تعكس الأصوات المنفّرة التي تطالعنا كل يوم متمنيّةً «محو فلسطين من الوجود»، حدّة الصراع الذي يعصف في الداخل الأميركي، بين اتجاهات الفاشية الجديدة المتمسّكة بدعمها «إسرائيل»، وريفرز أحد وجوهها
«هم البادئون. إنّهم يموتون، لأنّهم يستحقّون ذلك. لقد طلب منهم الخروج، لكنّهم لم يستجيبوا. إن لم تخرج فأنت غبي. الذين ماتوا كانوا يتمتعون بنسبة ذكاء منخفضة».
نور أبو فرّاج/ جريدة السفير
كان يمكن للعبارات السابقة أن تكون مجرد أسطر مقتطعة من سيناريو فيلم تؤديه الممثلة والمذيعة الأميركية جوان ريفرز (81 عاماً).
لكنّ كلام ريفرز لم يأت على محمل المزاح، بل جاء تعبيراً عن قناعتها القاطعة، خلال تصريح غاضب، ردّاً على أسئلة موقع TMZ المتخصّص بنشر أخبار المشاهير. فحين حاول فريق الموقع استطلاع رأيها إزاء ما يحصل في فلسطين، أجابت: الفلسطينيون كانوا يستحقون الموت، لأنّهم أغبياء.
شريط المحادثة الذي تمّ تحميله على «يوتيوب» في 7 آب/ أغسطس الحالي، انتشر بكثافة على الإنترنت. وتقول ريفرز فيه، إنّ من انتخبوا «حماس» هم «أغبياء لا يملكون حتى قلم رصاص». واستشاطت غضباً حينما حاول الصحافي من فريق TMZ تذكيرها بأعداد الضحايا المدنيين في الحرب الأخيرة على غزّة، إذ أجابت: «عودوا إلى القنبلة الذرية وما فعلناه لليابان. أنت لا تستطيع أن تبدأ حرباً ثم تعتذر، وتقول أنك آسف».
مجاهرة ريفرز برغبتها في موت شعب بأكمله، ووصفها الفلسطينيين بالغباء، تسبّبا بموجة استنكار واسعة، في وسائل الإعلام الأميركيّة، وحظي باهتمام كبير على مواقع التواصل. ذلك ما دفع بالممثلة لتنشر بياناً، تمثّل فيه دور الجدة المسكينة، وتزعم أن عباراتها اقتطعت من سياقها: «ما أقوله وأدافع عنه: أن الحرب جحيمٌ، والأبرياء يقعون ضحية الصراعات السياسية. نحن الأميركيين ما زلنا نشعر بالذنب إزاء ما حدث في هيروشيما وناغازاكي بعد 69 عاماً». وتضيف في البيان أنّها، إلى جانب كلّ «عاقل» في العالم، «تصلي من أجل السلام».
ظنّت جوان ريفرز أنها تستطيع التنصل من كلامها، لكنّ الحال لم تكن كذلك، خصوصاً أنّ تلك لم تكن المرة الأولى التي تطلق فيها تصريحات مشابهة. إذ سبق أن قالت للموقع ذاته، أواخر الشهر الماضي، تعليقاً على العدوان الإسرائيلي على غزّة: «يجب على «بي بي سي» و«سي أن أن» أن تخجلا من نفسيهما»، احتجاجاً على ما عدّته تعاطفاً من قبل القناتين مع أهل غزّة.
في الشريط الذي تعلن فيه رغبتها بموت جميع الفلسطينيين، تفقد ريفرز أعصابها، لتطلق شتى أنواع الشتائم واللعنات. لكنّ الوقوف عند رأيها المتطرّف والعنصري هو الجانب الأقل أهمية هنا، مقابل الاهتمام الإعلامي المكثّف بما قالته، سواء من منطق النقد أو التبرير.
إذ يبدو أن هناك توجهاً إعلامياً غربياً، اتضحت معالمه خلال العدوان الأخير على غزّة، يعطي الأولوية لرصد المواقف المتطرّفة ضدّ فلسطين، بعدما كان التستر عليها سائداً طوال سنوات. يأتي ذلك مع بروز خطاب إعلامي «متوازن» في الشكل، يدعم «إسرائيل» مع الحفاظ على صبغته «الموضوعيّة».
تعكس الأصوات المنفّرة التي تطالعنا كل يوم متمنيّةً «محو فلسطين من الوجود»، حدّة الصراع الذي يعصف في الداخل الأميركي، بين اتجاهات الفاشية الجديدة المتمسّكة بدعمها «إسرائيل»، وريفرز أحد وجوهها، وبين توجهات أكثر اعتدالاً بدأت تضيق ذرعاً بسياسات أميركا الخارجية ومن يدافع عنها. ذلك يعدّ إيذاناً ببدء حقبة إعلامية جديدة، صار فيها الموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، «بوصلة» عالمية، بعدما كان بوصلة في العالم العربي فقط..