على موائد الافطار والسحور في شهر رمضان الكريم يجتمع الاقارب والاصحاب في جوّ من الإلفة والمودة تعويضاً للاوقات الضائعة التي أمضوها بعيداً في الإنشغالات والأعمال
على موائد الافطار والسحور في شهر رمضان الكريم يجتمع الاقارب والاصحاب في جوّ من الإلفة والمودة تعويضاً للاوقات الضائعة التي أمضوها بعيداً في الإنشغالات والأعمال. طيلة ايام الصوم تنهمك ربّات المنازل في التحضير ووضع برامج وجبات الافطار التي تغني ولا تسمن من جوع. جوع قد يضرب اطنابه عند الصائمين هذا العام يرافقه ظمأ يجفف ريق الصائم لساعات طويلة لمصادفته وحرارة الصيف ولهيبه. المهمة تبدو صعبة هذه السنة الا انها ليست بمستحيلة، خصوصاً اذا ما التزم الصيّام نصائح اهل الغذاء لحفظ صحة أجسامهم وضمان راحتهم. نصائح تركز على ضرورة مراعاة المعدل الصحيح لكميات الغذاء التي تدخل الجسم من وقت الإفطار حتى السحور، الأمر الذي يساهم في تحقيق معادلة "صوموا تصحّوا" ويوفّر على الصائم معاناة التخمة ومفاعيلها ولعلّه في ذلك ايضاً يضاعف رصيده من حسنات هذا الشهر المبارك.
يحلّ رمضان الكريم هذه السنة في عز موسم الحرارة ما يعني جوعاً مضاعفاً وعطشاً ايضاً، خصوصاً وأن ساعات الصيام قد تتعدّى الـ16، وهي مسافة زمنية كفيلة بتجويع معدة الصائم وتجفيف جسمه بسبب الحرّ الشديد. وتشكّل مسألة العطش الطامة الكبرى خصوصاً في مثل أيامنا الملتهبة بحرارة آب التي تستطيع امتصاص مياه الأجسام واستنفادها في التعرّق ما يفقدها الأملاح وبالتالي القدرة على التحرك والعمل. هذا ويتكون جسم الانسان من 70 في المئة من الماء وللوصول الى ما يحتاجه من هذه المياه يجب شرب كميّة وافرة في الفترة الممتدة من الافطار حتى السحور. وتكمن أهمية السحور في تزويد الجسم بالطاقة التي يحتاجها وإراحته طيلة النهار على ان يتمّ خلاله تناول الفاكهة مثل الموز أو التمر وشرب الحليب أو العصير الطازج والماء. أما اذا أكثر الصائم من أكل فطائر الجبن والحلويات والاملاح فانها تزيد من حاجة الجسم الى الماء وتصعّب الصوم لاسيّما السهر حتى الثالثة صباحاً اذ يظلّ الشخص عطشاً ومتضايقاً وخمولاً طيلة النهار. وكذلك الأمر اذا شرع على السحور في التدخين والاكثار من شرب القهوة او تناول الطعام الدسم المالح والحلويات فانه سيقضي نهاره جاف الفمّ ومرتبك المعدة يرافقه صداع أليم. لذلك نصح أهل التغذية بالاكثار من تناول الفاكهة والخضر وتناول الاطعمة الخفيفة بدون دسم وشرب الكثير من الماء وممارسة التمارين الرياضية بعد الافطار ليستطيعوا الاستمرار مرتاحين طيلة فترة الصوم.
يعود التركيز على الرطب والتمور في شهر الصوم لفائدتها الغذائية لجسم الانسان ولعلّ من أولى منافعها احتواءها على سكّر الفواكه الذي ينشّط حركة الأمعاء فيليّنها ويكافح الامساك، بالاضافة الى مواد سكرية أخرى سهلة الامتصاص بنسبة عالية تمنح الجسم الطاقة الحرارية التي يحتاجها. هذا وأثبت الطب الحديث أن التمور تحتوي ايضاً على الفيتامين(أ) لذي يحفظ رطوبة العين وبريقها ويقوّي البصر والرؤية ويعالج بعض الامراض الجلدية مثل الاكزيما والصدفية. كما أثبت مفعوله كمهدئ للأعصاب لما له من تأثير على الغدّة الدرقية، كما انه مقوّ للرحم عند الولادة حيث انه ينبّه حركته وانقباضاته وقد أشير به على السيدة مريم عليها السلام ان تأكله ليغذيها من جهة ويزيد من انقباض الرحم من جهة أخرى فتضع وليدها بسهولة.
