يجب مراعاة حقوق الجيرة مع الجار المسيحي كما الجارالمسلم ,والجار السني والدرزي, كما الجار الشيعي, والجار البعيد كما الجار القريب.
أكد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن التكفريين الذين يقتلون ويهجرون المسلمين والمسيحيين من ديارهم في العراق وسوريا,ويدمرون الكنائس والمساجد ومقامات الأنبياء لا دين لهم ولا طائفة, بل دينهم وطائفتهم القتل والفتنة ووظيفتهم تفتيت الأمة وتفتيت هذه المنطقة وشرذمة أهلها.. وقد وصل خطرهم اليوم إلى لبنان.. لأن لبنان بات في دائرة أهداف التكفريين الإرهابيين.
وقال: ما جرى لعرسال وأهل عرسال سببه هذه الجماعات التكفيرية الإرهابية المسلحة ومواقف التحريض التي شجعت هؤلاء على الهجوم والمباغتة ووفرت لهم بيئة حاضنة, والمبررات والذرائع التي يوفرها البعض لهذه الجماعات لاستهداف لبنان، وتحويل الموقف من الإرهاب إلى مجرد وجهة نظر.
وقال: ليس هناك من خيار أمام اللبنانيين سوى تجاوز الانقسامات الداخلية وتحقيق الوحدة الوطنية والالتفاف حول الجيش اللبناني واحتضان هذه المؤسسة والحفاظ على وحدتها وتماسكها ومعنوياتها وعدم إضعافها , باعتبارها خط الدفاع الأخير عن الاستقرار في لبنان.ولفت الى انه لا يجوز إدخال الجيش في تسوية مذلة مع الإرهابيين,ولا فرض خيارات تتسبب بإضعاف هذه المؤسسة لان خروج الجيش من هذه المعركة ضعيفاً ليس في مصلحة أحد وليس في مصلحة لبنان.
نص الخطبة:
بسم الله الرجمن الرحيم
[واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجُنُب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً] ـ النساء/ 36.
الجار في المفهوم الإسلامي هو كل من يسكن إلى جوارك (يجاورك في السكن) مهما كانت عقيدته أو طائفته أو مذهبه ومهما كانت جنسيته أو لونه أو انتماؤه الاجتماعي أو السياسي أو الحزبي.
ويشمل معنى الجار الساكن القريب الذي يسكن في الشقة المقابلة أو في نفس البناية, ويشمل أيضاً الساكن البعيد الذي يسكن في الأبنية المجاورة والأبنية الواقعة في نفس الحي أو الشارع أو المحلة ,ولذلك عندما سئل الإمام الباقر (ع) عن حد الجوار قال: حد الجوار أربعون داراً. أي أربعون داراً من كل الجهات.والإسلام عندما تحدث عن الجار وحقوقه وكيفية التعامل معه، لم يميز بين الجار المسلم وغير المسلم , ولا بين الجار الشيعي أو السني أو الدرزي أو العلوي أو غيره، ولم يميز بين الجار الذي هو من الأقرباء والأوحام وبين من هو ليس كذلك.
وبالتالي يجب مراعاة حقوق الجيرة مع الجار المسيحي كما الجارالمسلم ,والجار السني والدرزي, كما الجار الشيعي, والجار البعيد كما الجار القريب. وقد أمرت الآية بحقوق للجار تشبه الحقوق التي أوجبها الله للوالدين وللأرحام والأقرباء وللأيتام والمساكين, فقال تعالى: [واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجُنُب].والجار ذي القربى هو الجار من الأرحام والجار الجنب هو الجار البعيد والغريب الذي ليس من الأقرباء.
ومن هنا قال النبي (ص) القول المشهور: ما يزال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. فعلاقتك بجارك قد تكون أقوى من علاقتك بأقربائك في بعض الأحيان, لأن القريب قد تراه في الأسبوع مرة أو في الشهرأو في السنة أو في المناسبات والأعياد لكن الجار قد تراه في اليوم عشرين مرة, ولذلك فان النبي يعطي الجار حقوقاً تقترب من حق القرابة..
ولعل السبب في اهتمام الإسلام بالجيران إلى هذا الحد هو أن الجار يسكن بجوارك وأنت على احتكاك يومي به، ومن الطبيعي أن تتأثر بأوضاعه وأحواله سواء كانت جيدة أو سيئة, كما أن أوضاعه تنعكس عليك شئت أم أبيت.
ولذلك نجد أن الجار السيء يصل أذاه إلى جيرانه حتى ولو حاولوا تجنّب الاحتكاك به, وهو يؤثر على استقرارهم وعلى كل حياتهم شاءوا أم أبوا .
و للجار حقوق كثيرة لعل أهمها وأبرزها:
1 ـ تفقد أحواله وأوضاعه وقضاء حوائجه والإحسان إليه,وان يكون له عوناً ونصيراً , وأن يعيش الجيران روح التعاون والتكافل فيما بينهم. فعن النبي (ص): خير الجيران عند الله خيرهم لجاره. وعنه(ص): ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم. وقد كانت الهدية تأتي الى الرجل من أصحاب النبي (ص) فيبعث بها إلى جاره، ويبعث بها الجار إلى جار آخر وهكذا تدور على أكثر من عشرة بيوت حتى ترجع إلى البيت الأول.
2 ـ كف الأذى عن الجار, وعدم التسبب بإضراره وإزعاجه أو إهانته.
وهذا من أعظم حقوق الجيران, والأذى وإن كان حراماً بصفة عامة فإن حرمته تشتد إذا كان متوجهاً إلى الجار, فالإسلام أخلاق وقيم وسلوك حسن والتزام واحترام ومعاملة طيبة لا أذى فيها,والله اراد للجيران ان يتعاملوا فيما بينهم على اساس الثقة والاحترام والتقدير.عن النبي (ص): لا يؤمن بالله من لا يأمن جاره بوائقه . وعنه (ص) : لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه. أي شره.
لا تؤذ جارك بإزعاجه وإحداث الفوضى والضوضاء في محيطه سواء عن طريق رفع صوت التلفاز أو عن طريق الأصوات المرتفعة التي تصدر داخل البيت من الرجل أو من الزوجة والأولاد .
لا تؤذ جارك بقطع الكهرباء أو الماء عنه, أو بوضع النفايات أمام باب منزله, أوبشفط أكثر من حقك في المياه المشتركة بينك وبينه.
لا تؤذ جارك بإلتسلط على موقف سيارته .
لا تؤذ جارك بإغتيابه وكشف عيوبه وفضح اسراره.
قيل للنبي (ص): يا رسول الله، إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها قال: لا خير فيها هي في النار. وجاء رجل إلى النبي (ص) يشكو إليه أذى جاره فقال: أطرح متاعك في الطريق! ففعل الرجل، وجعل الناس يمرون به ويسألونه: فإذا علموا أن ذلك هو بسبب أذى جاره لعنوا ذلك الجار.
فجاء هذا الجار السيء إلى رسول الله (ص) يشكو إليه أن الناس يلعنونه! فقال له النبي (ص): فقد لعنك الله قبل الناس .. كفّ اذاك عن جارك.
3 ـ تحمل أذى الجار والصبر على أذى الجيران: وهذا أعظم من كف الأذى عن الجيران، فقد يستطيع كثير من الناس أن يكف أذاه عن الآخرين لكن أن يصبر على أذاهم ويتحمل إذاهم صابراً محتسباً فهذا سلوك عظيم ودرجة وأخلاق عالية. وهذا مصداق لقوله تعالى: [إدفع بالتي هي أحسن السيئة].
وقوله تعالى: [ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور] ـ الشورى/ 43.
البعض قد لا يتحمل الأذى من جيرانه ولا يصبر وانما يواجه الأذى بأذىً مثله وتصدر منه ردات فعل غاضبة وينفعل ولا يتحمل .. وهذا الاسلوب يعقد المشكلة ويسبب أزمة بين الجيران , البعض يهرب .. كم من جار هجر بيته هرباً من جيرانه ؟ كم من جار باع بيته بنصف ثمنه فراراً من جيرانه هذه أمور تحصل في مجتمعنا بسبب أذى الجيران وعدم تحمله والصبر عليه , لكن حق الجار ان تصبر على أذاه وهذا من حسن الجوار.
في بعض الأحاديث: ليس حسن الجوار كف الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى.
4 ـ كتمان سره والستر عليه والحفاظ على عرضه ماله وشرفه وكرامته في حضوره وغيابه. وهذا من الحقوق المؤكدة، لأنه قد يطلع الجار بحكم الجوار على بعض أسرار جاره أو على بعض شؤونه وأوضاعه، أو على عيوبه وعثراته, فعليه أن يستر على جاره وان لا يفضحه ويعمل على إفشاء عيوبه وأسراره , وليعلم الانسان أنه إذا ستر على جاره فان الله سيستر عليه في الدنيا والآخرة,أما إذا هتك ستره فإن الله سيهتك ستره في الدنيا والآخرة وما ربك بظلام للعبيد.
وقد أحصى أهل البيت (ع) في أحاديث جامعة العديد من حقوق الجار.
سَأَلَ رسولُ الله (ص) فقال: أتدرون ما حق الجار: إن استغاثك أغثه، وإن استقرضك أقرضه، وإن افتقر عدت إليه، وإن أصابه خير هنأته، وإن مرض عدت عليه، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإن مات تبعت جنازته، وإذا اشتريت فاكهة فاهدها إليه.
وعن الإمام زين العابدين (ع): وأما حق الجار: فحفظه غائباً، وكرامته شاهداً ,ونصرته ومعونته في الحالين جميعاً .. لا تتبع له عورة ولا تبحث له عن سوأة لتعرفها, فإن عرفتها منه من غير إرادة منك ولا تكلف كنت لما علمت حصناً منيعاً وستراً ستيراً.. لا تستمع عليه من حيث لا يعلم, ولا تسلمه عند شديدة، ولا تحسده عند نعمة، تقيل عثرته وتغفر زلته.
ولحسن التعامل مع الجيران ثمرات ونتائج طيبة في الدنيا والآخرة، فهو: يزيد في الأعمار وفي الأرزاق، ويعمر الديار ,ويحصل من خلاله الإنسان على الثواب الجزيل والخلاص من العذاب في الآخرة. فعن النبي (ص): حسن الجوار يعمّر الديار وينسئ في الأعمار. وعن الصادق (ع): حسن الجوار يزيد في الرزق. وعن النبي (ص): من آذى جاره حرم الله عليه ريح الجنة ومأواه جهنم وبئس المصير, ومن ضيع حق جاره فليس منا .
فاذا كان من يضيع حق جاره ليس من المسلمين ولا من رسول الله , فكيف بمن يضيع حقوق المسلمين ويخرب ديارهم ويقتل أبرياءهم , فهل يكون من المسلمين والمنتمين بصدق الى رسول الله(ص) ؟!!.
هؤلاء الذين يقتلون ويذبحون ويهجرون المسلمين والمسيحيين من ديارهم في العراق وسوريا ,هؤلاء الذين يدمرون الكنائس والمساجد والأضرحة الدينية ومقامات الأنبياء هل هؤلاء ينتمون إلى رسول الله ومن المسلمين حقاً ؟ هؤلاء لا دين لهم ولا طائفة لهم، هؤلاء دينهم وطائفتهم القتل والفتنة ووظيفتهم تفتيت الأمة وتفتيت هذه المنطقة وشرذمة أهلها.. وقد وصل خطرهم اليوم إلى لبنان.. لأن لبنان بات في دائرة أهداف التتكفريين الإرهابيين.
وما جرى لعرسال وأهل عرسال سببه هذه الجماعات التكفيرية الإرهابية المسلحة ومواقف التحريض التي شجعت هؤلاء على الهجوم والمباغتة ووفرت لهم بيئة حاضنة, ما جرح في عرسال هو بسبب المبررات والذرائع التي يوفرها البعض لهذه الجماعات لاستهداف لبنان، وتحويل الموقف من الإرهاب إلى وجهة نظر. إن كل هذه الأسباب وفرت للتكفيريين من داعش والنصرة وغيرهما من الجماعات الارهبية فرصة لاستهداف لبنان والدخول إليه من بوابة عرسال والاعتداء على الجيش اللبناني.
ما جرى في عرسال هو رسالة إنذار قوية لكل الأطراف اللبنانية من الخطر الذي بات يهدد لبنان.. لأنه قد يكون المطلوب إلحاق لبنان بموجة الدمار والخراب وحالة التفكك التي تعم المنطقة. ولذلك ليس هناك من خيار أمام اللبنانيين سوى تجاوز الانقسامات الداخلية وتحقيق الوحدة الوطنية والالتفاف حول الجيش اللبناني الذي واجه ويواجه هذه الجماعات بكل حزم وقوة واحتضان هذه المؤسسة والحفاظ على وحدتها وتماسكها ومعنوياتها وعدم إضعافها , باعتبارها خط الدفاع الأخير عن الاستقرار في لبنان.
وفي هذا السياق لا يجوز إدخال الجيش في تسوية مذلة مع الإرهابيين,ولا يجوز فرض خيارات على الجيش تتسبب بإضعاف هذه المؤسسة لان خروج الجيش من هذه المعركة ضعيفاً ليس في مصلحة أحد وليس في مصلحة لبنان.
يجب حماية كرامة الجيش ومعنوياته والحفاظ على هيبته وعدم القبول بغير تحقيق شروطه ومطالبه .. وهذا واجب الحكومة بالدرجة الأولى التي كان موقفها حازماً في مواجهة التكفيريين الإرهابيين في عرسال وفي وقوفها بالإجماع خلف الجيش اللبناني في معركته مع الارهابيين.