ليست «داعش» مجموعة إجرامية تقتل هنا وتفجر وتفجّر هناك وحسب، بل هي جماعة منظمة لها مشروع سيقتلع، في حال نجاحه، أسس وجود جزء كبيرة من مكونات المشرق العربي. اللبنانيون لا يزالون يستخفون بها. لهذا السبب، أعلن السيد حسن نصر الله
ليست «داعش» مجموعة إجرامية تقتل هنا وتفجر وتفجّر هناك وحسب، بل هي جماعة منظمة لها مشروع سيقتلع، في حال نجاحه، أسس وجود جزء كبيرة من مكونات المشرق العربي. اللبنانيون لا يزالون يستخفون بها. لهذا السبب، أعلن السيد حسن نصر الله «النفير» لمواجهتها.
تتعامل القوى السياسية اللبنانية بخفّة مع ما يجري داخل الأراضي اللبنانية وخارجها. استخفاف بالأعداء وبالأصدقاء وبالقدرات، الظاهر منها والكامن. ما يدور في المنطقة حالياً، من مذابح وتهجير لجماعات دينية وعرقية وتهاوٍ للحدود على أيدي جماعة «داعش»، لم يستدع تحرّك المسؤولين اللبنانيين لتدارس أخطار هذه الظاهرة التي تتمدّد في سوريا والعراق، وتهدّد، ميدانياً، بالمسّ بالدول المحيطة بهاتين الدولتين.
الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، قرّر مرة جديدة دق ناقوس الخطر. وفي خطاب يمكن وصفه بالمفصلي، خرج «ليلقي الحجة» على اللبنانيين، داعياً إلى ما يشبه «الاستراتيجية الدفاعية» في وجه «داعش». قارن بين خطر الأخير، وخطر الصهيونية، واضعاً المقاومة مرة جديدة في موقع الدفاع عن لبنان، إذا تقاعست الدولة (وهو يدرك أن الدولة ستتقاعس). وكما أن لبنان غيّر معادلات إقليمية ودولية بانتصاره على العدوان الإسرائيلي عام 2006، وعد نصر الله بأن يغيّر لبنان معادلات إقليمية ودولية عنوانها «الزحف الداعشي» على المشرق. بعيداً عن الحسابات السياسية اللبنانية، يصعب على من يعرفون حزب الله وأمينه العام إلا أن يتعاملوا مع خطاب ذكرى انتصار تموز ــ آب 2006، يوم الجمعة الماضي، كإعلان نوع من النفير العام في محور يحضّر نفسه لحرب كبرى عنوانها مواجهة المد الداعشي في المشرق.
فقد كرّر السيد نصر الله تحذيره من خطورة التحوّلات في المنطقة، مؤّكداً أن شعوب المنطقة وجيوشها في خطر وجودي، وأن «المسار الحالي خطير للغاية لأنه يهدف إلى تفتيت كل شيء». وشرح التهديدات التي يشكلها تمدد تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، داعياً الجميع إلى التكاتف لمواجهته، لأن «الخطر الوجودي يكون أولوية في المواجهة، وخلاف ذلك يكون أعمالاً غير مسؤولة».
وأشار نصر الله في رسالته التي وجّهها عبر شاشة قناة المنار، لمناسبة عيد انتصار المقاومة في عدوان تموز 2006، إلى أن «حرب تموز لم تكن معركة صغيرة، بل كانت حرباً حقيقية تتخطى لبنان إلى المنطقة». وأكد أن «الميدان هو الذي أجبر الإسرائيلي على أن يصرخ»، مشيراً إلى أن «المقاومة صمدت وبقيت، وتم تأجيل الحرب على سوريا وعلى غزة يومها لآخر 2008، وبالعكس حصل تصاعد للمقاومة في العراق مع إرادة وطنية عراقية، وسقط مسار المخطط، ولكن من دون أن يسقط الهدف الأميركي في المنطقة... هذه الحرب فشلت... وهذا المجموع في لبنان وفلسطين والعراق وسوريا وإيران قادر على إسقاط المشاريع الجديدة». واعتبر أن ما يجري في غزة «حرب في مسار جديد للسيطرة على المنطقة ومنابع النفط وتأمين الإسرائيلي غلة وفرض شروطه»، و«هو حلقة في ملفات هذا المسار الجديد».
وانطلاقاً من القراءة التاريخية والتوصيف الحالي، رأى أن «المنطقة في حالة خطر وجودي، والمسار الجديد أصعب وأخطر من المسار السابق، لأنه ليس بهدف إسقاط أنظمة واستبدالها بنظم جديدة، بل هو مسار تدميري وتحطيم جيوش وشعوب وكيانات وتفتيت كل شيء». وأشار إلى عنصرين في سياق «بناء خريطة جديدة للمنطقة، وأن نقبل بأي إملاءات كي نخرج من هذه المصيبة»، وهما «الإسرائيلي لضرب ونزع سلاح المقاومة وتيئيس الناس في غزة»، والعنصر الآخر «هو التيار التكفيري، وأوضح تجلياته داعش».
وسأل: «هل يمكن التغلب على المسار الجديد وإلحاق الهزيمة به؟»، مؤكداً أن «هذا لا يحصل بالتمني، ولكن بالعمل والجهد»، داعياً إلى «عدم الذهاب إلى خيارات فاشلة، بل إلى خيارات واقعية تنبع من واقع أمتنا، ووضع خطة لمواجهة هذا التهديد».
في العنصر الأول، أشار الأمين العام لحزب الله إلى موضوع «عدم تقدير خطر الصهيونية عندما بدأت تتغلغل في فلسطين»، وإلى أننا «وصلنا إلى هذه الحال بسبب ضياع التقدير الأول... والعنوان الثاني هو الرهان على المجتمع الدولي، وتصديق الإنكليز وفرنسا وأميركا، والرهان على الجامعة العربية...». وأكد أن «الأمر الوحيد الذي كان صحيحاً هو الكفاح المسلح». أما العنصر الثاني، فهو أن «داعش يسيطر على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، وسيسيطر على النفط والأنهار وسدود رئيسية ولديه كميات كبيرة من السلاح والذخائر»، واضعاً علامات استفهام حول «الدول التي ستشتري النفط من داعش». وأشار إلى أن مجازر داعش «حصلت بأهل السنّة بالدرجة الأولى»، مذكّراً بالحرب على الأكراد والسنّة والمسيحيين والأيزيديين، وأن «داعش لن يوفر أحداً منهم ولا مقدساتهم». وسخر ممن اتهموا سوريا وإيران بأنهما وراءها، مؤكداً أن «الأميركي غض النظر كي يستفيد من ظاهرة داعش... أكيد هم (داعش) مخترقون، سواء علموا أو لا».
ودعا اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين وأهل الخليج إلى «التخلي عن العصبيات الطائفية والمذهبية والعداوات الشخصية، والتوقف أمام هذا الخطر الذي لا يستهدف الشيعة وحزب الله والمسيحيين والعلويين والأيزيديين والدروز والأباضيين، وإنما أهل السنة بالدرجة الأولى»، مطالباً بـ«مناقشة الخيارات تجاه هذا الخطر»، سائلاً «هل نراهن على المجتمع الدولي؟ ولكن أي مجتمع دولي سيتدخل ولمصلحة من؟». وتابع: «عندما اجتاح داعش الموصل ونينوى وغيرها، لم يتدخل المجتمع الدولي (...) تدخل عندما وصل خطر داعش إلى كردستان لما لها من وضع سياسي عند الغرب».
وحول خطر «داعش» على لبنان، أشار نصر الله إلى أن «حزب الله يرغب في مناقشة هذا الخطر ولكن ليس عبر مؤتمر حوار». ووصف النقاش القائل بأن انسحاب حزب الله من سوريا يبعد خطر «داعش»، بـ«غير المفيد، لأن المنطقة كلها في خطر»، وطالب الجميع «بوضع المناكفات جانباً» لأن «المسؤولية تقتضي حماية البلد». وكرر السؤال: «هل بقاؤنا في سوريا يحمي لبنان أم العكس؟». وأكد أن «داعش ومن وراء داعش يمكن إلحاق الهزيمة به، ويمكن إسقاطه ولا مستقبل له، ولكن في حال تجمع العراقيون والسوريون واللبنانيون لمواجهته، وليس في حال دفن رؤوسنا في الرمال». وأكد أنه «إذا تخلى من يريد عن المسؤولية، فنحن لن نتخلى ولن نهاجر إلى أي مكان في العالم وسنبقى هنا، وهنا سنحيا وإذا فرض علينا القتال وندفن هنا... ويمكننا أن نغير جميعاً مسار المنطقة كما حصل في حرب تموز».
وفي معرض رفضه لدعوات توسيع القرار 1701 باتجاه الحدود السورية، سأل نصر الله إن كان القرار «يمنع إسرائيل من الاعتداء على لبنان؟ (...) قوات الطوارئ تحتاج إلى من يحميها، ومن حمى لبنان هو معادلة المقاومة والجيش والشعب، وليس المظلة الدولية ولا القرار 1701 ولا المجتمع الدولي». كما سأل «لو أن داعش سيطر على سوريا وصار على حدود لبنان، فهل النأي بالنفس يحمي لبنان عندها؟»، مشيراً إلى أن «لبنان يذبح جنود جيشه، في ظل مطالبته بالنأي بالنفس»، ومستغرباً «اعتبار البعض أن لا خطر موجوداً».
وحذّر من أن «اللبنانيين جميعاً أمام الخطر ككيان ومجتمع»، ما «يتطلب وضع الخلافات جانباً. لا عيب من مراجعة المواقف والبحث عن عناصر القوة وتجميعها لمواجهة هذا الخطر، وفي طليعتها الجيش والقوى الأمنية، وتسليحه بسلاح فعال». وطالب «بدعم حقيقي رسمي وشعبي ومعنوي للجيش، وأن تقف الدولة لتأمين إعادة الأسرى من الجيش لأن كل لحظة تمر هي لحظة إذلال له وللبنان». ورفض «الاتهامات الموجهة إلى الجيش بأنه أداة بيد حزب الله، فهذا جيشنا الوطني، وجيش جميع اللبنانيين».
ودعا نصر الله إلى «الحفاظ على الحكومة الحالية لأنها المؤسسة الوحيدة الشغالة إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية»، مشدداً على «إجراء المصالحات المناطقية في باب التبانة وبعل محسن والضاحية والشويفات، ووقف التحريض والاحتقان الداخلي، وإجراء كلام رسمي مع سوريا حول قضية النازحين، ومعالجة هذه القضية ولاحقاً الكلام مع سوريا حول مسألة الحدود».
وخاطب أهل عرسال قائلاً «أنتم أحباؤنا وأهلنا»، وأشار إلى أن «مستقبل عرسال هو بعلبك الهرمل، وليس داعش». وعن رئاسة الجمهورية، قال: «كفى ذهاباً وإياباً. لا تحكوا مع وسطاء. نحن في فريق 8 آذار نطالب بالحوار المباشر، فلا تنتظروا المعطيات الإقليمية والدولية»، مطالباً بـ«معالجة الملفات المعيشية».