27-11-2024 06:32 AM بتوقيت القدس المحتلة

جبهة النصرة ترتب أوراق بيتها في زمن الخيارات الصعبة

جبهة النصرة ترتب أوراق بيتها في زمن الخيارات الصعبة

تبدلت كثيراً جبهة النصرة وهذا ما ظهر جلياً في خطابها الأخير، مع إعلانها "تحكيم الشريعة" في المناطق التي تسيطر عليها، وهذا يعد تبدلاً في أولويات هذه الجبهة، كونها كانت ترجئ هذا الأمر بحجة أن لا تحكيم في زمن الحرب.

احمد فرحات

لم يكن إقصاء المفتي الشرعي العام لجبهة النصرة المدعو ميسر الجبوري والملقب بـ "أبو ماريا القحطاني"، حدثاً عابراً في مسيرة هذه الجبهة المرتبطة بشكل أساسي بتنظيم القاعدة العالمي.


فزعيم النصرة أبو محمد الجولاني وبعد التخلص من منافسه صاحب الكاريزما بين المقاتلين أي الجبوري، يريد إعادة بناء جبهته الوليدة من رحم تنظيم داعش، بعد الانتكاسات التي منيت بها على أكثر من محور، خصوصاً في دير الزور ومدينة الشحيل.

وبحسب العديد من التقارير الإعلامية خصوصاً تلك التي تناقلتها المنتديات الجهادية، فإن الجبوري كان رأس الحربة في حرب داعش، ومن أشد المتحمسين لمقاتلتها، كونه هو الآخر فارٌ من العراق ابان ما كان يسمى "دولة العراق الإسلامية"، بعد خلاف مع زعيم داعش أبو بكر البغدادي، قيل إن سببه مالي.

وبعد أفول نجم الجبوري إلا من بعض التغريدات على حسابه على موقع "تويتر"، برز إلى الواجهة المدعو سامي محمود العريدي والملقب بـ "ابو محمد الشامي"، في منصب المفتي الشرعي العام لجبهة النصرة، وهو بالمناسبة محل إشادة وتقدير شديدين من الجولاني، كما أنه يعتبر من منظري فكر تنظيم القاعدة.

سامي العريديمن هو سامي العريدي

العريدي رجل دين اردني الجنسية، يعتبر المرجعية الشرعية لجبهة النصرة حتى قبل تعيينه في منصبه الجديد، كما أنه يعد من واضعي منهج وعقيدة الجبهة.

ولد في عمان سنة 1973، ونال الدرجة الجامعية الأولى في علوم الشريعة من الجامعة الأردنية. وفي سنة 1994 واصل دراسته في الجامعة ذاتها لنيل درجة الماجستير في الحديث، والتي حصل عليها فعلا سنة 1997. وفي سنة 2001 نال درجة الدكتوراه في الحديث، وله مؤلفات حول ابن تيمية.

ونصح الجولاني في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية، بمتابعة كلام العريدي، في إشارة تعكس مكانة هذا الرجل المرموقة في جبهة النصرة وعلى مستوى تنظيم القاعدة بشكل أعم.

يرفض العريدي العمل السياسي القائم على الديمقراطية، بوصفه "مخالفة للنظام الاسلامي".

وعن هدف الجبهة يقول العريدي "سوف نعمل بعد اسقاط النظام مع أهل الشام على تحكيم شرع الله وإقامة الدولة الاسلامية حتى ينتشر العدل والرخاء في هذه البلاد"، وقال في أحد السجالات "الحياة في الجبال والكهوف في ظل حاكمية الشريعة خير من الحياة في القصور في ظل غيرها". ويرفض العريدي ما يسمى "ميثاق الشرف الثوري" الذي وقعت عليه بعض الجماعات المسلحة وأبرزها الجبهة الإسلامية، بوصفه "مخالف شرع الله ولا يقوم على حاكمية الشريعة".

الايدولوجيا أولاً

تعيين "ابو محمد الشامي" في هذا المنصب، يحمل في طياته أبعاداً داخلية وأخرى خارجية، تبدأ من تمتين الروابط داخل جبهة النصرة، وليس انتهاءً بالعلاقة مع داعش والجبهة الإسلامية.

تسعى النصرة إلى استعادة مجدها بالنسبة إلى المقاتلين الأجانب، الذين كانوا يرون فيها "أمانة المنهج"، غير أنهم وبعد إعلان الدولة من قبل البغدادي، باتوا يفضلون الدولة على الجبهة، بإعتبار أن الأخيرة أجلت تحكيم الشريعة، وباتت تتعاون مع الجماعات الأخرى بغض النظر عن خلفياتها الفكرية والأيديولوجية على حساب إقامة الدولة.

فكان أحد أهداف اختيار الشامي اجتذاب المقاتلين الأردنيين والعرب بالدرجة الأولى كونه أردني، والأجانب من خلال الإعتماد على خطاب ايديولوجي، خصوصاً وأنه (الذي يحاول تقليد عبد الله عزام في ملبسه ومظهره وحديثه وخطابه) ميال لتحكيم الشريعة والاستعجال في تطبيقها، وتقديمها على "دفع الصائل"، الفكرة المعتمدة من قبل النصرة على أيام القحطاني.