نصائح .. للاصحاء :
مع اقتراب شهر رمضان، ينشغل الصائمون بالتفكير في كيفية تأديتهم فريضتهم في شهر "آب اللهّاب" وانقطاعهم عن شرب الماء والسوائل خلال يوم كامل وطويل خشية الجفاف الذي يمكن ان يصيب اجسامهم، وخصوصاً انه ينصح عادة بشرب ليتر ونصف الليتر في اليوم على الأقل. يجتهد الاطباء واختصاصيو التغذية بالتوعية والتحذير من مهبات اهمال الغذاء والشراب والانزلاق الى عالم الدهون والحلويات والمقالي وعدم شرب الماء الكافي. زد عليه اهمال النظافة الشخصية والعامة لما تحمل من بكتيريا وفيروسات تطيح صحة الصائم وتصعب مهمته في جو تكثر فيه الامراض الصيفية مثل التسمم الغذائي والاسهال والاستفراغ. ولتفادي ذلك على الصائم العمل بتعليمات النظافة والوقاية مثل الاغتسال والاستحمام عدّة مرات يومياً بسبب التعرّق وغسل اليدين قبل تحضير الطعام وبعده وغسل الأواني والخضر والفاكهة وتعقيمها جيّداً قبل وبعد الاستعمال وتخزين الطعام المتبقي بعد الافطار مباشرة في البراد لمنع تكاثر البكتيريا المتسبّبة بالتسمم الغذائي.
كما ينصحون بعدم تناول الأطعمة الدسمة عند الافطار لتفادي التخمة وعدم التنويع بالأكل لمنع السمنة، خصوصاً منها النشويات والدهنيات والحلويات والمشروبات المحلاة مثل قمر الدين والجلاّب وتقسيم الوجبات على مراحل زمنية متفاوتة لتفادي تخمة المعدة والأمعاء، والإكثار من الفاكهة والخضر لاحتوائها على الألياف التي تساعد الأمعاء على الهضم.
ويركّز الاطباء عامة على أهمية ممارسة الرياضة كالمشي للمساعدة على الهضم وحرق الدهنيات والسكريات، بالإضافة الى ضرورة شرب الماء بكمية ليترين وأكثر لتعويض خسارة السوائل من الجسم خلال أوقات الصوم اذ ليس هناك من طريقة اخرى لتفادي العطش بالنهار سوى شرب الماء كل نصف ساعة او ساعة بعد الافطار حتى الصبح واحياناً يجب ان يعتاد الصائم ان يستيقظ بالليل لشرب الماء. أما التساهل والاستهتار يؤدي الى الاصابة بالمرض وعوارضه ضيق نفس مع نفخة والاسهال والاستفراغ وفي بعض الاحيان انحطاط وضعف عام في الجسم مع نعاس وعدم القدرة على الحركة الطبيعية.
نصائح غذائية :
يُنصح في الايام العادية باتباع نظام صحي متكامل وبشرب ليتر ونصف ليتر من الماء يومياً بغض النظر عن المناسبة او الطقس، فكيف بالاحرى في زمن الصوم والحر الظالم؟ لذلك تشدّد اختصاصية التغذية ربى سمعان على أهمية شرب الماء قبل تناول اي شيء ووجوب شرب نحو ليترين في الفترة الممتدة بين الافطار والسحور، وذلك بتقسيمها على مراحل لتزويد الجسم بالكمية الكافية لتفادي العطش ولتعويض ما خسره خلال النهار من أملاح معدنية بسبب التعرّق والتبخّر.
كما تنصح سمعان بتقسيم الوجبات وعدم تناول كل شيء مرة واحدة ليتسنّى للجسم امتصاص المغذّيات والفيتامينات وضرورة الجلوس بارتياح على المائدة والأكل بتمهّل كي لا تتعب المعدة بسبب عسر الهضم. ولمنع الإفراط بالأكل على الصائم ان يستهلّ إفطاره بالسلطات وشوربة الخضر لغناها بالألياف ومنحها الاحساس بالشبع. اما تناول حبتيّ تمر في البدء لا أكثر فهو ضروري لتهيئة المعدة لاستقبال الأكل وتزويد الجسم بالطاقة والنشاط، كما انه في المقابل من الضروري الابتعاد عن المشروبات المحلاّة مثل السوس لأنها تحتوي على وحدات حرارية كثيفة واستبدالها بالماء او الشاي او النعناع. وبما ان المائدة الرمضانية تكون حافلة بالمأكولات يجب التنبه الى طريقة تحضيرها بشكل صحي لحفظ ما فيها من فوائد وإبعاد سيئاتها، فبدلاً من قلي المعجنات مثلاً يحبذ اعتماد الشيّ لتفادي الدهون او استبدالها بالمتبلات مثل الحمص والفول والباذنجان لاحتوائها على البروتيين والحديد وقلّة سعراتها الحرارية.
