سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف لا نتطلع اليوم إلا لأن تكون الجامع لكلمة المسلمين في هذا الوطن على صورة الأزهر الشريف، حيث تتلمذت.
"إن العلاقات بين الشيعة والسنة ليست على ما يرام، وأنا على يقين أن أحدا منا سواء أكان رجل دين أو سياسيا ما قصد الإساءة إلى وحدة المسلمين أو اللبنانيين، لكن وقعت الواقعة، وتفاقمت النزعة المذهبية والطائفية... ولا علة لذلك غير الطغيان والتطرف: فهل نقعد عن أداء واجب المبادرة".*
لم نكن لنتأمل أكثر من لحظة "مصارحة بقصد مصالحة". سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف لا نتطلع اليوم إلا لأن تكون الجامع لكلمة المسلمين في هذا الوطن، على صورة الأزهر الشريف، حيث تتلمذت. يا شيخنا لقد وضع الفاطميون، وهم إسماعيليون شيعة، اللبنة الأولى لتشييد مسجد الأزهر. وعمل المماليك، الحنفيون السنة، على ترميمه واستعادة مكانته. كما حافظ العثمانيون الشافعيون، على احترامه وإلتزم أمراءهم صلاة الجمعة فيه. فكان الأزهر نتاج تراكم المذاهب الاسلامية مجتمعة، وتكرس كمعلم إسلامي جامع.
سماحة المفتي، لقد استبد بالأمة جهّالها. وعلت لغة التكفير، حتى سادت. الخطاب الديني بات يهدد وطننا، يُجيَّر وفق مصالح السياسيين. شعبنا الذي جمعه الفقر والحرمان والتهميش، شرذمته خطابات التحريض باسم الدين. الخطاب الديني يا سماحة المفتي، قسم الناس، وفرّق بينهم. ضلل قسماً منهم، وكفّر آخرين، ثم كان وقوداً لتقاتلهم. يا شيخنا، إن خطاب معممي بلادنا شق الصفّ ورسّخ العصبية الطائفية وشرعن قتل الأبرياء، باسم الله!
لقد انتهك الإرهاب محرماتنا وأساء لنا. خطابات التحريض أدت إلى استهداف مساجدنا ومقدساتنا ومجدت قتل الأبرياء من أبنائنا. في شمال لبنان، أردى الإرهاب حوالي 50 شهيداً باستهدافه صلاة الجمعة في مسجدي التقوى والسلام. وقضى على أكثر منهم في تفجير جامع جامرود في باكستان. وهو الإرهاب نفسه، الذي نبش قبر الصحابي الجليل حجر بن عدي في عدرا السورية. وفجّر مسجد النبي يونس(ع) ومقامي العباس (ع) والسيدة زينب (ع) في الموصل. "فقه الإجرام" أباح تعليق الرؤوس بعد قطعها في الرقة السورية، وأكل القلوب، وقطع أيادي الأطفال في حلب السورية وتكريت العراقية، وقُطع أذان أئمة المساجد. لقد نال الإرهاب من أحد كبار علماء العالم الاسلامي العلامة محمد سعيد رمضان البوطي، فأرداه شهيداً في محرابه في مسجد الإيمان.
هل أنصتَ يا سماحة المفتي للبرلمانية العراقية، فيان دخيل، التي تحدثت بلسان الايزيديين، فقالت: "نذبح تحت راية لا إله إلا الله"؟ هل تحسست وجعها ووجع المسلمين من الصورة السيئة التي ألحقتها بهم التصرفات المشينة للتكفيريين؟ باسم الإسلام، يا مفتي ديارنا قتل 500 ايزيديين، ودفن بعضهم أحياءً في سنجار العراقية.
وباسم الدين تم تنفيذ تطهير جماعي بحق 100 ألف من مسيحيي الموصل، بعد تخييرهم بين الدخول في الإسلام ودفع الجزية، أو الخروج من المدينة التي تعايش فيها المسلمون والمسيحيون جنبا إلى جنب منذ نشأتها. وهو الفكر نفسه الذي استباح كنيسة سيدة النجاة في بغداد وقتل وجرح المئات ممن كانوا في داخلها.
نعم، إن "ديننا، دين الإعتدال والتسامح والعيش المشترك"، كما جاء في خطابك. لذلك، نناشدك بأن تكون الضامن لما تبقى من صوت اعتدال، وأن تكون الحريص على ألا يخرج الخطاب الديني عن التسامح، إلا في مواجهة إحتلال أو تكفير.
لا نريد تطرفاً ولا غلواً ولا انعزالاً ولا تشدداً. لا نريد لفتنة أن تحرق وطناً قدمنا خيرة شبابنا من أجل دفع الظلم والاحتلال عنه... أبناؤنا أخذوا على عاتقهم التصدي للتطرف لأن في إمتداد لغة التكفير موت للجميع، وآثروا مشروع الوطن على مشاريع الفتنة والخيانة والاحتلال.
يا سماحة المفتي إن المسؤولية الملقاة على عاتقك كبيرة وهي تتعدى حدود لبنان، لأن التطرف استُجلب من وراء الحدود، فاستبد برعاته. فلا تسوية إلا لتوحيد الكلمة ضد التطرف، الذي لا يتلاقى مع أحد، ولا مكان لإلغاء أو إقصاء في لبنان، البلد الذي يحتضن 18 طائفة.
نحتاج أن يكون خطابك جريئاً في تسمية خارطة الإرهاب، من يعيد ترسيم فتاوي التكفير من نصوص التراث؟ ومن يفخخ بها عقول أبنائنا؟ ومن يحولنا إلى قتلة ومقتولين باسم الدين؟
تنتظرك خارطة شديدة التعقيد، ونأمل أن تتمكن من القيام بواجب المبادرة ، ونثق أن هذا السؤال الذي طرحته في خطابك الأول "فهل نقعد عن أداء واجب المبادرة؟" سيكون أمانة نصب عينيك.
*الكلام للمفتي عبداللطيف دريان في أول خطاب له بعد انتخابه مفتياً للجمهورية اللبنانية.