كما ان علاقة هذا الرجل المميزة بالقيادات السلفية الموجودة في الأردن كـ"أبو محمد المقدسي"، و"أبو قتادة"، و"أياد القنيبي"، تسهل هذا الهدف.

تنظيم القاعدة في بلاد الشاموبالنسبة إلى قتال داعش، فإن عزل القحطاني كونه كان شخصية مكروهة من قبل أبو بكر البغدادي، قد يكون رسالة تسعى النصرة من خلالها إلى نزع فتيل التوتر واحتواء المواجهة معها، بحسب ما ذكرت تحليلات إعلامية محسوبة على التيار المتشدد، كون التنظيمان من أم واحدة وهي القاعدة، والخلاف الأساسي بينهما هو تنظيمي بحت.

ويطرح تعيين العريدي وعزل القحطاني تساؤلات عديدة حول العلاقة المرتقبة مع "الجبهة الإسلامية" التي وقعت على "ميثاق الشرف الثوري"، مع مؤشرات تدل على أن النصرة تتجه إلى استراتيجية جديدة وتميل خلالها إلى العمل بشكل منفرد لتعزيز نفوذها ومساحة سيطرتها بالتوافق مع ايديولوجيتها، على حساب التعاون الميداني مع الجماعات الأخرى.

كما أن الإعلان عن قيادة عسكرية جديدة للجماعات المسلحة والتي ضمت 17 جماعة من بينها كتائب منضوية تحت لواء الجبهة الإسلامية (جيش الإسلام وصقور الشام)، وغاب عنها لواء التوحيد وحركة أحرار الشام (مؤسسها أبو خالد السوري رفيق بن لادن وايمن الظواهري)، يعد بمثابة تهديدات للنصرة بحال غيرت تعاونها مع الجبهة الإسلامية، لا سيما وأن هذا الإعلان جاء بعد خطاب الجولاني الداعي إلى إنشاء إمارة على أرض الشام.

وليس من الأكيد أن تنزلق الأمور بين النصرة والجبهة إلى المواجهة المسلحة، غير أن الواضح أن مرحلة التعاون الميداني بين الطرفين قد ولت، خصوصاً أن القحطاني كان يدعو إلى التعاون ويطالب بضرورة الحوار مع الموقعين على "ميثاق الشرف الثوري"، بعكس العريدي.

ويبدو أن جبهة النصرة ستتجه إلى مزيد من التشدد، وقد حددت خياراتها - نحن تنظيم القاعدة و"لنا في حركة طالبان آية"، بحسب ما يقول العريدي.

الخطاب الأول

ابو فراس السوريتبدلت كثيراً جبهة النصرة في الآونة الأخيرة، وهذا ما ظهر جلياً في الخطاب الأول للمدعو "ابو فراس السوري" كمتحدث رسمي للجبهة، حيث شدد على أن جبهته تريد "تحكيم الشريعة" في المناطق التي تسيطر عليها، وهذا يعد تبدلاً في أولويات هذه الجبهة، كونها كانت ترجئ هذا الأمر بحجة "أن لا تحكيم شريعة في زمن الحرب".

ودعا أبو فراس في لقائه المسجل مع مؤسسة المنارة البيضاء التابعة لجبهة النصرة الفصائل الأخرى إلى الإنضمام إلى هذا المسعى، وقال "كل من يريد مشاركتنا في إدارة المناطق وفق شريعة الله ورفض المشاريع الغربية فعلى الرحب والسعة".

من هو أبو فراس السوري

اسمه الحقيقي رضوان نموس، وهو من مواليد دمشق في العام 1950، والتحق بالكلية الحربية وتخرج برتبة ‫‏ملازم عام 1970، وسرح من الخدمة بعد 9 سنوات بسبب اشتراكه في "مجزرة المدفعية" في حي الراموسة في حلب والتي قضى فيها عشرات الطلاب العسكريين، كونه كان يعمل سراً مع تنظيم "الطليعة المقاتلة" التي قاتلت في سوريا أواخر السبعينات، حيث كان يعمل مدرباً للمسلحين.

سافر إلى أفغانستان عام 1981 وقام بتدريب عدة دورات عسكرية للافغان وللعرب القادمين الى القتال هناك، وكان مقرباً من زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وشكل "جماعة الدعوة"، التي تولى بن لادن تمويلها، بينما دربها هو بنفسه، ثم التقى مع أبي مصعب الزرقاوي واتفقا على بدء العمل في بلاد الشام، كما ذهب إلى اليمن عام 2003، حيث بقي هناك حتى عودته إلى سوريا عام 2013، اثر الخلاف المعروف بين النصرة وداعش.

ويعتبر السوري من المقربين لأيمن الظواهري، وأحد القادة المعروفين والمعتبرين لدى تنظيم القاعدة وعناصره.

وتريد جبهة النصرة من تعيين أبو فراس في الواجهة الإعلامية لها، وابو محمد الشامي على رأس قيادتها "الشرعية" تأكيد هويتها القاعدية. وبعد الكشف عن اسم مسؤولها العسكري "ابو همام السوري"، يبدو أن النصرة تريد الإعتماد على العنصر المحلي في قيادتها، على خطى داعش، ذو القيادة العراقية البحتة.