21-11-2024 02:19 PM بتوقيت القدس المحتلة

المحكمة الدولية.. والثقة المفقودة

المحكمة الدولية.. والثقة المفقودة

هل سنرى في المستقبل وإن طال دخول إيران تحت دائرة القرار الاتهامي الذي تمت تجزأته لاجزاء قد تستخدم حسب الطلب، وكيف والحال هكذا يمكن الوثوق بمحكمة تجزء قراراتها لتوزيعها خدمة لمشاريع سياسية.

رغم كل ما قيل وكتب وما ظهر حول عدم شرعية المحكمة المسماة "المحكمة الخاصة بلبنان" ورغم كل القرائن التي قدمت حول المخالفات القانونية التي إرتكبتها هذه المحكمة في كل مراحل عملها منذ نشآتها، والطريقة التي هرّبت بها في حكومة فؤاد السنيورة المبتورة مرورا بنظام المحكمة نفسه وما يتضمنه من مخالفات للأصول والمبادئ العامة القانونية والتي لا يتسع المقام لذكرها وصولا إلى الاستخدام السياسي لكثير من أعمال المحكمة وقراراتها وتوقيت الكثير من هذه القرارات مع تطورات ومحطات سياسية مختلفة في لبنان والمنطقة، وليس آخرها صدور "جزء" من قرار المحكمة الاتهامي عند تأليف الحكومة الحالية في لبنان بما أعاد للأذهان الاستخدام السياسي للمحكمة خلال الانتخابات النيابية الماضية في لبنان وإستخدام الإتهام لسورية ولحلفائها في لبنان بالوقوف وراء الجرائم التي وقعت في لبنان منذ العام 2005 خلال هذه الانتخابات.


المحكمة الدولية فاقدة للثقة التي يجب أن يتميز بها القضاء


وقد بات التشكيك (بالحد الادنى لنصف الشعب اللبناني) المحق والمدعّم بالأدلة، الميزة التي تميز عمل المحكمة، بعد أن أفقدها أهم الخصائص التي يجب أن تتميز بها جهات القضاء ألا وهي الثقة، وهنا يطرح السؤال البديهي كيف يمكن اللجوء إلى جهة قضائية معينة من دون الوثوق بها؟ فكيف يمكن قبول قرار أو حكم عن هذه الجهة ولا ثقة بها وبمن يعمل فيها وبمن هو قائم عليها؟

 
علما أن من بديهيات القانون في الاجراءات القضائية ان يتنحى القاضي إذا إذا ما أثيرت الريبة حول عدالته، فماذا لو طبقنا هذه القاعدة على المحكمة الدولية والقضاء العاملين فيها، بالتأكيد نكون قد نسفنا هذه المحكمة نسفا لكثرة الريبة والشكوك التي تثار حول كل ما يرتبط بها.

 
مع كل ذلك لفتنا البيان الذي صدر قبل أيام عن رئيس المحكمة الدولية أنطونيو كاسيزي بمناسبة إنتهاء مدة الـ 30 يوما لتوقيف من إتهمهم "الجزء" من القرار الإتهامي الصادر عن المحكمة، ودعا كاسيزي في بيانه  وبلغة عاطفية تثير الريبة أيضا المتهمين إلى المثول أمام المحكمة ولو عبر محامي ولو عبر الشاشات كما حث الجهات التي ينتمون اليها وعائلات المتهمين الى دعم مثولهم أمام المحكمة، وحاول كاسيزي التأكيد ان المحكمة ستحكم بالعدل وستكشف الحقيقة وغير ذلك.


ولكن ما القصد الذي أراده كاسيزي من وراء بيانه؟ هل أراد بناء الثقة بالمحكمة التي يصعب بنائها بعد كل هذا التصدع الذي أصابها؟ أم انه أراد فقط النصح للمتهمين؟ وهل يعقل ان يصدر رئيس المحكمة بيانا يتزلّف فيه الثقة بمحكمته؟ ام انه كان الجدير ان يخرج وكله ثقة ان محكمة هي عنوان العدالة؟ فهل هذا البيان دليل على إهتزاز ثقة رئيس المحكمة بنزاهة وعدالة المحكمة نفسها أم انه أمر طبيعي يدعو فيه للإستجابة لطلبات المحكمة؟


سعد الله الخوري: لا يمكن تحميل بيان كاسيزي أكثر مما يحتمل


حول كل ذلك قال الرئيس الاسبق للمجلس الدستوري في لبنان يوسف سعد الله الخوري في حديث لموقع قناة "المنار" الالكتروني إن "بيان كاسيزي هو مجرد تمني على المتهمين للحضور أمام المحكمة ولا يمكن قانونا تحميله أكثر مما يحتمل"، واعتبر ان "كاسيزي توجه مباشرة للمتهمين ولعائلاتهم للقول وللتوضيح أن الحضور أمام المحكمة مهم لانه قد يقلب الطاولة ويثبت براءتهم بينما فيما لو لم يحضروا يمكن أن يؤدي ذلك الى الذهاب للمحاكمة الغيابية حيث سيتم تشديد العقوبة(خاصة ان الحكم في الغيابية سيسقط عندما يحضر المتهم بعد ذلك في محاكة وجاهية)".

 

 

الخوري: علامة إستفهام كبيرة على تجزئة القرار الاتهامي من قبل المحكمة
 

أما عن موضوع الإعلان عن الترابط بين الجرائم التي إستهدفت عدة شخصيات لبنانية وجريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، فرأى سعد الله الخوري أنه "لا يمكن الحكم على هذا الأمر منذ الآن لانه لم يصدر القرار الاتهامي كاملا"، وشدد على ان "القرار الاتهامي كان يجب ان يعلن كاملا من دون تجزئة"، ولفت الى "وضعه علامة إستفهام كبيرة حول ذلك لانه لا يمكن لقرار إتهامي في جريمة واحدة أو في عدة جرائم مترابطة ومتلازمة أن يصدر بشكل مجزأ بل يجب أن يكون متكاملا وبشكل واحد خصوصا أن القرار الإتهامي ليس هو صاحب الكلمة الفصل والنهائية بالنسبة لحكم العدالة وإنما هذا الحكم هو في النهاية يكون للمحكمة".


جوني : كاسيزي يناور ليقول لمجلس الامن علينا البدء بالمحاكمات الغيابية التي تهدف لإثارة الفتنة في لبنان


من جهته أكد الخبير في القانون الدولي الدكتور حسن جوني أن "رئيس المحكمة الدولية أنطونيو كاسيزي هو شخص يحاور ويناور والبيان الذي أصدره ويحاول خلاله الظهور أنه يحث المتهمين على المثول أمام المحكمة هدفه أن يذهب كاسيزي نفسه الى مجلس الأمن ويقول هناك أن المتهمين لم يتعاونوا مع المحكمة رغم كل المحاولات التي بذلناها لذلك"، وأضاف أن "كاسيزي يحاول إظهار أنه قام بكل واجباته بينما المتهمين لم يتعاونوا وبعد ذلك يقول مجلس الامن انه يجب البدء بالمحاكمات الغيابية(لتبرير الذهاب الى المحاكمات الغيابية)".

 

وشدد جوني في حديث لموقع قناة "المنار" الالكتروني على ان "ليس الهدف من كلام كاسيزي هو بناء ثقة مفقودة حول صدقية المحكمة وقضاتها"، ورأى أن "المحاكمات الغيابية مقصودة للوصول الى اثارة الفتنة في لبنان من خلال بث المحاكمات الغيابية لاشخاص معينين ينتمون لجهات معينة على شاشات لتلفزة امام العالم كله لاثارة الفتنة في لبنان بين الطوائف والفئات السياسية المختلفة في هذا البلد".


جوني: الربط بين جريمة إغتيال الحريري وبعض الجرائم الأخرى "مسرحية كبرى"

أما حول الربط بين الجرائم الآخرى مع جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، قال جوني إن "هناك مسرحية كبرى للاسف تحصل في هذا الشأن"، وسأل "لماذا في هذا التوقيت بالذات تمَّ الاعلان عن ذلك"، وتابع أنه "بعد الفشل الذي تصاب به المؤامرات التي تحاك ضد سورية يأتون  لإثارة الفتنة في لبنان ومن خلال المحكمة الدولية التي هي بالاصل وجدت لإحقاق الحق لا لتنفيذ مخططات سياسية فتنوية في لبنان والمنطقة"، مؤكدا ان "المجرم الذي إرتكب الجرائم في لبنان منذ العام 2005 هو مجرم واحد ألا وهو المخابرات الاسرائيلية وذلك بهدف تجييش الشارع اللبناني بشكل دائم لصناعة رأي عام معادي لسورية ولحزب الله ولكل من يقف ضد المشروع الصهيوني في المنطقة".


وفي الآونة الاخيرة برز هجوم بعض السياسيين في لبنان على الجمهورية الاسلامية الايرانية والتصويب باتجهها إنطلاقا من موقفها من المحكمة الدولية خصوصا ان صحيفة "دير شبيغل" الالمانية الشهيرة التي تعتبر السباقة تاريخيا في نشر تسريبات المحكمة الدولية، عندما أعلنت ان إتهام المحكمة حول جريمة إغتيال الرئيس الحريري سيوجه الى حزب الله وها هو اليوم "حزب الله في دائرة القرار الإتهامي"، كما قالت كتلة "المستقبل" النيابية في بيانها الأخير.

 
فهل سنرى في المستقبل وإن طال دخول إيران تحت دائرة القرار الاتهامي الذي تمت تجزأته لاجزاء قد تستخدم حسب الطلب، وكيف والحال هكذا يمكن الوثوق بمحكمة تجزء قراراتها لتوزيعها جاهزة خدمة لمشاريع سياسية وأهداف مشبوهة وكيف يمكن بعد ذلك بقبول أي حكم قد تصدره المحكمة لإدانة أو تبرئة أحد.