21-11-2024 10:12 PM بتوقيت القدس المحتلة

"داعش"، صنيعة الشيطان الاكبر

كفاكم دجلاً، باسم القيم ومتاجرة باسم المعذبين في الارض، والمقهورين، والمنكوبين، والمفجوعين، والمشردين

د. حنا الحاج

"ما من خفي الا وسيظهر"، وها هم، الذين خططوا في غرفهم السوداء، وموَّلوا، وقدَّموا كل الدعم، بواسطة عملائهم ومخابراتهم، خلقوا وحشاً سموه "داعش"، متسترين بعباءة الدين، وهمُّهم تعميم الفوضى الخلاَّقة، ونشرالرعب في قلوب الناس وترهيبهم، بالتشريد والقتل، والتنكيل، وبتر الاعضاء، وبقر البطون، والحرق، والسبي، والاغتصاب، استكمالاً لخريطة شرق أوسط سموه كبيراً، وهم لا يريدونه الا خراباً ودولاً مدمَّرة، ومشرذمة قبائل متناحرة ومتقاتلة، تعيث في الارض فساداً.

هؤلاء أسقطوا أقنعتهم، وكشفوا عن وجوههم القبيحة، وعن جرائمهم المغلَّفة بشعارات الديمقراطية الصمَّاء، وبأكذوبة حقوق الانسان.

من هي "داعش"، وكيف أصبحت بين ليلة وضحاها، جحافل مدجَّجة بكل أنواع الاسلحة وأحدثها، ومن أين هبطت عليها، هذه المليارات من الدولارات، في حين عجزت عن ذلك كثير من الدول، ثم كيف سمح لـها الدخول الى محرَّمات النفط والغاز، في سوريا والعراق؟

"داعش"، مجموعات إرهابية هجينة، تعيش خارج الزمن، لا عقل لها، ولا قلب، ولا دين، وهي لا تشبه البشر في شيء، وقد أُريد لها أن تكون مركز استقطابٍ، أوتجميع لكلِّ شذّاذ الآفاق، ولكل المجرمين المحترفين في العالم. فتكاثر شياطينها كما تتكاثر الغربان، والذئاب حول فريستها؛فشكلوا بذلك إرهاباً متعدِّد الجنسيات، بتخطيط دولي وبتمويل اقليمي أسود، ومشبوه، خدمة لمخططاتهم المسمومة.

أما صانعو"داعش"، فمن أفواههم ندينهم، وقد وثَّقوا إجرامهم بأنفسهم، ودون خَجَلٍ، فأصدروا الكتُبَ ووضعوا الوثائق، الشاهدة على اجرامهم.
فرضيَّات تؤكدها أدلة، نورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

المشروع الاميركي، المعروف باسم الشرق الاوسط الكبير، والهادف الى نشر الفوضى الخلاقة، في المنطقة، وقد استماتت، في سبيله، "كوندي ريز"، وزيرة الخارجية الاميركية، في عهد جورج بوش الابن. ثم جاء كتاب "هيلاري كلينتون" الصادر حديثاً، ليؤكد أن الادارة الاميركية، هي التي أسست تنظيم "داعش"، بهدف حماية أمن اسرائيل، وبسط هيمنتها على مصادر الطاقة والنفط، في شرق أوسط مفكك، تعصف به كل فنون الفوضى والاجرام.

سبق ذلك، اعترافات "سنودين" اللاجيء الهارب من الديمقراطية الاميركية، الى روسيا الاتحادية، ونقلاً عن وثائق مخابراتية سرية، يكشف فيها جانباً من الفساد الاميركي، فأحيل الى المحاكمة، لا لانه كاذب ، بل لانه أفشى أسرار مخططاتهم الارهابية، في كل أنحاء العالم.

أما بريطانيا العظمى، وأجهزة مخابراتها، ففضلهما سابق، ويتكامل مع مخططات الاجرام الدولي، وكان آخرها خطة بعنوان "عش الدبابير"، ومن منكم يجهل ما يعنيه المصطلح؟

"عش الدبابير"، عدو الفلاَّح والمزارع ، والنحَّال وغيرهم، كونه يقضي على مواسمهم، وعلى قفران النحل عندهم، وفي لسعاته، السم، والالم، و الموت أحياناً. والمقارنة بين المصطلحين، "داعش"، و"عش الدبابير"، تُظهر أنهما متشابهان في الشكل، والمضمون، فكلاهما يحملان الخراب، والدمار، ويرمزان الى ثقافة الموت، هؤلاء هم أسياد الفكر "المكيافلي"، بامتياز، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، وتبيح لهم كل شيء.

أمام هذه الكوارث والمآسي، تتكشف ألاهداف والخلفيات، فتصدمك مفارقات كثيرة، تتمثل في صمت العالم المشبوه والمُدان، وفي تخاذل المتبجحين بالعيش الواحد، أو بالحوار المسيحي- الاسلامي. والصامت والمتواطيء والمشارك والمتفرِّج ، والسائر في جنازة آلاف الشهداء، الابرياء، من أجنَّة وأطفال وشيوخ ونساء وشيوخ، ذنبهم أنهم ينشدون الحياة، والسلام، والحرية والعدالة، وهذه ثقافة لا يفهمها أكلة لحوم البشر. والغريب أن هؤلاء يحاضرون بالقيم والاخلاق، والضمير، وحقوق الانسان، ويتغنون بمؤسسات دولية، تضيع في أروقتها مئات، بل آلاف المليارات من الدولارات، أو ما يعادلها بـ "اليورو"، ودائماً من أجل أهداف انسانية سامية، كما يدَّعون.

تريدون المزيد، عودوا الى وثائق "وكيليكس"، التي تكشف لكم الكثير الكثير، من اجرامهم.

فكفاكم دجلاً، باسم القيم ومتاجرة باسم المعذبين في الارض، والمقهورين، والمنكوبين، والمفجوعين، والمشردين، بأدوات اجرامكم. فأنتم لا تنطقون الا بالباطل، ولا تخططون الا للمفاسد والشرور، و آخرها ما أنجزته أدواتكم في العراق من ابادة وتنكيل وتهجير، تفوق كل فظائع "سفر برلك"، و "هولوكوست بني عثمان"، وحضارة المغول ، ومحرقة "هيروشيما "، وأنتم لا تحركون ساكناً ، لذلك نتوجكم وبكل جدارة وامتياز ، " أباطرة جلادي العالم".  

"داعش"، آلة الموت وأداة الاجرام، أمَّا المجرم الاكبر فهو من خطط، وموَّل ودرَّب، وذهَّن على التوحش، طيلة عقود، ودعمَ بالمال، وبالانتحاريين، وبكل وسائل الموت، والارهاب، والدمار. هؤلاء هم المجرمون الحقيقيون، لانهم صانعو "داعش" وأمثالها، لتكون واجهة يتخفَّون وراءها، وقد نجحوا الى حد بعيد، والدليل أن معظم الشعوب والاعلام، يصُّبُ جام غضبه على "داعش"، التي حجبت صورة الشيطان الاكبر، الذي أنتج هذا الوحش.

أكدت التجربة، أن وراء كل اجرامٍ، دولة عظيمة. فكفُّوا شرَّكم عنا، فالشعوب لا تحتاج الى مساعداتكم المفخخة و الفاسدة. لكم"دواعشكم"، وكل مآثرهم في الكفر والاجرام، ولنا ما يطَّهر دنسَكم، من نبع المحبة، وخبز الحياة، وصوت الحق.

وللشريك المسلم في الوطن نقول، خبزنا، وماؤنا، وهواؤنا واحد، ومصيرنا واحد، والهنا والهكم واحد، وايماننا بكرامة الانسان وحقوقه واحد. والوطن واحد، وسنموت معاً أوننتصر معاً من أجله وسننتصر.

أما أنتم يا حكَّام العرب - مع علمنا المسبق أنكم لا تقرؤون وان قرأتم فلا تفهمون الا ما لقنتم-، ولكن أللهم أشهد أني بلَّغت، فلا تشاركوا في تدنيس أرضنا، ولا تشهدوا زوراً على صلبه مرة جديدة، رحمة بأنفسكم، ورأفت بنسلكم، فاحذروا لعنة التاريخ مرة جديدة، وأعطوا علامة واحدة، أنكم أحياء، و بادروا قبل فوات الاوان، الى سحق رأس الافعى، واذا خفتم فاطردوها، وهي معروفة، في الزمان والمكان، ولا تشبه الا الشيطان الاكبر!

( باحث في علم الاجتماع السياسي وفي علم النزاعات)

 

موقع التيار الوطني الحر

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه