26-11-2024 07:39 AM بتوقيت القدس المحتلة

نصرالله..، المُنتصر الأوحد في شرق الهزائم

نصرالله..، المُنتصر الأوحد في شرق الهزائم

العرب ما قرأوا تحذيرات السيِّد، ولا قرأوا الفكر النقيّ لمَن أثبت أنه رجل الثوابت قولاً وفعلاً



أمين أبوراشد

إذا كانت الإحاطة بإطلالتين غَنِيَّتين مُتقاربتين زمنياً لسماحة السيّد حسن نصرالله مستحيلة عبر مقالةٍ متواضعة، فإن المقابلة مع صحيفة "الأخبار" أكَّدَت المؤكَّد، أن السيّد هو دائماً الخبر، والإطلالة في ذكرى تحقيق "الوعد الصادق" كانت كما العادة إطلالة سياديٍّ وسيدة الإطلالات، ونحن لسنا مجرّد أسرى "كاريزما" قائدٍ مبدئيٍ في إيمانه وإنسانيته وصدقه ورؤيته وعزمه وقدرته على تحقيق الإنتصارات، بل نحن أبناء مدرسة حقٍ، لها طلاَّبها ومريدوها وحلفاؤها ومناصروها على امتداد لبنان والعالم العربي، على مستوى الجماهير المؤمنة بالقضايا العربية العادلة وبالقادة الذين يُجيدون صناعة النصر في زمن عالمٍ عربي لا يُتقن سوى ارتكاب الهزائم.

هي مناسبة مباركة في ذكرى تحقيق "الوعد الصادق"، نغتنمها لنجول في شرقٍ ما عرف انتصاراً على العدو الإسرائيلي قبل العام 2000، لنذكِّر العرب أن سماحة السيد  حين أهدى إنتصارات المقاومة للبنان والعرب والمسلمين، أهداها لشعوبٍ مؤمنة بقضايا الحق وللأنظمة المقاوِمة التي كانت شريكة في صنعها، ولم يطلب سماحته من العرب مقابلاً سوى أن يحذروا المخاطر الآتية على المنطقة نتيجة الهزيمتين الماحقتين لإسرائيل عامي 2000 و 2006، اللتين شاءت أميركا الردَّ عليهما بشرق أوسطٍ جديد يُنشىء إسرائيليات مذهبية، فكان "الربيع العربي" الذي لم ولن يُزهر للعرب سوى الإنتحار والتناحر، سيما وأن عنوان هذا الربيع في وثائق الغرف السرِّية في واشنطن قد تسرَّب عبر كل وكالات الإعلام: "العرب جمعتهم الأرض فلتفرِّقهم السماء"، فنفَّذ بعض العرب الأوامر الأميركية في ربيعهم المتنقِّل، وكانت لهم الثمار التي نشهد عيِّناتٍ منها في ليبيا واليمن والعراق وسوريا.

العرب ما قرأوا تحذيرات السيِّد، ولا قرأوا الفكر النقيّ لمَن أثبت أنه رجل الثوابت قولاً وفعلاً، وأنه القائد الأوحد الذي لا يسعى لأن يكون حاكماً بين حكَّام الشرق العربي بينما هو  فعلياً أقوى حاكمٍ في هذا الشرق من غير قصدٍ منه، بدليل، أنه مع إيمانه العظيم بعدالة "ولاية الفقيه"، اعتبرها منذ سنوات غير قابلة للتطبيق في لبنان إحتراماً منه للتنوَّع في المجتمع اللبناني، في طمأنةٍ لبعض القاصرين الراغبين دائماً بمماحكة مقاومة عملاقة من زواريبهم الضيقة.
ورغبة منه أيضاً في طمأنة القاصرين المتخاذلين عن القضايا الكبرى على امتداد هذا الوطن العربي المُتناحر مع نفسه، أضاف سماحته منذ أيام من ثقافته الإنسانية الشاملة كلاماً واضحاً عندما قال: "نحن لسنا جيش الشيعة العرب بل نحن مقاومة".

لبنانياً، أين لدولةٍ وأحزابٍ وقوى سياسية أن تستوعب المخاطر الجدِّية لدواعش التكفير على لبنان والمنطقة التي حذَّر منها السيِّد، بل كيف يفقهون "الإستراتيجية الدفاعية" الجديدة التي يطرحها لحماية لبنان على ضوء المستجدات كي لا يتكرَّر ما حصل في عرسال وما قد يحصل في مناطق أخرى، طالما هم عاجزون عن إجراء انتخابات رئاسية أو نيابية، لا بل هم أعجز من إقرار سلسلة رُتب ورواتب؟

منذ نهر البارد، مروراً بعكار وطرابلس وصولاً الى صيدا ومن بعدها عرسال، ووسط أجواء تكفيرٍ غريبة عن الثقافة اللبنانية تورَّط فيها نوابٌ وزعماء وعلماء دين، ماذا كان يحمي الشعب اللبناني لولا الخطاب الوطني الإنساني الجامع الذي يكرِّره سماحة السيّد وكان آخر مقاطعه يوم خاطب أبناء عرسال منذ أيام قائلاً لهم: "أنتم أحباؤنا وأهلنا"، وأن "مستقبل عرسال هو مع بعلبك والهرمل وليس مع داعش"، وخاطب الطبقة السياسية وقال:"كفى ذهاباً وإياباٍ، لا تحكوا مع وسطاء، نحن نطالب بالحوار المباشر فلا تنتظروا المعطيات الإقليمية والدولية"، مُطالباً بالحفاظ على الحكومة لأنها المؤسسة الوحيدة التي تعمل بانتظار انتخاب رئيسٍ للجمهورية، داعياً الى معالجة الملفات المعيشية وإجراء المصالحات في الأماكن الساخنة ووقف التحريض والعمل على إدارة ملف النازحين بالطرق الممكنة وبالتنسيق مع الحكومة السورية.

عربياً، كما دوماً، دعمٌ كامل للمقاومة الفلسطينية، وانتصار غزَّة الذي تحقَّق في عام 2012، يعود الفضل فيه الى "مدرسة حسن نصرالله في الردع الصاروخي"، والوثائقي الذي نُشِر مؤخراً عن صناعة الصواريخ محلياً في غزَّة يحسِم في ما لا يقبل الشك أن غزَّة انتصرت، وما المفاوضات غير المباشرة التي تحصل في مصر سوى الهزيمة الثالثة التي لحِقت بإسرائيل بعد هزيمتي عام 2000 و2006 على يدِ الممقاومة اللبنانية، وتجربة قطاع غزَّة ذي المساحة الصغيرة الذي عجِزت كل القدرات الإسرائيلية عنه، تُعيد خلط الأوراق داخل المجتمع الإسرائيلي وفي أروقة حكومته وقياداته العسكرية، بأن أية حرب على لبنان باتت لها حسابات جديدة تصل الى حدود عدم التفكير بهكذا مجاذفة، لأن لغة الصواريخ اللبنانية هذه المرّة ستُحاكي المُدُن الإسرائيلية والمرافق الحيوية بما هو أقسى وأمَرّ، وأن المجتمع المدني الإسرائيلي الذي يتابع إطلالات السيِّد أكثر منَّا، بات أكثر رُعباً ويأساً بعد أن أنزلته الصواريخ الغزّاوية الصنع الى الملاجىء فكيف بالحري لو حاولت حكومته الإنتحار وجازفت بأية مغامرة مع لبنان.

سيِّد المقاومة مطمئنٌ على لبنان ومن قدرته على صدِّ أي هجوم إرهابي لداعش شبيه بعرسال ولكن، الأمر يستوجب المزيد من الوعي والتكاتف والإلتفاف حول الجيش اللبناني ودعمه، وأن تصمت لغة التكفير المذهبي البغيض الذي دفع السنَّة في لبنان والأقليم أثمانه أكثر من سواهم، والأثمان الى المزيد متى وطئت الدواعش أرض الأردن والسعودية وتركيا طالما الحدود السيادية للأوطان ساقطة من ثقافتها، وطالما أن العرب لا يقلِّون كفراً عن داعش عندما يقفون شهود زورٍ أمام مجازر القرن التي تُرتكب بحق الأقليات المسيحية والشوبكية والتركمانية والأزيدية، وسُنَّتهم يدفعون من أرواحهم وأرزاقهم ومقدساتهم أكثر مما دفعت الأقليات، وسيخرج الشرق كله منهزماً وحُكّامه مهزومون، ويبقى حسن نصرالله على خطِّ ثوابت القيَم الإنسانية والدينية الجامعة، ويبقى وحده المنتصر بانتظار عودة العرب الى رشدهم ليستحقّوا الإنتصارات...