الى ذلك ينصح خبراء التغذية بالابتعاد عن التنويع الذي يسبّب السمنة، مفضلين تحضير طبق أساسي واحد بطريقة صحية خالية من الدهون والسمن والزبدة للحفاظ على صحة جيدة. هذا وتشكّل ممارسة الرياضة يومياً بعد ساعة من الإفطار عاملاً مساعداً في عملية الهضم وحرق الوحدات الحرارية وبالتالي تفادي زيادة الوزن. أما الحلويات فيجب تناولها بعد ساعتين من الافطار، على ان تكون كميات قليلة جداً والافضل ان تكون مخفّفة الحلاوة (Diet), وكذلك الحال بالنسبة الى الفواكه التي يجب ان تشتمل على حصّتين فقط تقسم الى دفعتين مثلاً تفاحة واحدة او عشر حبات كرز او كوب عصير طازج. وكما في الافطار كذلك على السحور، يجب على الصائم عدم تناول المأكولات الدسمة مثل الكعك بجبنة او الحلويات والمعجنات والاكتفاء بسندويش من اللبنة او الجبنة مع شاي او زهورات.
...وللمرضى :
تشكّل التخمة مشكلة كبيرة تواجه معظم الصائمين لأن وقعها عسير في الصيف على الانسان اذ إن تزويد الجسم بكمّ كبير من الوحدات الحرارية يساهم في رفع حرارته ومنحه الإحساس بالحرّ والكسل لاسيّما عند اصحاب الامراض المزمنة مثل غسل الكلي والضغط والسكري وغيرها. وتنصح الدكتورة ندى الريس اختصاصي امراض كلى وضغط هؤلاء المرضى بالاجمال بعدم الصوم الاّ اذا راجعوا طبيبهم الخاص وتمكن من اختصار حبوب الدواء الى حبة واحدة تؤخذ في المساء. أما مرضى غسل الكلي فمن المستحيل ان يصوموا لأنهم يجب ان يأكلوا ما يحبون من اطعمة خلال جلسات الغسيل الوقت الوحيد الذي يمكنهم من ذلك لاسيما ان معظمهم ينتظر هذا الوقت ليتناول ما يحلو ويطيب له من مأكولات ممنوع عنها. كما ان حبوب الدواء الخاصة لهم كثيرة ولا يمكن استبدالها بحبة واحدة ابداً. وتضيف الريس "ان مرضى الالتهابات في الكلوة ووجود البحص او الرمل عليهم تناول كميات كبيرة من الماء حتى لا يصابوا بالجفاف وادويتهم المضادة للالتهابات يجب ان تؤخذ اكثر من مرة واحدة بالنهار". وتلفت الريس "ان هؤلاء المرضى الذين يتغاضون عن تعليمات الطبيب او عن اخذ الداوء يمكن ان يتعرضوا للنقص بالسكر (Hypoglycemia) او انخفاض ضغط الدم (Hypotension) او الجفاف (Dehydration). وفي هذه الحالة يجب مراجعة الطبيب فوراً والتوقف عن الصوم والبدء باخذ الامصال او تناول النشويات حسب ما ينصح به الطبيب لاسترجاع التوازن".
"قمر الدين" سيّد المائدة :
تمتلئ الشوارع في الشهر الفضيل ببائعي المشروبات المحلاة المتنقّلين التي يشتهر بها شهر رمضان. يتراكض عليهم الكبار والصغار لينعشوا قلوبهم بعد نهار شاق وحار من الصيام، منهم من يطلب عصير قمر الدين ومنهم من يطلب عصير الخروب او التمر الهندي وآخرون يريدون السوس. وتُعرف هذه المشروبات بمنافعها الغذائية التي تقي الشخص من الأمراض وتمنع العطش وتزوّد بالفيتامينات والمعادن والالياف والاملاح المعدنية. جميعها يحتوي على فيتامين أ وب1 وب2 وس بالاضافة الى الالياف التي تساعد على الهضم وتقي من الامساك كما تحتوي على السكريات السهلة الهضم التي تعطي طاقة وتقوي الأمعاء. لكلّ من مكونات هذه العصائر فوائدها وميزاتها، شرط عدم الاكثار من السكر فيها والاّ عدّلت بين فوائدها وسيئات الوحدات الحرارية الزائدة .المشمش مثلاً يعزّز الكولاجين بالجسم ويقوي الجلد، والسوس يعالج البحّة الصوتية والروماتيزم والخروب يفتح الشهية ويدرّ البول والتمر الهندي يعدّل حموضة المعدة ويقوّي الدم لاحتوائه على الحديد.
لعصير "قمر الدين" تاريخ قديم يربطه بشهر رمضان المبارك يرجع الى ايام الدولة الأموية، وقد عُرف كثيراً في الشام حيث اشتهر أهله بتجفيف المشمش الطبيعي ليكون قمر الدين بالاضافة الى تصنيعه وتحويله الى عصير واستعماله في الكثير من الحلويات. وهو يُحضّر كثيراً في رمضان ليشربه الصائم قبل الافطار لفوائده الكثيرة أبرزها احتواؤه على نسبة كبيرة من الالياف التي ترطّب الامعاء وتمنعها من الالتهاب وتنظّف القولون فتعالج الامساك وتحافظ على صحة الجهاز الهضمي. ويمكن تناول 3 حبات من المشمش الطبيعي باليوم أو100 غرام من عصير قمر الدين. وشرب عصير قمر الدين او تناول المشمش الطبيعي بقشره يساعد المعدة على الهضم ويسكّن العطش كما يمدّ الجسم بما خسره من معادن وفيتامينات أثناء فترة الصيام. كما تتسّع لائحة فوائد المشمش المجفّف او قمر الدين لتشمل تقوية جهاز المناعة وفتح الشهيّة ومنح حيوية ونشاط وزيادة قوة الدم لاحتوائه على الفيتامين أ وب1 وب2 وس إضافة الى الحديد والكالسيوم والفوسفور والمغنيزيوم. هذا إضافة الى تقويته شبكة العين وتحسين البصر ودوره في بناء العظام والأسنان ومعالجة البثور الجلدية وكونه مضاداً للتأكسد فهو يحافظ على صحة القلب وبنية الكولاجين بالجسم ويخفّف التجاعيد والتشققات ويقوي خضاب الدم والاعصاب والشعر ويغذي الدماغ وينظّف البشرة. وينصح لمرضى السكري عدم الاكثار منه وعدم زيادة السكر اليه كعصير.
التمر الهندي والسوس :
لكل مناسبة تقاليدها وعاداتها. ولرمضان تحديداً تقاليده الخاصة ان لناحية الطقوس الدينية او لجهة السلوك الغذائي من المأكولات المتنوعة على وجبة الافطار الى الفواكه والعصائر من عصير "قمر الدين" الى المشروبات المحلاة مثل السوس والخروب والتمر الهندي.
يزدهر عمل "السواس" في شهر رمضان ويكثر زواره كباراً وصغاراً ومسنّين ويشتهر السوس بحلاوة مذاقه وبرودته وكونه مليّنا ومدرّا للبول وعلاجا للبحّة الصوتية ومقوّيا ومنقّيا للدم. وهو يمتاز إضافة الى ذلك بفوائد كثيرة مثل احتوائه على الاملاح المعدنية البوتاسيوم، والكالسيوم والمغنيزيوم والفوسفات ولاسيما مساعدته في التخلّص من قرحة المعدة والحرقة والرشح والسعال. زد عليه افادته بشفاء الروماتيزم وتشمّع الكبد بترميمه كما انه يفتح الشهية ويساعد على الهضم وينشّط الجسم ويخفّف من الاصابة بتصلب الشرايين لاحتوائه على مضادات الأكسدة الفلافونويدز. في المقابل لا يُنصح بتناوله لمرضى السكري لشدّة حلاوته ومرضى ارتفاع ضغط الدم ولكنه يُستعمل في صناعة عدة أدوية.
في الزمان الغابر صنعت البادية من الخروب ربّاً وجعلته وجبة رئيسية لهم لمساعدتهم على العيش في الصحراء القاحلة ومحاربة العطش والجوع. هذا لإحتوائه على 50ـ70% مواد سكرية ودهون ونشا وبروتين وفيتامينات وأحماض اليابس منه يقوي المعدة وعصيره مسهّلاً لها ومطهّراً للأمعاء. كما يحتوي على البوتاسيوم والكالسيوم والنيكل والمنغنيز والفوسفور والباريوم والحديد الى جانب الفيتامينات أ، ب1، ب2، ب3 ود. ويُنصح للأمهات المرضعات لأنه مدرّ للحليب ومعزّز لقوته الغذائية وايضاً لمن يريد التخلّص من الماء الزائد بالجسم لأنه يزيد إدرار البول لاسيّما معادلة الحمضية في الامعاء وامتصاص بعض السموم والأعفان فيها.
أما التمر الهندي او التمرين الذي يزيّن مائدة الافطار ويتفاخر الصائمون بتقديمه لطيب مذاقه. وهو يحتوي على نسبة كبيرة من البروتين والكربوهيدرات والمعادن وأقل الفاكهة بالماء وأكثرها حموضة (حامض الترتريك) والأسكوربيك (نوع من فيتامين س). ويمتاز باحتوائه على نسبة كبيرة من الفوسفور الى جانب الكالسيوم والحديد وفيتامينات ب1، ب2، والنياسين وأ و س. وكذلك الأمر فهو مدرّ للبول ومليّن للأمعاء ومضاد لمرض الاسقربوط وهو مرخّص في دستور الأدوية البريطاني والأميركي لاستعماله في الكثير من المستحضرات الطبية والغذائية.