26-11-2024 08:48 AM بتوقيت القدس المحتلة

لبنان: بين ثلاثية التحرير ومثلَّث التكفير

لبنان: بين ثلاثية التحرير ومثلَّث التكفير

لم يفقه البعض بعد أن دولة الخلافة المزعومة ممنوعة في لبنان



أمين أبوراشد

تصريحات المقرَّبين من الرئيس سعد الحريري أن لا إجتماع بسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الوقت الحاضر، تعكس ربما أن لا مادة داخلية مشتركة للبحث حالياً، لأن الرئيس الحريري بعد غياب ثلاث سنوات بحاجة الى ترتيب بيته الداخلي سواء داخل تيار المستقبل أو في الشارع السنِّي، وأن استحقاقات خاصة تنتظره قبل أن يُعيد التواصل مع الفرقاء اللبنانيين، سيما وأن السيِّد متواجد في عرينه، وما أوصَد يوماً الباب بوجه من يرغب أن "يحكي لبناني" بمواضيع لبنانية شاملة وجامعة، أو عربية وإسلامية تجمع ولا تفرِّق شرط أن تكون هناك جدِّية في الحوار، لأن الإستحقاقات الوطنية ما عادت تحتمل الدوار في حلقة مفرغة، شبيهة بطاولة الحوار التي ابتدعها الرئيس السابق ميشال سليمان لتكون من إنجازات عهدٍ لم يُنجز سوى المزيد من الإنقسامات في المجتمع اللبناني.

بصرف النظر عن المسوِّغات التي أعادت الرئيس الحريري الى لبنان عن طريق مطار بيروت وليس دمشق، فإن مجرَّد تغيير مطار العودة بحدّ ذاته يؤشر الى أن ثمَّة متغيرات على الساحتين اللبنانية والإقليمية، أبرزها أن التغيير الذي تمنَّاه البعض للنظام في سوريا لم يحصل ولن يحصل، وعلى هذا الأساس الواقعي يجب أن يكون الإجتماع مع سماحة السيِّد ليكون الحوار مُجدياً، علماً بأن الرئيس الحريري يجب أن يُعالج أموراً تُساعد على التقارب مع الآخرين، والوضع اللبناني بعد ثلاث سنوات من الغياب ليس كما قبلها، وما قبل نهاية ولاية الرئيس سليمان ليس كما بعدها، وما قبل القصير والقلمون والسلسلة الشرقية ليس كما بعدها، وما قبل عرسال ليس كما بعدها، والثلاثية الذهبية التي حَمَت الوطن في أحلك الظروف ما زالت هي هي على ثوابت لا تتبدَّل سواء قبل غيبة الرئيس الحريري أوخلالها أوبعدها...

لا تستطيع المقاومة الخروج عن قدسية الثلاثية الداخلية مع الشعب والجيش، ولا التخلِّي عن ثلاثية الدور العربي والإقليمي والإسلامي، ولا تستطيع أيضاً أن تتلاقى مع ثلاثية تكفيرية نشأت في غياب الرئيس الحريري تقوم على المذهبية المتطرِّفة، ورفض الآخر في الوطن، والجنوح نحو ما يُسمَّى بدولة الخلافة على حساب سيادة ووحدة الوطن، سيما وأن هذه المقاومة هي التي كتبت تاريخه الحديث بدماء رجالها وما زالت.

الغريب ببعض اللبنانيين، أن خطر إرهابيي داعش بدأ على لبنان عام 2007 في نهر البارد، ثم عبر الخارجين على الدولة في طرابلس وعكار وعبرا، ثم بالعدوان الغادر الأخير الذي كان ينحو للعبور من عرسال الى مناطق لبنانية أخرى لولا وعي الجيش والشعب والمقاومة، ولم يفقه البعض بعد، أن دولة الخلافة المزعومة ممنوعة في لبنان، وأن ثقافة شياطين التكفير مرفوضة من كافة شرائح الشعب اللبناني، وأن الدمّ البريء الذي أريق في عرسال، وأسرى الجيش الذين ما زالوا بقبضة الإرهابيين، وانتفاضة أبناء البلدة على نازحين كانوا قنبلة الغدر بوجه من احتضنوهم، كلها مسائل خطيرة لا تُجيز للرئيس الحريري أن يسمِّيها بكل بساطة "حادثة عرسال" خلال استقباله وفد وادي خالد أو وفد عرسال بقيادة رئيس البلدية المطلوب للعدالة علي الحجيري.

والمسألة الوطنية أبعد وأهمّ من البحث بانتخابات رئاسية أو نيابية في أي لقاء، لأنها ترتبط بثقافة لا المقاومة ولا حلفاؤها يرتضون بعد اليوم البحث خارج إطارها، وإذا كانت مقولة عفى الله عمَّا مضى تفتح مجال الحوار، فأهلاً بالحوار ولكن ليس لدرجة اعتبار عملية الغدر المُخطّط لها مسبقاً وهجوم ألفي إرهابي على عرسال لجعلها قاعدة انطلاق الى مناطق لبنانية أخرى على أنها حادثة، كي لا ندخل في خلاف على الرؤية الوطنية بعد الأهوال التي تعرَّض لها الوطن.

لعل أبرز أهداف عودة الرئيس الحريري الى لبنان، ما صرَّح به النائب في تيار المستقبل جان أوغاسبيان، أن زعيم المستقبل عائدٌ لإعادة جمع شمل الشارع السنِّي ومحاربة التكفير والتطرُّف، وهذا ما كان مطلوباً منذ أكثر من سنتين، لأن وطناً ثقافته مقاومة لا يستطيع أن يتقبَّل تكفيريين أو دعاة خلافة، وإذا كانت عرسال قد انتصرت على الإرهابيين بدماء الجيش التي روَت صخورها على أمل أن تعود الى حضن الوطن وتنفض عنها غبار التورُّط في إيواء الإرهاب، فإن هناك مقاومة روَت مع الجيش والشعب تراب الوطن بدمائها من أجل لبنان واللبنانيين ليكون لنا وطن سيِّدٌ عزيزٌ كريم، وليس مسموحاً أن يكون بعد اليوم لقمة سائغة لمن لا يحترمون حرمة حدود الأوطان ويُعلنون الدويلات بإسم الدين، والحوار مع أي شريكٍ في الوطن يجب أن يرقى لهذا المستوى وإلاّ، لا حاجة لأي حوارٍ لا يكون ضمن قاموسه ما يميِّز بين ثلاثية التحرير وجماعات مثلَّث التكفير، والسلام على من يعيش السلام في داخله للِّقاء بالآخرين بما يُرضي الضمير ويُرضي الله ...