26-11-2024 08:55 AM بتوقيت القدس المحتلة

"الجنرالان" في زمن الرئاسة.. من يتنازل لمن؟

كان يفترض بمشهد عرسال، بميزان أرباحه وخسائره، أن يعيد ملف الرئاسة ويطرحه بقوة على الطاولة، كأولوية. هذا ما حصل فعلا، لكن ليس من باب تزكية خيار الانفراج بانتخاب رئيس الجمهورية




ملاك عقيل


كان يفترض بمشهد عرسال، بميزان أرباحه وخسائره، أن يعيد ملف الرئاسة ويطرحه بقوة على الطاولة، كأولوية. هذا ما حصل فعلا، لكن ليس من باب تزكية خيار الانفراج بانتخاب رئيس الجمهورية، بل بتسليط الضوء أكثر على أم العقد الرئاسية: صراع «الجنرالين».

ميشال عون مرشّح ضمني وثابت لرئاسة الجمهورية. جان قهوجي، قائد الجيش، أحد أبرز الأسماء المطروحة لدخول قصر بعبدا.

يعكس الفتور غير المسبوق بين «الجنرالين» حجم الخلاف الصامت على خط الرابية ـ اليرزة، وإن كان المقرّبون من قهوجي يتساءلون: لا نعلم فعلا ما مشكلة عون مع «القائد» الذي اتهم سابقا بـ«عونيته الزائدة». عودة الرئيس سعد الحريري زادت المشهد غموضاً. عند المفاضلة من يختار «الشيخ»؟

في الوقت الذي كان فيه الجيش يخوض معركة المصير في عرسال وجرودها بوجه الجماعات الإرهابية، ركّز العونيون اهتمامهم على رصد أخطاء القيادة عسكريا وسياسيا. وكانت النتيجة البديهية اتهام قهوجي مباشرة بالتصرّف بما تمليه حسابات الرئاسة.

لم يقتصر الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي. في اجتماع «تكتل التغيير والإصلاح» الأخير قال ميشال عون ما قاله، عارضا الأمر أولا من منظار خبرته العسكرية. تحدّث صراحة عن الإدارة العاطلة للمعارك في أول 48 ساعة، عن خطأ التفاوض مع الإرهابيين، عمَّن حَسم مسألة وقف إطلاق النار، عن عدم جهوزية غرفة العمليات في اللحظات الاولى...
لم يكن الأمر بحاجة الى عرسال وشهدائها، كي ترتفع المتاريس أكثر فأكثر بين قائد الجيش السابق والحالي. لا تكمن المسألة فعليا هنا. السباق الرئاسي بينهما محتدم أصلا، والمطرقة الاقليمية الدولية هي وحدها الكفيلة بحسمه.

من جسّ نبض النائب وليد جنبلاط حول إمكانية وصول قهوجي الى الرئاسة، لاحظ عند «البيك» شيئا من الليونة، وإن في الظاهر يبدو متمسّكاً بمرشّحه هنري حلو.

هو في الأصل ضد وصول عسكري الى بعبدا، لكنه لم يعلن الحرب الاستباقية على هذا الخيار في ظلّ تغزّله ليلا نهارا بتجربة التعاون الفريدة والنموذجية مع الرئيس ميشال سليمان قائد الجيش السابق. الأهمّ، بالنسبة اليه، هو إزاحة ميشال عون وسمير جعجع من الواجهة الرئاسية.

«حزب الله» متمسّك بترشيح عون حتى إعلان الأخير العكس، «تيار المستقبل» يرتاح لقهوجي.. كذلك الرئيس نبيه بري، ومسيحيو الطرفين ضد تعديل الدستور.. بمطلق الأحوال، الكلمة الأخيرة ليست لأفرقاء الداخل.

العسكر مرّة أخرى؟!

جنرال اليرزة طموح، لكن ضمن الحدود. فهو ماروني أولا، وقائد للجيش ثانيا، وقد قطع نصف المسافة، قياسا على السوابق. بعد اميل لحود، وميشال سليمان، باتت اليرزة البيئة الحاضنة لمشاريع رؤساء الجمهورية. يتحدث البعض عن حقوق رئاسية مكتسبة تمنحها البدلة المرقّطة للموارنة!

بعد تجربة الرئيس فؤاد شهاب، دشّن عهد ما بعد الطائف عصرا جديدا في الرغبة الفطرية لكل قائد جيش بأن يصبح من أصحاب الفخامة. اميل لحود ثم ميشال سليمان... أما جان قهوجي فيملك، في نظر المتحمسين له، مقوّمات الرئيس القوي. العبارة الدارجة في «سوق» تقوية عود القصر ونفخ زنوده.

لكن العماد قهوجي يقبع في الظل. موقعه على رأس المؤسسة العسكرية يحرمه حتى الإيحاء العلني برغبته في الترشّح.
ثمة دوائر دولية أبدت اهتماما في معرفة المزيد عنه، الى جانب اطّلاعها الوثيق على مسيرته في قيادة الجيش. عمليا، لا فيتو في الخارج على اسم جان قهوجي. وثمّة من يؤكد أن الاميركيين يحبّذون خيار قائد الجيش.

يحيط به فريق من المتحمّسين جدا لوصوله الى قصر بعبدا، يعتبره الأكفأ لقيادة مرحلة تتطلّب جهودا جبارة لمواجهة الإرهاب الزاحف والمتغلغل في المنطقة.

زواره ينقلون عنه تأكيدا صارما «لم ولن أسعى للرئاسة. لن أطلب، ولن أبادر. أقوم بواجباتي على رأس المؤسسة العسكرية.. أما التوافق عليّ فأمر آخر».

يدرك قهوجي، بحسب زواره، أن الظروف التي عمل فيها الجيش بعد خروج السوري من لبنان، تختلف عن تلك التي توافرت لقائدي الجيش اميل لحود وميشال سليمان، وهو لا يزال يواكب الفاتورة الباهظة التي دفعتها المؤسسة العسكرية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب السوري، وانفجار الازمة في دمشق، ووصول «داعش» الى عقر «الدار اللبناني».

نُصِح قهوجي كثيرا بتسوية علاقته مع ميشال عون وبتقوية خطوط التواصل مع بكركي، لكن الرجل لا يستسيغ لغة التودّد الظرفي لكسب الرهان الرئاسي.

مع البطريرك بشاره الراعي العلاقة ممتازة، وهناك لقاءات دورية بينهما بعيدا عن الإعلام، إلا أنه لم يطلب رعاية بطريركية تزكّي اسمه.

أما مع عون، فلم يفكّر قهوجي بسلوك طريق الرابية، التي يعتبرها البعض المعبر الإلزامي لكل طامح للرئاسة. لا تواصل بين الرجلين يعوّل عليه ما خلا اتصالا شخصيا قام به عون منذ أشهر معزياً قهوجي بوفاة صهره، فيما تقاطر وزراء ونواب «التكتل» لتعزيته شخصياً.

ساءت العلاقة بين الرجلين منذ حادثة الكويخات، وحين دخل قهوجي وسيطاً بين ميشال سليمان وميشال عون بشأن تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى، وصولا الى التمديد لقائد الجيش، ثم محاولة عون وضع حدّ لولايته الممدّدة بقرار إداري موقّع من وزير الدفاع، الى أن حلّ أوان الرئاسة.

حاول البطريرك بشاره الراعي إعادة مدّ الجسور بين اليرزة والرابية، لكن الوساطة فشلت. تأثّر العديد من نواب ووزراء «التيار الوطني الحر» بأزمة «الجنرالين» فعمدوا الى تقنين زياراتهم الى مكتب القائد.

في دائرة المقرّبين من «جنرال اليرزة» من يرى في ميشال عون «الأب الروحي» للجمهورية، أما موقع الرئاسة فيحتاج اليوم الى من يحاكي متطلّباته بالأمن والسياسة.

الرابية تفضّل عدم الكشف عن كل معطياتها، وتؤثر الصمت حين يتعلّق الأمر بحظوظ قهوجي في انتخابه رئيسا، لكنها تنطلق من الأساس «نحن ضد تعديل الدستور، ونقطة على السطر».

أعطى «حزب الله» ميشال عون فرصته، ولا يزال. لكن عند استسلام «الجنرال» واقتناعه بضرورة البحث في البديل، لن يسعى الحزب الى حجب تأييده المضمر لوصول مرشّحين موثوق بهم.

ولكن من يتنازل لمن؟

على طاولة «حزب الله» حتى الآن عبارة «الوفاء لعون»، وفي رئاسة الجمهورية «له كلمة الفصل».



http://www.assafir.com/Article/1/366757

 

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه