أمَّا في عملية تجنيد الشابات، فإنّ الخطوة الأولى تكمن في إقناعهن بأنّ عملهنّ يحمل طابعاً إنسانياً بحتاً، ويقتصر على تقديم العون والمساعدة للمجاهدين والاعتناء بالأرامل والأطفال، ليتمّ لاحقاً زجهن في شبكة معقدة
يواصل برنامج «صناعة الموت»، على شاشة قناة «العربية»، متابعة قضيّة تجنيد التنظيمات الإرهابية، مثل «داعش» وجبهة «النصرة»، للشباب الأوروبيين، واستقطابهم للجهاد في سوريا.
ويستعرض البرنامج في حلقاته الأسبوعيّة، تجارب بعض من تركوا أهلهم، وانطلقوا بحثاً عن تحقيق «الخير المطلق والحق الذي لا يمسّه الباطل»، عبر الجهاد في أرض الشام.
في حلقة السبت 9 آب/ أغسطس الحالي، تمّ استعراض فكرة تجنيد الشباب الأوروبيين، من غير المسلمين. كيف يقعون في شرك شبكات التجنيد التي توظّف مواقع التواصل في تنظيم نفسها، ورسم امتداداتها في الفضاء الافتراضي؟ وما الذي يدفع شباناً وشابات يعيشون في بلاد تتمتّع بشيء من الاستقرار السياسي، إلى اعتناق فكر جهادي متطرّف، يهجرون بسببه بلادهم المتقدّمة، ليعيشوا في ظروف تعيدهم إلى قرون الظلام فكراً وممارسة؟ ثم كيف يمكن لجيل نشأ في فورة التقنية والانترنت، أن يستسلم ذاعناً لترك واقعه بكلّ ما فيه، والانسياق خلف مقولات غيبيّة حول المعركة «هرمجدون» (آرماغيدون) في أرض الشام المباركة؟.
خلال الحلقة، يعزو الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية جمال المصراوي تلك التحوّلات، إلى واقع الشباب الأوروبي ـ الفرنسي خصوصا ـ وحالة التقلّب التي يعيشها في ظلّ انعدام الثقة على المستوى الفردي، وعلى مستوى النظام السياسي والاجتماعي. فمن جهة، يفقد هؤلاء الشباب، بالتدريج، قدرتهم على الوصول إلى عوامل تحقيق الذات، لا سيّما مع مشاكل الهويّة والفقر والجهل التي تنتشر في أوساط فئات اجتماعية مهمّشة. ومن جهة أخرى، تتعرّض هذه الفئة للتحفيز الإعلامي من قبل جهات جهاديّة، تنشط بقوّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
في هذه الحالة، تنقلب المعادلة، فالتجنيد يتمّ عبر خطواته المتعدِّدة داخل بيئة الشاب، في المنزل والمجتمع، قبل أن يتخّذ قراره النهائي بالانفصال والتوجّه إلى سوريا، ليقدّم أغلى ما يمكن تقديمه (حياته)، في سبيل «الحق المطلق». إذ يكون مقتنعاً بأنّ عليه أن يتبع «أصحاب الفكر النيّر الصحيح» الذي سيواجه من يريدون إنهاء الإسلام، وأن يشارك في دولة الخلافة الإسلامية التي ستتمدّد إلى أوروبا وأميركا.
تُلاحظ حلقة «صناعة الموت» مجموعة من أنماط السلوك التي تظهر على الشاب خلال عملية تجنيده، تشي بانفصاله عن واقعه بكلّ ما فيه، ليصبّ تركيزه على ما يصله عبر الانترنت، من إيديولوجيا راديكالية تسيطر عليه فكرياً: الفكر جهادي وظلامي، والوسيلة متقدمة وحديثة، ومن يتخلَّف عن أرض المعركة الموعودة يُعدّ خائناً. والهدف من ذلك، بحسب ما يُظهر معدّو البرنامج، تمويل رحلة هؤلاء الشباب إلى سوريا للتخلّص من الفراغ، والهروب إلى الجهاد المقدس.
في ظلّ عدم وجود أرقام واضحة، يقدّر عدد المقاتلين الأجانب في سوريا بتسعة آلاف مقاتل، بحسب ما نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في أيار/مايو الماضي. أمَّا في عملية تجنيد الشابات، فإنّ الخطوة الأولى تكمن في إقناعهن بأنّ عملهنّ يحمل طابعاً إنسانياً بحتاً، ويقتصر على تقديم العون والمساعدة للمجاهدين والاعتناء بالأرامل والأطفال، ليتمّ لاحقاً زجهن في شبكة معقدة، لينتهي المطاف بهن وقد تزوجن من مجاهدين لأداء واجبهنّ المقدس.
ويذكر الباحث المصراوي أنّ محاولة الدول الأوروبيّة ضبط حركة المجاهدين الجدد، تتطلّب عملاً كبيراً على مستوى وضع الضوابط والإجراءات القانونيّة، إلى جانب متابعة هذه الظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تشكّل البيئة الأساسية لتجنيد الشباب، وزجّهم في واقع متطرّف عابر للحدود.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه