عملياً يأتي سعد الحريري الى لبنان حفاظا على نفوذ السعودية في لبنان وبالتالي على وجوده السياسي
يوم وصول وفد هيئة العلماء المسلمين الى عرسال، حضرت سيارة تابعة لداعش الى مسجد مصطفى الحجيري الملقب ابو طاقية حيث كان يحتجز عناصر سرية الدرك في عرسال، وكان يتواجد في المسجد حوالي 300 مسلح إضافة الى الحجيري وبعض أهالي عرسال، نزل من السيارة رباعية الدفع رجلان وتوجها الى الحجيري بالقول مطلوب منك عدم تسليم الدرك، اجابهم لن اسلمهم إلا على جثتي، فقال احدهما هذا هو المطلوب على جثتك، وغادرا المكان.
هذا الكلام رواه احد اهالي عرسال الذين حضروا الحديث، وقال الرجل في مساء اليوم ذاته تم إخراج الدرك من المسجد باتجاه الجرد.
وفي ذات اليوم كان الرئيس سعد الحريري يلقي خطابا من جدة يعلن فيه عن هبة سعودية للجيش والقوى الأمنية اللبنانية بقيمة مليار دولار ، في خطوة اتضح انها تحضير لعودته الى لبنان بعد غياب ثلاث سنوات.
شكلت هذه الاحداث رسالة الإنذار القوي للحريري ، لقرب فقدانه السيطرة على تيار المستقبل وعلى نفوذه في لبنان لمصلحة هيئة علماء المسلمين وبعض نواب الشمال الذين اعتمدوا التوتير والتصعيد لغة في مواجهة الجيش ، في مرحلة صعود كبير للتوتر في المنطقة وفي لبنان.
اتت معركة عرسال لترفع من اسهم الشيخ سالم الرافعي في الشارع السني ، مفاوضا عن مسلحي المعارضة السورية وعن عرسال مع الجيش اللبناني والطرف الاخر في المعادلة اللبنانية ومع المعارضة السورية، وهذا ما اثار مخاوف السعودية والحريري، وأتى رفض اهالي عرسال للمساعدات الغذائية التي ارسلها الحريري مساء الخميس، انذارا اخيرا بضرورة التحرك السريع.
قبل ذلك بأسبوع كان النائب وليد جنبلاط في ضيافة امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وخرج الزعيم الدرزي الذي يشبه بميزان الحرارة او ميزان مقياس الضغط ، خرج على الإعلام ليتحدث عن خطر داعش، ولينفي عن حزب الله تهمة جلب داعش الى لبنان عبر تدخله في سوريا، لم يكن جنبلاط وحده من برأ حزب الله فالحريري برأه من تهمة التدخل في معركة عرسال في خطاب المليار دولار.
كل هذه الأحداث والتطورات في الساحة اللبناينة التي تعتبر مركز نفوذ وزعامة الحريري، تزامنت مع حرب غزة، وعودة النفوذ الايراني والسوري الى القطاع عبر القيادات الميدانية، وتراجع الشخصيات المثيرة للخلاف مع محور المقاومة الظل فيما يفاوض الجهاد وحماس عبر الزهار والحية في القاهرة، كل هذا كان عامل ضغط على السعودية المتهمة بتأييد العدوان على غزة.
أيضا في الفترة نفسها حصلت زيارة سريعة قام بها الى قطر الامير متعب بن عبدالله رئيس الحرس الوطني السعودي التقى خلالها امير قطر تميم بن حمد بن خليفة ال ثاني ، ما يشير بوضوح الى بدء كسر حالة الجليد السعودية القطرية ، وهذا ايضا له مفاعيله في جبال القلمون حيث لقطر نفوذ على الجماعات المسلحة، ويمكن لها مساعدة الحريري في التفاوض على اطلاق سراح العسكر اللبناني المخطوفين.
اقليميا بدأت مفاعيل سيطرة داعش على الموصل الشهر الماضي تدق ناقوس الخطر في السعودية التي استدعت جنودا من باكستان ومصر والاردن لحماية حدودها مع دولة الخلافة المستجدة. هناك من يشير الى النجاح الايراني في قلب السحر على الساحر وافشال مخطط استنزف ايران وحليفها العراقي في حرب داخل الموصل ، كان يراد لها ان تشغل الجيش العراقي وحلفاءه في حرب مع داعش من ناحية ومن ناحية ثانية تجبر داعش على سحب قواتها من سوريا، التي تتصارع مع قوات النصرة والحر والفصائل الاخرى الموالية لقطر وتركيا، ما يريحها من خصم يهزمها ، غير ان الانسحاب من الموصل قلب المعادلة فأصبحت داعش تتمدد باتجاه الأكراد وتهدد الكويت والأردن والسعودية، كل هذا بعدما فشلت في سامراء وتوقف زحفها نحو الجنوب فارتأت استكمال الزحف باتجاه المناطق الاخرى. وهذا الامر تكتيك استراتيجي فرضته المعطيات على الارض بعيدا عن كل الخرافات التي تشير الى علاقة ايران وسوريا بداعش .
عمليا ياتي سعد الحريري الى لبنان حفاظا على نفوذ السعودية في لبنان وبالتالي على وجوده السياسي قبل كل شي وبأمر ومكرمة سعودية كبيرة.
هذا التراجع السعودي الذي شهدنا نماذج منه في السابق، قد يكون تكتيكيا في رأس الحكام في الرياض، لكن المعطيات الامنية والعسكرية على حدود السعودية، واتمام الانتخابات والقسم الرئاسي في سوريا دون اعتراض دولي يذكر ، فضلا عن انتهاء شيء اسمه المعارضة السورية المسلحة عمليا لمصلحة داعش المجاورة للحدود السعودية، اجبر السعودية على بدء عملية التراجع والتموضع، الذي سوف يكون لبنان ساحتها الاعلامية والسياسية ، كمرحلة تمهيدية وتجريبية لإعادة تموضع اخر من المرجح ان تكون سوريا مسرحه .
لم تأت هذه العودة من طرف واحد على الصعيد اللبناني ، ويظهر ان الطرف السياسي الآخر في المعادلة اللبنانية اي قوى 8 اذار ليست منزعجة من هذه الزيارة وهذا ظهر في اتصال رئيس مجلس النواب نبيه بري بالحريري فور وصوله.
موقع المنار غير مسؤول عن النص، وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه