25-11-2024 05:49 PM بتوقيت القدس المحتلة

الناتو يرتكب "مجزرة قانا" في الماجر بليبيا

الناتو يرتكب

إن كل من فقد عزيزا خلال مجزرتي قانا الإسرائيليتين في لبنان، لا بد لهؤلاء أن يعود بالذاكرة إذا ما رأى كيف قتل الليبيين بشكل مروع يوم أمس في منطقة الماجر في ليبيا.

كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله
                
الماجر، ليبيا

إن كل لاجئ فلسطيني في لبنان، سواء كان مسلما أو مسيحيا، وكل مواطن لبناني فقد أحد أفراد عائلته أو عزيزا عليه من الذين ذبحوا خلال مجزرتي قانا الإسرائيليتين في لبنان، لا بد لهؤلاء أن يعودوا بالذاكرة إلى تاريخ المجزرتين إذا ما رأوا كيف قتل إخوانهم وأخواتهم الليبيين بشكل مروع يوم أمس في منطقة الماجر في ليبيا.

والمجزرتان المرتكبتان بأسلحة أميركية في كل من 18 نيسان/ أبريل 1996 (التي أسفر عنها مقتل  106 أشخاص بينهم 33 طفلا وجرح 116 شخصا) وفي 30 تموز/ يوليو 2006 (التي أسفر عنها مقتل 28 شخصا بينهم 18 طفلا، وفقد 13 آخرين، فضلا عن جرح 43 شخصا)  تنطوي على كثير من أوجه الشبه مع ما قامت به قوات (الناتو) هذا الأسبوع هنا في ليبيا.

فمجزرة الماجر ارتكبت أيضا بأسلحة أميركية أهداها دافعو الضرائب الأميركيون مجددا من دون أن يعلموا شيئا عنها أو يقبلوا بها وهي التي تتنافى وجميع القيم الإنسانية الأميركية والمشتركة بين جميع الناس من أصحاب النوايا الحسنة.

وقرية الماجر، الواقعة على بعد 32 كيلومترا شرق مدينة "لبتيس ماغنا" الرومانية القديمة، وعلى بعد عشرة كيلومترات جنوب زليتن، وقبالة الساحل الليبي الجنوبي بحيث تقع قبالة "بحيرة" البحر الأبيض المتوسط لجهة روما، كانت قرية الماجر الرائعة مشهورة بانتاج التمور ذات النوعية الممتازة ويعبر سكانها المحليون عن عصير التمر الذي تنتجه هذه القرية بأنه الأفضل في ليبيا.

وفي حين يقول أفراد العائلات وشهود العيان والمسؤولون الحكوميون الليبيون إن هجمات (الناتو) الجوية على قرية الماجر قد قتلت 85 شخصا، وهم على الشكل التالي: 33 طفلا و32 امرأة و20 رجلا، لم يعرض على المراسلين الصحفيين والزوار غير 30 جثة في معرض محلي للجثث المجهولة، وكان من بين الجثث أم وطفلان. وشرح المسؤولون والسكان أنه قد تم أخذ حوالى 50 جثة إلى أماكن أخرى لتدفنها عائلاتها أما الجرحى فقد أخذوا على الفور إلى مستشفيات طرابلس.


وقد اختارت قوات (الناتو) أن تقصف ثلاثة مجمّعات متجاورة في قرية الماجر، وكانت حصيلة البيوت المقصوفة التي عاينها زوار المنطقة هي خمسة بيوت. ولم يكن هناك أي دليل على وجود الأسلحة في بيوت المزارعين هؤلاء، وإن ما كان موجودا في الواقع هو بعض الفرشات والملابس والكتب المنتشرة في تلك المساحة. وكانت هناك مفكرة تحت الأنقاض كتبت عليها سلوى أجيل الجاوود اسمها سابقا، وسلوى الشابة البالغة من العمر خمسة عشر عاما قد أصيبت في القصف إصابة خطرة. وبعد زيارتها في المستشفى لاحقا، شهدت سلوى بعدم وجود أي مظهر عسكري في البيوت التي قصفت، الأمر الذي كان يقوم به أيضا شهود العيان في قانا.

وقد اتّبعت قوات (الناتو) التكتيكات نفسها التي اتّبعتها إسرائيل في مجزرتي قانا. فبعد شنها الغارات الثلاث الأولى يوم الإثنين حوالى الساعة 11 ليلا (التاسعة بتوقيت غريتنش)، هرع الكثير من سكان المنطقة إلى المنازل التي قصفت لمحاولة إنقاذ أحبائهم، وحينها ركزت قوات (الناتو) قصفها مرتكبة بذلك مجزرة بحق 85 ليبيا.

وقد سحب أفراد عائلة الولدين عادل معايد غافس وأينان غافس جثتيهما المحترقتين والمشوهتين من تحت الركام وهم لا يزالون تحت تأثير الصدمة. وحينها قال أحد الرجال المتألمين: "لا إله إلا الله، والشهيد حبيب الله" ثم كرر ذلك بقية الموجودين.

وقد أعلن المتحدث باسم الحكومة الليبية موسى ابراهيم بألم شديد وهو واقف على إحدى كومات الركام: "هذه الجريمة تفوق الخيال، وكل شيئ يخص هذا المكان مدني ليس إلا!".

وبحسب المسؤولين الليبيين الذين أجريت معهم مقابلات في فندق "ريكسوس" الليلة الماضية هنا في طرابلس، فإن قوات (الناتو) قد هاجمت قرية الماجر "محاولة منها لمساعدة الثوار على دخول المدينة التي تسيطر عليها الحكومة من الجنوب من خلال التعمق في التدخل بها والسيطرة وإصدار الأوامر العسكرية من جهة واحدة الأمر الذي أصبح حربا أهلية تحتاج إلى مليارات الدولارات لعقود إعادة الإعمار واتفاقيات الوقود الخاصة عبر فريقها الذي تم تعيينه شرقي ليبيا".

ويبدو أن نائبة المتحدث باسم (الناتو) "كارمن روميرو" و"حامي العمليات الموحد" المتحدث العسكري الكولونيل "رولان لافوا"، قد اقترضا صفحة من مكتب الإعلام الحربي الإسرائيلي في 9 آب/ أغسطس 2011 إذ ذكرا خلال مؤتمر صحفي مشترك لكل من صحافة بروكسل ونابولي أنه "كان في القرية المقصوفة منطقة تجمع عسكري وأن حلف (الناتو) ليس لديه حتى اليوم أي دليل على وجود ضحايا مدنيين وهو على العكس يتخذ تدابير غير عادية لضمان حماية المدنيين".

ومن المتوقع أن يكون السيناريو على الشكل التالي: في حين يعلن الدليل على حدوث مجزرة الماجر ويبدأ الضغط على (الناتو) لتفسير قتله المتكرر للمدنيين الليبيين، سيعلن (الناتو)، وعلى الأرجح خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة، سيعلن عن إجراء "تحقيق داخلي" في أحداث مجزرة الماجر، وسيؤكد على أن قذائفه كانت موجهة فقط ضد "الأهداف العسكرية الشرعية" وهو يقلّد بذلك أسلوب الإسرائيليين.

وكما حصل في قانا، فإن جردا للأسلحة الأميركية التي زوّد بها حلف (الناتو) والمتاحة للإستخدام هنا في ليبيا منذ 29 آذار/ مارس 2011، والتي تستخدم عشوائيا في بعض الأحيان من أجل "حماية المدنيين"، تتضمن التالي:

قاذفات الشبح (بي.2) من جناح القصف رقم 509 في قاعدة وايت مان لسلاح الجو، وطائرات (أف.15.إي) المتمركزة حاليا في سربي المقاتلات رقم 492 و 494 لدى سلاح الجو الملكي في "لاكنهث" ببريطانيا، وطائرات (أف.16.سي.جيه) "لقمع الدفاع" والمتمركزة في سرب المقاتلات رقم 480 في قاعدة "سبانغداليم" الجوية في ألمانيا، وطائرات (أي.سي-130) كوماندو سولو للعمليات النفسية من جناح العمليات الخاصة رقم 193 من الحراسة الجوية الوطنية في "ميدل تاون/ بنسلفانيا"، وطائرات (بي.آي،كي.سي-135) من الجناح الجوي رقم 100 للتزويد بالوقود ومقره "ميلدنهال" في بريطانيا، والجناح الجوي رقم 92 للتزويد بالوقود ومركزه قاعدة "فيرتشايلد" الجوية، وطائرات (سي.130 جيه) المؤسسة مؤخرا في سرب قاعدة "رامشتاين" للنقل الجوي في ألمانيا، وطائرات الهجوم (آي-10) المقاتلة، ومروحيات (آي.سي-130).

وقد بدأت هجمات (الناتو) على ليبيا بقصف ما زعم أنها معدات الدفاع الجوي الليبي، واستخدم في ذلك الهجوم 110 من قذائف "توماهوك وتوماهوك التكتيكية" الأميركية الموجهة. وتم أيضا إطلاق هجمات صاروخية استخدمت فيها ثلاثة قاذفات شبح للقنابل الأميركية (بي-2) موزعة بذلك 45 من معدات الهجوم المشترك المباشر ضد القاعدات الجوية الليبية. وتم قصف قذائف "توماهوك" أيضا من السفن البريطانية الموجودة في المنطقة.

أما سفن البحرية الأميركية التي تستخدمها قوات (الناتو) "لحماية المدنيين الليبيين" فتتضمن:

مدمرات الصواريخ الموجهة (آرليه من فئة بورك)  "يو.أس.أس ستاوت" طراز 55 و"يو,أس.أس باري" طراز 52، وغواصات "يو.أس.أس بروفيدنس" طراز 719، و"يو.أس.أس سكرانتون" طراز 756، و"يو.أٍ.أس فلوريدا" طراز 728، والسفن البرمائية لدى البحرية الأميركية "يو.أس.أس كيرسارج" طراز 3، و "يو.أس.أس بونس" طراز 15، وسفينة القيادة "يو.أس.أس ماونت ويتني" طراز 20، وسفن الدعم "لويس وكلارك وروبرت إي". ومقاتلات هاريير (آي.في- 8 بي) "بيري وكاناوا"، ومروحيات سمبر ستاليون (سي.أتش- 53) وطائرات المحرك الدوار أوسبري (أم.في-22) على متن "كيرسارج وبونس"، وطائرة (كي.سي-130 جيه) ناقلة النفط المتجهة من قاعدة "سيغونيللا" الجوية في إيطاليا، وطائرة "غرولر" للهجوم الالكتروني (إي.آي- 18 جي) التابعة ل (في.آي.كيو- 132) ومقرها جزيرة ويدبي والآتية من قاعدو "أفيانو" الجوية في إيطاليا (كل الطائرات المذكورة أعلاه غيرت مسارها من العراق بناء على طلب قوات الناتو "للمساعدة على حماية المدنيين في ليبيا")، وطائرات أوريون (بي-3) شبه الصيادة، وطائرات آريز (إي.بي-3) للهجوم الاكتروني.

وبالإضافة إلى الأسلحة المذكورة أعلاه، هناك أكثر من 50 نوعا من القذائف والصواريخ الأميركية المخزّنة لتستخدمها قوات (الناتو) "لتحمي المدنيين في ليبيا"، كما أن استخدام هذه الأسلحة غير شرعي حتى اللحظة بناء على القانونين الأميركي والدولي لأنه قد نتج عن ذلك قتل وتشويه أو جرح حوالى 7800 مدني ليبي في الفترة الواقعة بين 29 آذار/ مارس و 9 آب/ أغسطس 2011.

وتؤكد إحصائية حول المواقع التي قصفتها قوات (الناتو)، وحملات التفتيش البرية، والأرقام التسلسلية المفهرسة للذخائر غير المنفجرة، وفحص شظايا القذائف والصواريخ في المواقع المدنية في ليبيا الغربية، والتشاور مع مصادر عسكرية ليبية، ذلك كله يؤكد ما سلّم به موظفو مجلسي الشيوخ الأميركيين في لجنة الخدمات المسلحة وعدد من المحامين الدوليين بشأن أن (الناتو) قد فعل كحلفائه الإسرائيليين في قانا بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قرية الماجر بليبيا يوم 8 آب/ أغسطس 2011.

ويعتبر حلف (الناتو) المتهم في ارتكاب الجرائم التالية ضد المدنيين في ليبيا بحسب ما أجمع عليه أفراد حضروا عدد من اللقاءات التي تزايدت فيها أعداد المحامين الدوليين ومؤيدي حقوق الإنسان الذين يزورون ليبيا قادمين من أوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية وأميركا الشمالية.
والقانون الدولي القابل للتطبيق يتضمن المادة رقم 3 من قانون المحكمة الجزائية الدولية في لاهاي ولكنه ليس محصورا بها. وتطرح هذه المادة أحد معايير الاتهام لارتكاب جرائم الحرب بوضوح، والمعيار هو: "أي هجوم أو قصف، بأي وسيلة كانت، ضد المدن أو البلدات أو القرى أو الأبنية أو البيوت غير المحمية".

كما أن استخدام (الناتو) المستمر للأهداف المدنية بغية تنفيذ أهداف عسكرية مطابق تماما  للسيناريو الذي يسمّيه حلف (الناتو) بصورة جائرة وقاسية "الضرر الملازم"، ويمكن أن يكون حجر الأساس لقضية تتهم هذه المنظمة لارتكابها جرائم حرب.

إن هذه المجزرة تعد أيضا مخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة والتي ورد في مادتها الثالثة، الفقرة (أ) ما يلي: "حتى الآن ستكون الأفعال التالية ويجب أن تبقى محظورة في أي زمان ومكان ولأي سبب كان على الأشخاص المذكورين سابقا: العنف ضد الحياة والإنسان، وخصوصا الجرائم بكافة أنواعها".

وفي ما يلي دوافع مماثلة قدّمها محامون أميركيون من مركز الحقوق الدستورية ومقره نيويورك ضد مسؤولين إسرائيليين عام 2006، علي سعدالله بلحس (المدعي) وموشيه يعالون (المدعى عليه). وقد تركت هذه القضية بصمتها في المجتمع القانوني الدولي والعالم بشأن ضرورة نزع الحصانة عن الخارجين على القانون حول العالم وإقامة الدعاوى القضائية محليا وفي المحاكم الدولية على حد سواء.
أما مجزرة (الناتو) في قرية الماجر فتتطلب دعاوى قضائية دولية لتحقيق ذلك كحد أدنى.

فرنكلين لامب موجود في ليبيا ويمكنكم التواصل معه عبر بريده الالكتروني   fplamb@gmail.com

 

لقراءة المقالة باللغة الإنكليزية إضغط هنا