ليست عرسال، أربيل، ولا الجيش اللبناني، «بشمركة البرزاني»، ولكن «داعش» هي نفسها التي حسمت خلال أيام معدودة، أمر جسر جوي أوروبي، لتسليح «البشمركة» ودحر «داعش»
اللائحة الفرنسية تتضمّن أسلحة للداخل.. ومنصّات النفط!
محمد بلوط
ليست عرسال، أربيل، ولا الجيش اللبناني، «بشمركة البرزاني»، ولكن «داعش» هي نفسها التي حسمت خلال أيام معدودة، أمر جسر جوي أوروبي، لتسليح «البشمركة» ودحر «داعش»، فيما لا يزال تهديده البقاع الشمالي اللبناني، دون أدنى رد يقارن بحماسة الدفاع عن نفط كردستان، القادر على تسديد اثمان الصفقة بسرعة.
والأرجح ألا تشهد الأيام المقبلة كبير تغيير في حسم النقاش حول مصير الهبة السعودية لشراء أسلحة فرنسية للجيش اللبناني بقيمة ٣ مليارات دولار. ذلك أن الاسئلة التي تطرحها هذه الصفقة التي لم تشهد نقاشا لبنانيا حقيقيا حول طرق استخدامها تتعدى مجرد «مكرمة» عفوية جاد بها الملك السعودي في لحظة سخاء وتجلٍ لتجهيز جيش شقيق يفتقر الى الأسلحة الضرورية تمكيناً له لحماية لبنان، الى تصور لما ينبغي ان يكون عليه الجيش اللبناني، بعد ان اصبحت الرياض عاصمة قرار في السياسة والعسكر اللبنانيين، وعلى الجبهة الاولى في مواجهة «حزب الله».
وفي ذكرى انتهاء حرب تموز، المليئة بالدروس، اي جيش للبنان تريده الصفقة السعودية؟
منذ اللحظة الاولى لقرار الهبة، يظهر في خلفية المكرمة الملكية السعودية تصور واضح لما ينبغي ان يكون عليه دور الجيش اللبناني، بعيدا عن اي إستراتيجية دفاعية. الملك عبدالله بن عبد العزيز انطلق من سؤال الرئيس السابق ميشال سليمان، عما يمنع الجيش اللبناني من التصدي لـ«حزب الله» في طريقه الى سوريا. بدءا من 20 كانون الثاني 2013 تولى الفرنسيون، تقديم دفتر شروط بحاجات الجيش اللبناني الى انفسهم والى اللبنانيين بدلا من اللبنانيين أنفسهم، كما قال اكثر من مرة لـ«السفير» احد المشرفين على الملف. وجاءت المفاوضات لتستبعد تدريجيا كل المعدات والتجهيزات التي يمكن ان توفر اي امكانية للجيش اللبناني ليلعب دورا في مواجهة اسرائيل.
اتضح من خلال اللائحة التي التي دار النقاش حولها، ان الاولوية هي خلق جيش لبناني مسلّح ومجهز ليواجه يوما ما المقاومة في لبنان، او ان يكون «دركا مسلحا بافضل العتاد» في احسن الاحوال. لم يدخل في حسبان احد ترجمة الإستراتيجية الدفاعية من اموال الهبة.
الجيش يخرج من الصفقة، اذا ما وقعت من دون صواريخ مضادة للطائرات، من دون مصفحات متقدمة، ومن دون مضادات للدروع، و لكن بزوارق بحرية لحماية منشآت النفط، مزودة برادرات تالس، وبمروحيات بوما ناقلة للجند، وطوافات «غازيل» مستعملة مزودة بأربع منصات صواريخ «هوت». هذه هي نواة الصفقة، بالاضافة الى مدفعية ثقيلة من عيار 155 ملم. كل ذلك يجعل منه قوة تدخل داخلي سريع وحفظ امن، لو نفذت الصفقة، لا جيش دفاع وطني.
كان الفرنسيون قد استبطنوا، من دون اي طلب اسرائيلي، وبسبب الخلفية السياسية للصفقة، الاعتراضات الاسرائيلية على اي فئة من المعدات، سواء التنصتية او الدفاعية. كان الاسرائيليون قد طلبوا من الفرنسيين عام 2010 استعادة برنامج اعتراض متقدم للمكالمات والتنصت، ساعد اللبنانيين على كشف شبكة تجسس اسرائيلية، وحصلوا على ذلك. الخوف من ان يستولي «حزب الله» على بعض تلك الاسلحة، اسهم ايضا في تحديد اطار للنقاش.
الجيش، الذي تريد الصفقة السعودية اعداده، لن يحصل على دبابات هجومية: لا مصفحات «لوكلير» للبنان، طلب اللبنانيون 30 منها، قدم الفرنسيون مُهَلاً غير واقعية للتسليم: تسع مصفحات خلال 3 سنوات.. والبقية فيما بعد. تم الاستغناء عنها لانها تزن خمسين طنا. مضرة بالبنى التحتية والطرق، ولان صيانتها تكلف 10 ملايين يورو سنويا. قد يحصل اللبنانيون على دبابات بعجلات، قادرة على المناورة في الشوارع والجبال، من طراز «ساغيه» و«ام اكس».
لا صواريخ فعالة مضادة للطائرات ايضا.. في 15 شباط الماضي، جاء الاميرال ادوارد غييو، ومعه مستشار الرئيس هولاند، ايمانويل بون. جادلوا الرئيس ميشال سليمان ان لبنان لا يحتاج لصواريخ «كروتال» التي تلتهم اثمانها جزءا كبيرا من الهبة. لم يحصل لبنان في المقابل على الجيل الجديد من صواريخ ارض - جو «ميسترال»، سيكتفي ببطاريتين من «ميسترال» الذي يبلغ مداه العملي ٣ ألاف متر.
المنشآت النفطية، التي لم تر النور بعد، حظيت بالاولوية. اربع زاورق من طراز «ادورا « بطول ٤٠ مترا، بدلا من النسخة الاصلية التي تقارب الثمانين مترا. الزوارق، كانت افضل حظا من «الكروتال»، رغم حاجتها لبناء احواض جافة لصيانتها، وكلفتها العالية، فقد تم الاتفاق حولها.
هل يمكن تنفيذ الصفقة في الاسابيع المقبلة؟
ان عدم توقيع السعودية، ولو بالاحرف الاولى، على الصفقة الفرنسية بعد 9 اشهر من المفاوضات، هو السبب المباشر عن عدم اتمامها. لم تضع وزارة المالية السعودية المبلغ على لائحة مصروفاتها حتى الآن . واذا لم يوقع السعوديون فلن تكون المرة الاولى التي تسقط فيها صفقات ومشاريع اتفاقات عسكرية فرنسية سعودية، اخرها اتفاقية «ام ك ٣ « للدفاع الجوي، التي تناساها السعوديون، بعد سنوات من المفاوضات، وأسقطوها من الحسبان، مع تفسير وحيد ان وزير الدفاع، ولي العهد سلمان بن عبد العزيز، اختار أسلحة أميركية بديلا عنها.
وينبغي العودة الى جانب آخر مهم في «سفر تكوين» الصفقة ـ الهبة منذ بدايتها. اذ جاءت الهبة السعودية لتعوض الفرنسيين عن خسارة صفقة أضخم بقيمة ٧ مليارات دولار، لقاء صواريخ «كروتال» للدفاع الجوي، كان الرئيس هولاند يعول عليها، وعلى الحصول على توقيع الملك عبدالله عليها خلال زيارته للرياض في 28 كانون الاول الماضي. وكان خالد التويجري قد التقى الرئيس هولاند في الاليزيه في 17 كانون الاول الماضي، تحضيرا للمفاوضات حولها، وناقلا من الرئيس هولاند رسالة واضحة تطالب بحسم الملف، وتوقيع الصفقة.
ايران ايضا في خلفية الهبة. فبدلا عن 7 مليارات دولار، قرر السعوديون تقديم الهبة حصريا للفرنسيين لكسب الوقت، وتعويضهم عن الخسارة، وحفاظا على فرصة استخدامهم الديبلوماسية الفرنسية كرأس حربة في المفاوضات النووية مع ايران. فخلال مفاوضات جنيف، ثم لقاءات فيينا بين دول «5+1» وايران. قيّد الفرنسيون الايرانيين بالمزيد من الشروط، تعويضا عن التهاون الاميركي في قاعة المفاوضات، وتأخير لانعقاد الصفقة الايرانية الاميركية.
http://www.assafir.com/Article/1/366564
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه