في اللحظات السياسية الصعبة، يفضّل وليد جنبلاط أن يتولى بنفسه مخاطبة جمهوره. يستعيد المبادرة من «ضباطه» لينزل إلى الشارع ويحاكي الناس وجهاً لوجه
كلير شكر
في اللحظات السياسية الصعبة، يفضّل وليد جنبلاط أن يتولى بنفسه مخاطبة جمهوره. يستعيد المبادرة من «ضباطه» لينزل إلى الشارع ويحاكي الناس وجهاً لوجه.
«التوقيت الداعشي» فرض نفسه على الساعة الجنبلاطية، ودفع بالرجل إلى تحذير الاشتراكيين وأهالي الجبل من الخطر الزاحف من خلف الحدود إلى الداخل اللبناني. ارتأى أن يحدثهم بنفسه ليشرح لهم حيثيات خطابه المستجد، وحرصه على إبقاء كل أبواب الحوار مفتوحة.. لعل وعسى.
يقول لناسه إنّه يحدّثهم كلبناني، وليس كاشتراكي أو درزي، لأنّ «الخطر القادم لا يميّز بين لبنانيّ وآخر، ولهذا على الجميع العودة إلى وطنيتهم وحياكة شبكة أمان سياسية - اجتماعية، مع العلم أنّه يصعب إلغاء الخلاف السياسي، ولكن بالإمكان تنظيمه».
فهو اختار لنفسه دوراً «رسولياً» عابراً للخنادق والمواقع المقابلة، متنقلاً بين المقار الرسمية والسياسية، بدعم من حليفه الأول نبيه بري، للملمة الوضع الداخلي، وهي المهمة التي حددها لأجندته. في سلّم أولوياته، تحتل تطورات المنطقة حيزاً هاماً، ومن ضمنها تأتي مخاوفه على «من تبقى» من دروز، لا سيما السوريين منهم، ومن ثم أمن الجبل، قبل أن يفلش أوراق الاستحقاقات الداخلية.
أما اعتباراته، فيمكن تلخصيها بالآتي:
ـ بات الرجل مقتنعاً بأنّ معارك الكرّ والفر في سوريا لن تدنو من خاتمة قريبة، وأنّ تخيّلات بعض الغرب والعرب لسيناريو «سوريا من دون بشار الأسد» لن تشهد فجراً مشرقاً. وبالتالي لا بدّ من التعامل مع هذا الواقع ببراغماتية تبعده عن الخطابات «المتهورة» ولا تخلو من بعض النكعات «الموسمية».
ـ يبدي جنبلاط قلقه على دروز سوريا في ضوء ما تصله من أخبار وتقارير عن إشكالات وحوادث تحصل مع «جيرانهم» ومحيطهم من أبناء الطائفة السنية، وقد تؤثر على مستقبل هؤلاء، لا سيما إذا تمكنت «الجحافل الداعشية» من اختراق العمق السوري أكثر فأكثر.
ولهذا يعتقد أنّ الزمن ليس زمن «عنتريات منبرية» أو خطابات تحشيدية، لا بل هي مرحلة «الانحناء أمام العاصفة»، قبل أن تستر الرمال الهائجة وتتضح الصورة. ولهذا لا بدّ من تخفيف التشنج العابر للحدود.
ـ بات «أبو تيمور» مطمئناً للموقف السعودي تجاهه، بعدما تمكّن من ترتيب العلاقة وترطيبها، حيث يحرص على عدم استفزاز المملكة وأمرائها من خلال خطواته «التقدمية» تجاه «القيادة الصفراء». وقد سجّل خلال الأيام الأخيرة زيارة لوائل أبو فاعور يرافقه تيمور جنبلاط، إلى الرياض، للتشاور مع المسؤولين فيها.
ـ نجح في ردم هوة «خيار نجيب ميقاتي» التي أبعدته عن سعد الحريري، بعدما تعاتب الرجلان وفلشا كل صفحات الجفاء لتنقيحها من البذور السوداء، ولو أنّ «الشيخ» لا يلقي عباءة رضاه على كل خطوات البيك الداخلية، لكنه بات مقتنعاً بأنّ الزعيم الدرزي هو بمثابة «قدر» مفروض على مريديه كما على كارهيه، ولا يمكن مخاصمته حتى في أصعب الظروف. وهنا يسجّل دور أساسي لجنبلاط في عودة الحريري إلى بيروت.
ـ يحرص الرجل على الإبقاء على وتيرة عالية من التنسيق الأمني بين «حزب الله» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، لا سيما في مناطق «التماس» بينهما، خوفاً من أي تطورات أمنية غير محسوبة الحساب.
هكذا لم يتردد «البيك» في التقاط الإشارات الإيجابية التي أتته من الضاحية الجنوبية، بعدما أرسل بعضاً من مثيلاتها تبعث «الطمأنينة» في أذهان «القيادة الصفراء»، لا سيما في ما يتصل بمشاركة «حزب الله» في العراك السوري، حيث انتقل البيك في خطابه من ضفة الاتهام إلى ضفة تبرئة مقاتلي الحزب من تهمة جرّ الويلات إلى لبنان.
بالنتيجة، هو الهاجس الأمني الذي يحدد إحداثيات «أبي تيمور» في حراكه الداخلي كما في نظرته إلى الحدود الخارجية، ويبدو أنّه مقتنع بأنّ حالة الانسداد الداخلية غير قابلة لتغيير جذري من شأنه أن يزيح «فخامة الفراغ» من القصر الرئاسي.. لكنه لم يفقد الأمل.
ولهذا عبرَ الرجل «جسر الشغور» الرئاسي ليصل الضاحية الجنوبية على أمل أن يتمكن من إحداث خرق ما في جدار الاستحقاق «الباطوني»، من خلال البحث عن مخارج توافقية تسمي سلفاً للرئيس ميشال سليمان. صحيح أنّه يقدم حتى اللحظة هنري حلو مرشحاً توافقياً، ولكن هذا لا يعني أنّه سيتمسك به إذا طرحت على طاولة النقاش الجدي أسماء أخرى تحظى بمظلة التوافق.
وهكذا بدا إيجابياً في اللقاء الذي جمعه بقائد الجيش العماد جان قهوجي، لا سيما أنّه يعتقد أنّ «حزب الله» قد لا يمانع ترشيح صاحب «البزة المرقطة» في زمن التحديات الأمنية، كخيار ثانٍ بعد العماد ميشال عون حين يقرر الأخير أن يحيل ترشيحه إلى التقاعد، ويبدأ حينها مشوار البحث عن بديل.. ولكنه، بالنتيجة، لمس أنّ هذا الباب لا يزال حتى اللحظة مقفلاً.
http://www.assafir.com/Article/2/366561
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه