نستطع المقاومة يؤكد إبن البلدة، كنا إذا تكلمنا قتلنا أو شردنا من بيوتنا اما في قرارة أنفسنا كنا نتوسل دخول الجيش كل يوم ، ليس هذا ما كنا نأمل به عندما أويناهم في بيوتنا وفتحنا لهم دورنا ... عرسال احتضنتهم إلا انهم طعنوها في ظهرها ... من حاول منّا مقاومتهم أطلقوا عليه النار فمنهم من سقط شهيداً ومنهم من جرح، ومن أطلق النار بعضهم كان من أهل عرسال الذين غرر بهم وعملوا تحت جناح "أبو طاقية " و " أبو عجينة " .

كل هذا ولم يغب في كلام الرجل الفتنة الطائفية التي عُمل على بثها في القرية ، يقول الأخير أشيع في القرية كثيراً أن أهل اللبوة يريدون قتلنا والقضاء علينا لكي ينزعوا ما يدعى بالوجود السني في المنطقة حتى تولد لدينا هاجس من أهل تلك المناطق ... لم يخفِ في كلامه انطباعاً كان مأخوذا عن أهل اللبوة ومحيطها فقال عندما نزحنا لم نكن نتخيل أننا سنحل ضيوفاً ظننا أننا سنطرد عن أبوابهم ولكن كان العكس صحيحاً صدمنا من الحفاوة التي لاقونا بها ...

اليوم أدركنا جيداً ماذا كان يقال، ليس للجار إلا جاره ونحن أبناء بلد واحد أما هم غرباء أتوا ليفرضوا علينا إحتلالاً وعدواناً ، قال الرجل كلامه وسرح بصره إلى جهة القصير قائلا فليستردوا القصير أليسوا أقوياء وهم يهددونا بالقتل والذبح؟ ..

آخر الكلام دمع الرجل حزناً على قريته قائلاً فليستفق أؤلئك الذين يحضنون هذه المجموعات، فليستيقظ أهل الشمال الذين يظنون أنهم يستطيعون أن يضعوا يدهم بيد هؤلاء الذين لا يصح وصفهم بالبشر. وأردف بالقول ليس لنا في هذا البلد سوى جيشنا وقد أيقنّا  جيداً أنه الحمى الوحيد والفيصل الوحيد ...